إلى روح الشهيد عمر النايف
المغدور الذي ماتْ عاد إلى الحياة، أقسم الذين يسكنون بالقربِ من المقبرة بأن القبر قد تَصَدَّع أثناء الليل وخرج منه وقد امتلأ المكان برائحة العطِر والبخور، وقال الذين كان يسكُن معهم بالحي بأنهم شاهدوه يدق الباب على أمّه وعندما رأته أغمي عليها، في حين أن أخته قد احتضنته وصرخت تقول: أبي.. أبي.. لقد عاد إلينا أخي، وذكر الذين تجمهروا بأن أبيه قد ذرف من الدمع الكثير وقال: ألم أقل لكم بأن الذي يستشهد لا يموت، فتبسم له ابنه وغادر البيت على عجل وهو يحمل دمه قبل أن تداهمه السلطات وتصادر ما في عينيه ، وعندما حاول شباب الحارة أن يتبعوه لاحَ إليهم بإشارةٍ من يده فتوقفوا، قيل بأنه توجه نحو الحاجز وقيل بأنه نصب كميناً بمكان اعتاد أن تمر منه دورية للاحتلال، وقيل أيضاً بأنه قد توجه إلى مقهى يعج بالمتسكعين وأنه يقصد أحد فيه، قيل الكثير وأهم ما قيل بأنه ذهب ليبحث عن قاتليه، وتوقع واحدٌ يعرف الشهيد جيداً بأنه قد غادر باتجاهِ القصر ولن يعود قبل أن يقتل قاتله. مرتْ الأيام ولم يعد اشغلَ بال الذين بالدنيا و الذين في الآخرة، منهم من بدأ يبحث، ومنهم من ينتظر ولم يتبدل من الأمرِ شيئاً إلا عندما وُجِدَ شخص كان له في البلدِ سلطة مقتول وبالقربِ من جثته لعنة، فقال الحَكيم: بدأتْ تظهر الخيوط، وسيعود الشهيد، صار الجميع يتنظرون عودته وبدأ نسيج الحكايات، قال رجل جاء بالقربِ من مكان ليس له علاقة بسوادِ الليل بأنه قد شاهده يحمل دمه ويصوب نحو شخص له أكثر من مائة عين وذراع طويلة وأكثر من إبهام في كلِّ يد ولديه من الأرجل ما يفوق ألف قدم ولا يشبه البشر رغم ادّعائه، وقد قتله وكتب بدمه “قتلتكم”. أدرك الناس بأن المغدور قد أخذَ بثأرِه و سيعود، زينوا الطرقات وتهيأ الجميع وعندما حضر حملوه على أكفهم مرة أخرى وساروا فيه في الطرقات التي أحبها وعندما وصل إلى مثواه ترجل وقبل الأرض والتحف ترابها وأقسم بعض الناس بأن التراب قد أضاءه الليل وبأن الحركة بين السماء والأرض لم تتوقف وصار الجميع يشاهدونه في القرية.
بقلم: حسين حلمي شاكر.