ايهاب سلامة –
الى دولة رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي الاكرم ؛
تحية اردنية عربية طيبة .. من بلد عربي طيب شاءت الاقدار أن أكون معتقل فيه يوما فيها.
اسمح لي يا دولة الرئيس ان اقص عليك حكايتي برسالتي هذه راجيا ان تحظى بعنايتك :
انا المواطن الاردني تيسير النجار .. أحمل الرقم الوطني .. (9721044441) كاتب وصحافي.. ورب اسرة من خمسة عيال وزوجتي الصابرة ..وأمي العجوز التي لا تعلم حتى اللحظة اني معتقل خوفا عليها.
أنا المواطن الاردني شوقا وانتماء وكبرياء .. عمان مسقط قلبي التي لوعني هواها ..وسابقى، حتى الاقي وجه ربي ..
عمان التي بيني وبينها حكايا عشق لا يمكن للبوح اختزالها.. فهي حبيبتي التي احتضنت شقاوة طفولتي .. وهي التي شهدت أولى لمسات يدي امي الحانية على شعري .. وحملت على أكف طرقاتها عكاز ابي..وهي المدينة التي سكنت فيها، وسكنتني..
عمان .. تلك الجميلة التي علمتني الكتابة يا دولة الرئيس.. وتلمذتني على حروف الحب، لاخط عنها اجمل نبضي.. حرفا حرفا .. وكلمة كلمة .. وكتابا تلو كتاب .. وما شبعت من هيامها، ولا هي اكتفت من وجدي..
ساحكي لك قصتي يا دولة الرئيس علك تنصفني..
فكم راودني حلمي بالعمل في اﻻمارات ..وكم تمنيت زيارتها وطالما افتخرت بها كأردني وعربي .. فهي التي تطال السماء عزا .. وتحضرا ..وحداثة .. فعشقتها قبل ان ازورها وتراها عيني .. وتعلقت فيها قبل ان يطأها قلبي ..
وحينما اتيحت لي فرصة العمل في ابو ظبي ..لم استوعب فرحتي .. سبقني اليها يا دولة الرئيس حينما هممت بالسفر، قلبي ..
كيف لا ؟ وتلك المدينة التي يحلم كل عربي العمل فيها لما حباها الله بفضل سواعد ابنائها وكدهم .. من حضارة سبقت دول عربية وغربية .. وهي المدينة التي تختال بجمالها وحسنها كشامة تزين وجه البلاد العربية لا أحلى ولا أجمل ..
والتحقت بعملي هناك سيدي بكل شغفي .. قضيت أيامي كمن يعيش حلما تجسد على أرض الواقع .. حلما أتاني هدية من الله مع بدايات خريف عمري .. الذي عاود برؤاها اخضراره.. وزهر أملا.. وانبت براعم دحنون ودفلى..
ومضت الايام والشهور يا دولة الرئيس ..وانا أعيش حلمي..مبهورا بعزيمة الانسان حين يقرر الارتقاء نحو قمم التحضر .. فما شعرت يوما بغربتي وابتعادي عن ولدي يوسف حبيب الروح .. وابراهيم وعون الاغلى من ضي عيني.. فكيف اكون في غربة وانا في الامارات العربية الشقيقة الحبيبة ؟
كيف اكون غرببا وأنا بين اهلي وعشيرتي الكبيرة واخوتي ؟
يا دولة الرئيس ..
الان بعد عام ونصف العام مضت على حلمي..
أبعث لك رسالتي هذه من خلف قضبان معتقلي !
اخبرك فيها ان الفقراء مكتوب عليهم أن لا تكتمل فرحتهم !
فبعد ان غلب الشوق اصابعي التي اشتهت ان تمسد خصلات شعر يوسف قرة عيني ..وأصغر أولادي .. وضعت قلبي في حقيبة سفري عائدا ململما اشواق الكون كلها لبلدي.. في اجازة ظننت أنني ساقضيها بأحضان حبيبتي عمان الدافئة، آخذ منها زوادة عشق لسفري مجددا، واعاود الرجوع .. ليفاجئني أمن المطار هناك، بإعادتي لمركز أمني .. حولني لاحقا لسجن في إمارة أبو ظبي .. في صدمة كانت اكبر من قدرة قلبي على الاحتمال والتخيل..
فكيف للامارات التي عشقت ان تسجنني ؟ كيف لحبيبة الروح ان تصفد يداي بأغلالها ؟ .. وكيف طاوعها قلبها ان تقسو علي وتمنعني من رؤيا شوارعها ونوافيرها ومتاحفها ومبانيها وابتسامات اهلها..وتزجني في معتقلي ؟
الان يا دولة الرئيس ..قضيت سبعة شهور في ذات الزنزانة التي تحول قضبانها بين قلبي ووطني .. تحول اسوار سجنها العالية بين روحي وأسرتي.. وتحرمني من رؤيا وجه ابنتاي قمر الزمان وشذى .. وتمنعني من مراقبة أصابع زوجتي وهي ترسم حنينها العربي على قماش لوحاتها البيضاء.. التي استحالت سوادا لم يعد متصالحا مع أي لون صالح للرسم,سيدي ؟!
اسمح لي دولة الرئيس .. انا المواطن اﻻردني تيسير النجار.. أن أعاتبك !
فأنا من انشأتني حكومتكم مذ كنت طفلا بأن الانسان اغلى ما نملك ! .. فلماذا هنت وانا الاردني عليكم وعلى وطني ؟
لماذا يا صاحب الولاية لم تسأل عني سفارة بلدي ؟ ولا خارجية بلدي ؟ ولا وزيرها السياسي الدبلوماسي المحنك ولم يزرني واحد منهم أو يسأل عني ؟
لماذا تركتموني وحيدا سيدي؟ .. وهان دمي عليكم .. ولو ضلت “شاة” في بلادنا لكنت انت المسؤول عنها امام ربك يوم القيامة.. فما بالك حبسي وظلمي.
اخبرني يا دولة الرئيس بربك :
ماذا اجيب يوسف ان شاء ربي ورأيته ذات يوم وسألني عن “أعمامه” الذين تركوا اباه وحيدا في غياهب الجب سيدي ؟
أعلمك اخيرا يا دولة الرئيس .. بأنني هرمت في سجني .. وكبرت في الشهور السبعة الماضية سبعة قرون .. وكم بكيت على نأي قومي عني.
يا دولة الرئيس : لست أخشى على نفسي ..انما اخشى ان يقال يوما : هان الاردني على أهله ووطنه !
***
هذه رسالة افتراضية .. كتبها العبد الفقير الى الله “ايهاب سلامة”.. واستوحيتها من الزميل تيسبر النحار .. الذي اعلم يقينا كم كان شخصا مهذبا رقيقا راقيا مسالما ..لم تخرج من فمه يوما كلمة في غير محلها.. بل كان نموذجا اخلاقيا انسانيا، وكاتبا مرهفا، شائت الاقدار ان يعتقل في دولة عربية كانت من عجائب الاقدار هي الاقرب الى قلبه بعد الاردن.
وعقب سبعة شهور على توقيفه، بات لزاما على الحكومة ان تتحرك فورا لمعرفة مصيره، بل على دولة رئيس الوزراء هاني الملقي ..ان يسجل موقفا مشرفا، بزيارة مخصصة الى دولة الامارات العربية الشقيقة، والعمل على اخلاء سبيله واعادته الى وطنه واهله سالما.
ودون ذلك، ستظل قضية تيسير النجار وصمة عار على جبين الحكومة، ويظل تهاونها وتراخيها بحق مواطن اردني، يمثل قيمة الاردني في عين وطنه وحكومته !