يَا أبِي،
لَمْ أكنْ جَاهِزًا للتَّوغُّلِ فِي مِحْنَتِي،
والطَّريقُ تُسافِرُ بِي فِي الجَريمَةِ
نَصًّا يُحَدِّقُ فِي اللَّيْلِ،
أتْعَبَنِي مَنْطِقُ العَرَقِ الرَّطْبِ
وَاللَّيْلُ يأخُذُ مِنِّي هُدوءَ الحُواةِ
تَعِبْتُ منَ الرَّكْضِ فِي حَيْرَةِ الشُّعَراءِ
وَلاَ بَابَ يُفْتَحُ للضَّالِعينِ بِتأوِيلِ هَذَا الصَّدَى
كَانَ يُمْكِنُ أنْ لاَ أَكونَ هُنَا،
يَا أبِي،
شَاهِدًا أزَلِيًّا عَلَى نَمَشِ اللَّيْلِ فِي دَمِنَا،
عَابِرًا فِي الفَراغِ الشَّقِيِّ بِنَا،
سَاخِرًا منْ تَرَدُّدِنَا
والشَّريعَةُ تَنْصُبُ خَيْمَتَهَا فِي مَضارِبِنَا،
كَانَ يُمْكِنُ أنْ لاَ أَكونَ هُنَا،
يَا أبِي،
وَنُواحُكَ فِي رَهَقِ اللَّيْلِ يَأكُلُنِي
قُلْتَ لِي:
زَمَنٌ آفِلٌ مِثْلَ غَيْرِهِ يَا وَلَدي،
زَمَنٌ قَاتِلٌ للحُواةِ وأحْلاَمِهِمْ،
زَمَنٌ عَاشِقٌ للأفَاعِي
يُرِيدُ إبَادَتَنَا كَيْ يُؤخِّرَ نُضْجَ الحَقِيقَةِ فِي تِيهِنَا
كُلُّ شَيءٍ هُنَا آفِلٌ
كُلُّ شيءٍ هُنَا عَدَمٌ مُوغِلٍ فِي البُكاءِ
سَتْرُقُصُ “فَالْسَ” الغِيابِ لِأجْلِ شَرَاسَتِهِ مثْلَنَا،
قبْلَ أنْ يَتَوَسَّعَ فِيكَ الظَّلاَمُ وتَمْضِي إلَى آخِرِكْ
زَمَنٌ آفِلٌ مِثْلَ غَيْرِهِ يَا وَلَدي
وَأنَا يَا أبِي،
قُلْتُ والعَقْلُ يَعْقِلُنِي في اصْفِرَارِ المَسَافَةِ،
كَيْفَ أمُوتُ هُنَا؟
لَمْ أكنْ جَاهِزًا للتَّوغُّلِ فِي مِحْنَتِي
هَاهُنَا
فَلِمَاذَا تُحَمِّلَنِي حِصَّةَ اللّيْلِ فِي كُلِّ خَيْبَاتِنَا؟
كَانَ يُمْكِنُ أنْ لاَ أَكونَ هُنَا،
يَا أبِي، مِثْلَ قَابِيلَ،
أنْكِرُ مَعْرِفَتِي بِسُلاَلَتِنَا،
وَأرُدَّ الغِطاءَ عَلَى مِحْنَتِي دُفْعَةً واحِدَهْ؟
فَلِماذَا تُحَمِّلَنِي حِصَّةَ اللّيْلِ فِي كُلِّ جينَاتِنَا؟
وَلِمَاذَا الجَريمَةُ بَاذِخَةٌ هَكَذَا فِي العَطاءِ
أكادُ أصَدِّقُ أنَّا حُواةٌ بِجيناتِ أفْعَى
أكادُ أصِّدقُ أنَّا سُلاَلَةُ عَجْزٍ
تَرُدَّ التَّحيَّةَ للْعَجْزِ قَانِعَةً بالأفُولِ
أكادُ أصدِّقُ أنَّي دَلِيلِي الوَحيدَ
إلَى تِيهِنَا العَدَمِيِّ
فَمَاذَا صَنَعْتَ بِهَذَا الفَتَى
وَالسُّؤالُ يُثَبِّتُهُ فِي هَشَاشَتِهِ
يَا أبِي؟
كَانَ يُمْكِنُ أنْ لاَ أَكونَ هُنَا
كَانَ يُمْكِنُ أنْ لاَ نَكونَ هُنَا
يَا أبِي !
الشاعر: وليد أحمد الفرشيشي، ديوجين / تونس
من ديوان: لم أكن حيا بما يكفي 2015