الإمتحان الحقيقي/ بقلم:اقتراب القدسي (اليمن)

صامدت بوجه الرياح،
امرأة عظيمة لها تاريخ وتحديات عظيمة. إنحرمت من طفولتها، فتزوجت بعمر الرابعة عشر، وتحملت مسؤولية الأم والأب. كانت تضحك بوجه الحياة، ولم تعلم أن ضحك الدنيا مزيف.

أنجبت طفلاً بعمر الخامسة عشر، وكانت فرحانة، لكنها لم تعلم مسؤوليات الأمومة. كانت تلعب مع إبنها وتضحك معه. في السنة الثانية، أصبحت أمًا لطفلين، فشعرت بالتعب والتحمل.

تفاجأت بوفاة زوجها وهي بالعمر السابع عشر، فصارت أرملة وحاملًا بالطفل الثالث. لم تكون تتوقع أن تتأرمل هذه الطفلة الصغيرة. صارت أمًا وأرملة، وهي مازالت طفلة.

إنحرمت من طفولتها ودراستها وزوجها، فصارت تحمل مسؤولية عائلها لوحدها. كانت كلما أغلقت الرياح الباب أمامها، تمسك بالصبر وتفتح بابًا آخر. مسكت دور الأب، وبحثت عن عمل لتشتغل فيه وتؤمن عائلتها وتوفر لهم حق التعليم.

واجهت صعوبات الحياة، وحاربت الدنيا من أجل عائلتها. تقدموا لها عرسان، لكنها رفضت، وصرت على البقاء مع عائلتها. لم تسلم من كلام الناس والضن السو، فواصلت المشوار وتحملت كل الصعوبات.

بدأ أطفالها يكبرون أمام عيونها، فكانت تستبدل التعب بفرح صغيرتها التي لم تعرف ابوها .  فكلما تسألها عن ابيها، فكانت تنهمر الدموع، وتعجز عن القول. حاولت تغطي دور الأب وحنان الأب بقدر ما تستطيع.

رغم الصعوبات، بنت عائلة ناجحة ومتعلمة ومصرة على الحياة. تحملت مالم يتحمله الجبال، فكانت تبحث عن السعادة لأطفالها وتعوض ما خسرته بحياتها وتحقق أحلامها الصغيرة.

عندما صارت بنتها بعمر الرابعة عشر، تقدموا لها عرسان، فرفضت  تزويج ابنتها، قائلة: “لن أحرم بنتي من طفولتها، ولن أحملها مسؤولية أكبر منها”. حاولت ان تزرع السعادة بقلوب أطفالها، وهي تعلم النقص الموجود بداخلهم وهو فقد الأب. كانت رمزًا للنجاح والتحمل والاصرار.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!