مُت لِتَحيا.. وجاوِرِ الخَوفَ تَأمَنْ
وارجُ أَمنًا.. خِلَافَهُ سوف تَضمَنْ
واسأَلِ النّاسَ حاجةً، تَلقَ منهم
ما يُنَسِّيكَ أَنهـم مِنكَ أَحسَن
وادفعِ الظُّلمَ، لن تَرى في الضّحايا
مَن يُواسِي؛ وحَرِّرِ العَقلَ تُسجَن
كُلُّ مَن ثُرتَ دافِعًا عنه ظُلمًا
سوف يأتِيكَ ظالِمًا إِن تَمَكَّن
كُلُّ حُبٍّ مَنَحتَهُ سوف يَمضِي
تاركًا فيك ثَغرةً لا تُحَصَّن
ليس بين العَقِيقِ والبَعرِ فَرقٌ
في عيونٍ بَريقُـها قد تَعَـفّن
كُلُّ شيءٍ بضدِّهِ صار يُؤتَى
كُلُّ ضِدٍّ بضدّهِ صار يُقرَن
واجتنابُ الصَّوابِ في كُلِّ أَمرٍ
صار أَولَى مِن الأَذى فيه والمَن
في زمانِ التفاهةِ النّاسُ إِمّا
جاهِلٌ، أَو مُجَهّلٌ، أَو مُهجَّن
لا تُحاوِل بِمَنطِقٍ دَفعَ وَهمٍ
إِنَّ لِلوَهمِ سَورَةً لا تُخَمَّـن
حكمةُ اليومِ: إِن تكن دون قَرنٍ
لا تكن مِن دجاجةِ البيتِ أَجبَن
وادَّرِع مِن شَماتةِ الناسِ وَجهًا
مَعدنيًّا، ولَاقِهِـم سَيِّءَ الظَّن
واتَّقِ الطَّعنَ، صادقًا.. أَو كَذُوبًا
إِنَّ مَن لا يُحاذِرِ الطَّعنَ يُطعَن
أنتَ إن لم تُخالِفِ النّاسَ تُجهَلْ
أَو تُبادِر بكَسرِهِم سوف تُطحَن
فالقضايا بأَهلِها قد تُعادَى
والنوايا بعَكسِها قد تُبرهَن
مُنتَهى القولِ: إِن تكن صِرتَ خَصمًا
للشّياطينِ، فانقَرِض، أَو تَشَيطن
أَو تكن صِرتَ شاعرًا في زمانٍ
مثلِ هذا، فلا يكن منك أَخشَن
***
يا زمانَ التّفاهةِ الشِّعرُ أَرقَى
يا زمانَ التهافُتِ الشِّعرُ أَثمَن
يا زمانَ السَّفاهةِ الشّعرُ يَأبى
أَن يُساوَى بِداجِنٍ أَو مُدَجَّن
يا خَيَالَ المَآتَةِ الشِّعرُ أَنقى
منكَ وَجهًا، وماؤُهُ ليس يَأسَن
واليقينُ الذي به، لا تُساوِي
خَطرةً منه، أو صَدًى لم يُدوَّن
والخُلودُ انتِماؤُهُ حين تَشقَى
منه نَفسٌ على الأَذى لم تُوَطَّن
إِنَّما المَرءُ بالذي سوف يَبقَى
لا بِجثمانِهِ الذي سوف يُدفَن
كيف أَحيا مُجرَّدًا مِن ضَميري
في زمانٍ جَمادُهُ قد تَأَنسَن!
إِن يكن لا امتِنانَ لي مِن زماني
فالزّمانُ الذي يَلِي سوف يَمتَن
عادِنِي ما استَطَعتَ.. أَو كن حَليفي
فاغترابي احتِمالُهُ فيك أَيقَن
كان عندي مِن المُنى مثل غيري
غيرَ أَني اكتَفَيتُ بِالشِّعرِ والفَن
إِنّ أَسخَى السُّخاةِ في كُلِّ عَصرٍ
مَن يُغنِّي لِغيرِهِ وهو مُثخَن
***
يا زمـانًا كـأنـه بِـنتُ لَيلٍ
لا تُبالِي بعِرضِها وهو يُعجَن
ما الذي فيك رائجٌ، غيرُ سُخفٍ
كُلُّ مَن نال شَربةً منه أَدمَن!
فيكَ أَضحَى مُغـرِّدًا كُلُّ قِـردٍ
لو رَأَى منكَ سُلطةً ما تَسَلطَن
وافترى الدِّينَ جاهلٌ.. وهو لولا
أَنه فيكَ، ما افتَرَى، أَو تَدَيَّن
واعتَلَى الحُكمَ سافِلٌ باعَ أَرضًا
أَو غَزَاها مُحَرِّرًا.. أَو تَصَهـيَن
وادَّعَى الشِّعرَ مُهـتَذٍ ليس يُدرَى
هل جُنونٌ أَصابَهُ! أَو تَمَجنَـن!
