في مَحطَّةِ خَيالاتِ الصَّمتِ ..
وخُرافيَّةِ الطَّالَعِ عِندَ العرَّافاتِ ..
تقتَرِبُ ريحٌ من غَيمةٍ رَقيقَةِ الوَجهِ ..
لتُغازِلَ جَمالَها الآسِرَ ..
ريحٌ هارِبَةٌ مِنْ ظِلِّ الشَّمسِ ..
روحُها مَنقوشَةٌ بِألحانِ الغَجَرِ ..
وَلمْ تخشَ يَوماً سَوادَ عَباءَةَ الليلِ ..
أو الغَرَقَ في تَنهيداتِ المَساءاتِ …
هيَ جَلسَتْ تُغنِّي للصَّيفِ المُندَلِقِ ..
ترشُفُ قَهوَتَها دونَ عِلمِ الخَريفِ …
فقالَتْ عرَّافَةٌ عَتيقَةٌ …
كانَتْ تَبيعُ الغُيومَ لِلخَريفِ ..
تلكَ الرِّيحُ تَخونُني معَ القَمَرِ ..!
تتَّكيءُ العَرَّافةُ في وُجومٍ ..
تَعبِسُ ..
تَستعمِلُ خِبرَتَها القَديمَةَ ..
تعزِفُ علىٰ مَوَّالِ الجَوِّ الحَزينِ ..
فتُصابُ الرِّيحُ بِضَربةِ البَرْدِ ..
وتُخفِقُ في إِسقاطِ أوراقِ الصَّفصَافِ …
تَغفو الرِّيحُ قَليلا ً ..
تَمُرُّ سَحابَةٌ دونَ عِلمِها ..
تتَشاقىٰ بِرائِحةٍ حَميميَّةٍ ..
وتُلوِّحُ بِملءِ ذِراعَيها ..
فَينبُضُ العِشقُ عِندَ النُّجومِ ..
يَجوبُ إِعصارٌ نَبيذيٌّ في السَّماءِ ..
تستيقظُ الجَانُ ..
وتَنذهِلُ حُزَمٌ منَ النَّيازكِ المُهاجِرةِ …
لا تَجفَلي أيَّتُها الرِّيحُ ..
هيَ مُذنَّباتٌ منْ خَيالِ الألوانِ …
يَطفُقُ الضَّبابُ يَلُفُّ خَصرَ الرِّيحِ ..
يتحرَّكُ جَبَروتُ أصابِعِ الرِّيحِ ..
يُثَرثِرُ خازِنُ الليلِ في ارتِجافٍ ..
فالرِّيحُ تَحتكِرُ ضَراوةَ كُلِّ الاحتِمالاتِ ..
وأيُّ أجنِحةٍ سَتَحملُ لَحنها الفاجِرَ ..؟؟!!
يَلوذُ القَمرُ خلفَ الغَيمِ ليُخفِ الوَجَلَ ..
أغصانُ الصَّنَوبَرِ تَهتزُّ علىٰ عَجَلٍ ..
إغماءَةٌ بينَ السَّماءِ والسَّماءِ ..
ولا سبيلٌ الآنَ لانبِلاجِ الفَجرِ …
تُسمعُ جَلَبَةُ أصواتِ الآهاتِ ..
سُعُفٌ مِنَ الغُيومِ تَحمِلُ الشَّيءَ المُلبَّدَ ..
وعلىٰ كَتِفَيها أحمالٌ مِنَ الوابِلِ ..
فتَعبَثُ الرِّيحُ بِمَزاجِ السَّماءِ ..
تلعَبُ أصابِعُها بِروحِ الخَريفِ ..
مَسُّ العُبورِ يَتشارَسُ معَ الحواسِّ ..
وَشوَشاتٌ مِنَ العَفاريتِ الشَّارِدَةِ ..
ونَزْفٌ منْ بعضِ الغَيماتِ المَجنوناتِ ..
تَختَلِطُ الحُدودُ بينَ السماءِ والأرضِ ..
تَبتلعُ الدَّهشةُ جَسدَ السَّماءِ …
فتنبشُ الريحُ جيوبها ..
تَبحَثُ عنِ الأصواتِ الماكِرةِ ..
تُريدُ أن تَرضَعَ من نَهدِ الليلِ …
فيبدأُ الانفلاتُ في امتدادِ الفراغِ ..
هيَ الآنَ لا تعرفُِ وجههاَ الآتي ..
فتَضرِبُ في جِهاتِ الأرضِ الأربَعةِ ..
تلتَهِمُ أوراقَ الشَّجَرِ بِشَديدِ البَأسِ ..
تهرِسُ غيرَتها…
وتُحطِّمُ سُخريَّةَ القَدَرِ المُتَعجرفِ…
هُنا تُهَروِلُ دَقائقُ الزَّمنِ نحوَ التَّاريخِ ..
وتّؤَرِّخُ تفرُّدَ نَشوَةَ الرِِّيحِ المَخُوْفِ …
تَمضي الرِّيحُ خَفيفَاً خَفيفَاً ..
تَختَفي مِثلَ ذُيولِ النِّسيانِ
فيُداهِمُ الإغماضُ هُنَيهاتِ انبِلاجِ الفَجرِ ….