ليس هذا الغُموضُ إلَّا هُـذاءً
إِنّما الشِّعرُ مَن إِذا قال بَـيَّن
كيف تُرجى فَصاحةٌ مِن دَعِـيٍّ
وهو حتى سُكوتُهُ غيرُ مُتقَنْ!
كم دَعِـيٍّ أَصابَنا منه كِـبرٌ
فاجتَنَبنا صَلاتَنا حين أَذَّن
***
يا زمانَ النّفاقِ في كُلِّ شَيءٍ
ما على الوَهمِ حُجّةٌ إِن تَشَيأَنْ
كُلّما انحَطَّ تافِهٌ فيكَ لَاقَى
منكَ ما لم يُلاقِهِ مَن تَرَهبَن
كُلّما اختَلَّ ساذَجٌ أَو سَفِيــهٌ
ذاعَ حتى بنَفسِهِ صار يُفتَن
كُلّما ارتَـجَّ فارِغٌ نال أَقصَى
ما تَمَنّى شُعَيبُ مِن أَهلِ مَديَن
يا زمانَ الفَجاجةِ الفَنُّ صِدقٌ
كُن مع النّفسِ صادقًا، وابكِ، أَو غَنْ
لا يُجِيدُ الغِنـاءَ مَن لا تُـدَوِّي
رُوحُهُ قبل صَـوتِهِ إِن تَشَجَّن
والذي ليس صادقًا لا يَراهُ الـ
ـنّاسُ إلَّا مُهرِّجًا، حَنَّ، أَو أَن
إِنما الفَـنُّ قَبضَةٌ مِـن فؤادٍ
ذاب فيها مُلَحِّنٌ في المُلَحَّن
قد تَدُورُ الرّؤوسُ إِن طار صَوتٌ
غيرَ أَنَّ استِدارةَ القلبِ أَفطَن
أين مَن كان إِن بَكَى أَو تَغَنّى
جَفَّ رِيقُ الكَمانِ، والعُودُ أَغصَن!
صار سَقْطُ الهُراءِ شِعرًا، وصارت
في الرّؤوسِ العقولُ أَهرَى وأَنتَن
لا أَرَى في السِّلاحِ أَعتَى دَمارًا
مِن عقولٍ بِساقِطِ القَولِ تُشحَن
أَو أَرانِي انهَزَمتُ مِن آدَمِيٍّ
كانهِزامي أَمامَ سُخفٍ يُدَوزَن
***
يا مُذِلَّ العَزيزِ مِن أَجلِ خُبزٍ
أَو إِدَامٍ عليهِ.. أَو أَجرِ مَسكَنْ
جُـر كما شِئتَ.. إِنّما أَنتَ وَقتٌ
سوف يَمضِي، ولَعنةٌ سوف تُلعَن
ها أَنا فيك شارِبٌ ماءَ وَجهي
شاحِبٌ مثل لوحةٍ لم تُلَـوَّن
في جِرابِي بَقيَّـةٌ مِن جياعٍ
لم يَمُوتُوا، وثَورةٌ لم تُدَخَّن
وانتِماءٌ يَصيحُ بي: أَنتَ أَثرَى
مِن عَميلٍ بِنعلِهِ لا يُثَمَّن
يا لَها مِن فَضيلةٍ أَن تُعادَى
في زَمانٍ حَلِيفُهُ مَن تَخَرفَن
قل لِمن رَوَّعُوكَ: لن تَطمَئِـنُّوا
فالذي ليس آمِنًا ليس يُؤمَن
حين يَغدو لِسارقِ الخُبزِ قَصرٌ
خائنٌ كُـلُّ جائــعٍ لا يُخَــوَّن
***
يا زمانَ البَلاهَةِ الصَّمتُ أَبقَى
مِن هُراءٍ مُحَـرَّكٍ أَو مُسَكَّـنْ
أَنتَ لولا عَماهةٌ أَنتَ فيها
ما غدا فيكَ رائِدًا كُلُّ أَرعَن
فيكَ صار البَذِيءُ “يُوتْيُوبَرِيًّا”
مُترَفًا، وهو قاذِفٌ كُلَّ مُحصَن!
وابنَةُ السُّوقِ أَصبَحَت أُمَّ ثانٍ
فيه بَيعُ الهواءِ بالشِّبرِ والطَّن
والأَدِيبُ الأَرِيبُ يُكدِي غَريبًا
غُربةَ العاديَاتِ في دُورِ أَرمَن
يا زَمانَ الخُروجِ عن كُلِّ عُرفٍ
لا تُسائِل مَن انطَوَى كيف أَذعَن
فالنَّعيقُ استُطِيبَ، والسُّخفُ أَودَى
بِالأَغاني الحِسانِ، والطَّبلُ دَندَن
والوُجُوهُ الكَريمةُ الماءِ جَفَّت
واشتَراها بِقَطرةٍ مَن تَقَطرَن
أَصبَحَ الحُـرُّ ما له مِن شَفيعٍ
فيكَ، إِلَّا إِذا انحَنَى، أَو تَمَسكَن
وانصِياعُ اللَّبيبِ لِلجَهلِ أََضحَى
كانصِياعِ النهارِ لِلَّيلِ إِن جَن
آفَةُ الجَهـلِ أَنه صـار عِلمًا
كُلَّما ازداد صَفحُنا عنه أَمعَن
كان يَبدو نَقِيصةً.. ثم لَمَّـا
صار يَجنِي لِأَهلِهِ المالَ هَيمَن
مالَتِ الأَرضُ تحتَه بِاختيالٍ
مَيلَ سَطرٍ عليه حَرفٌ مُنَـوَّن
***
يا زمانَ الصِّغارِ.. ما أَنتَ إِلَّا
مثلهم، فاقسُ مثلهم، أَو تَحَنّن
لن تَراني مُقدِّسًا فيك ذَيلًا
أَو مُعِينًا بِفِطرَتي مَن تَمَلعَن
أَو تَراني مُعانِقًا غيرَ حُزني
فهو أَولَى بِصُحبَتي، وهي أَمتَن
قد أَخافُ اشتِعالَهُ بي.. ولكن
يُصبِحُ المَرءُ شاعرًا حين يَحزَن
عَلَّمَتنِي قصائدي الصِّدقَ، حتى
صِرتُ إِن مِلتُ طَرفَةً عنه أَلحَن
ساخِناتٌ مَخالِبُ اللَّيلِ حولي
وارتِيابي أَحَـدُّ منها وأَسخَن
كُلُّ صَدرٍ فؤادُهُ دون نابٍ
ليس إِلَّا فَريسةً حين يُحضَن
يا فؤادي.. شِعارُكَ اليومَ: شَرٌّ
كُلُّ خَيرٍ، وأَيسَرُ الشَّرِّ أَيمَن
لا تَقُل لي أَخافُ مِن عَكسِ طَبعي
إِن دَخَلتَ الصّراعَ لا بُدَّ مِن أَن
كُلُّ مَن قال واثِقًا: سوف أَنجو
لم يَقُلها نُبُوءةً.. بل تَـكَـهَّن
***
أَيُّها الرّاقِدونَ في بابِ قلبي
طَمْئِنُوني.. فكُلُّ مَن ماتَ طَمأَنْ
أَو هَبُوني بَراءةً مِن بــلادٍ
لا تُداوَى، ومِن دَمٍ ليس يُحقَن
مِن صِراعٍ أَخَـفُّـهُ حين أَسعَى
خلفَ قُوْتي، ومَصرَعِي منه أَهوَن
مِن سكوتٍ يَنالُ مِن كِبريائي
أَو مَقالٍ مَآلُهُ غيرُ مُعلَن
أَيُّها الرّاقدونَ.. لم يَبقَ مني
غيرُ كأسٍ مِن المَديحِ المُبطَّن
فاسكَرُوا مِن محاجِري، واتركوني..
إِنَّ خَمرَ الفَقيرِ شايٌ مُلَبَّـن
ما الذي ظَلَّ مِنكمُو آدَمِيًّا
يا كِباشًا لِذَبحِها لا تُسَمَّن
مَن يكن عاشَ مِثلكم باحتيالٍ
فَليُفاخِر بأنه ليس يُضمَن
لا أُريدُ اعترافَكُم، فوق ما بي
مِن زمانٍ بِغُربتي قد تَفَـنَّن
إِنَّ يومَ الحِسابِ لا رَيبَ آتٍ
بالتقاضي، ونادِمٌ مَن تَفَرعَن
إِنّما الغُربةُ التي أَشتَكِيها
غُربةُ الفِكرِ عند مَن لا تُمَدَّن
غُربتي أَن يُقالَ لِي في بلادي:
أَنتَ مِمَّن؟! وتَكتبُ الشّعرَ عَمَّن؟!
غُربتي أَن أَموتَ في كُلِّ سَطرٍ
ثم أَصحُو مُكَذِّبًا مَن تَمَـعَّن
كلَّما مات شاعِرٌ جَفَّ بَحـرٌ
كان بين السّماءِ والأَرضِ يُوزَن
يا سؤَالَ الحياةِ كم أَنتَ سَهلٌ
لو أَجَبناكَ.. إِنما مَن سَيَأذَن!
لا أُحِبُّ البقاءَ في جَوفِ هذا الـ
ـطّينِ.. سِجنًا عَرَفتُهُ مُذ تَكَوَّن
فاحمِلوني كتاجرٍ مات جُوعًا
أَو شَهيدٍ بثَوبِهِ لم يُكفَّن
ثم عُودُوا.. فإِنَّ لي بعد هذا
ذِكرياتٍ، وغايةً لم تُعَنوَن
إِن لَمَحتُم فَراشَةً فوق قَبري
لا تَظنّـوا بأَنّ شَيئًا تَحَسَّن