ملوك البرية / بقلم: علوي بن محمود

حط النسر البني الأقرع على غصن شجرة ورفع عقيرة صوته ونادى من الأسد ملك الغابة الى كل اكلات العشب يحضر عليكم الرعي في هذا المرعى ومن يخالف يعرض نفسه للأفتراس وطار النسر مخلفا قطعان العاشبات في هرج ومرج تتناقل فيما بينها هذا الفرمان الخطير

اتت مجموعه من الجواميس وثيران النو بصحبة قائد قطيعها الى كبير جواميس الماء

قال احدها ياكبير الثيران الم تصلك الاخبار الم تسمع فرمان الأسد

جلس كبير الجواميس يجتر العشب بهدوء وقال نعم سمعت وماذا في ذلك

خاطبه قائد النو لماذا هذا البرود ياجاموس

توقف الجاموس عن الاجترار ونهض واقفا على قوائمه الغليضه وهز رأسه فأهتز جسمه الضخم بكتلته العضلية الرهيبه

حقا ماتقول ياقائد النو اذن فالترينا الأسود كيف ستمنعنا عن الرعي

وخاطب الحاضرين ممن تجمعوا من حمير الوحش وغزلان طومسون ووعول التيتل

قال كبير الجاموس بصوت غليظ اجش من عمق حنجرته الثورية

تظن الأسود حقا انها ملوك وهذا وهمها الذي يتشربه غرورها الزائف

تظن الأسود ان لبدة على رأس الذكور البالغة تجعلها ملوكا

ماهي اللبدة الا شعر ووبر يتهاثر مع الريح

اترون ايها الحاضرون هذه القرون القوية على رؤس كل ذكور واناث الجواميس والنو هذه تيجان الملكية الحقيقية

فاليأتي اشد الأسود لبدة وشراسه ليتحداها وليرى اين سيكون مصيره الا مطعونا بها ومداسا تحت حوافر الثيران

نحن راعيات العشب اشد الحيوانات ارتباطا وقربا من امنا الأرض

نحن ملوك حيث ماوطئت اقدامنا نتنقل بين المراعي نلاحق المطر والعشب حيثما تكون المراعي نكون نحن

وهل الأسود والضباع والفهود والنمور الا كائنات مستوطنة اسيرة مناطقها لاتفارقها وتنتظر من يمر بها

نحن اكثر حرية وتحرر منها وهي السجينة

ان كانت تأكل الضعيف والهرم منا فنحن نقتل اشرسها شكيمة ولاتجرؤ على مهاجمة مخضرمينا

وكل ماوقعنا على وكر للاسود دسنا اشبالها وقتلناها ورددنا لها الصاع بمثله

ونحن سواد هذه الأرض واكثرها عددا وجموعا قطعاننا ملايين والمفترسات عشرات فقط

ولولا العهد القديم مع امنا الارض ان نعيش ونترك غيرنا يعيش والا لكنا قادرين ان نبيد الاسود واضرابها واشياعها فلايبقى مرعى الا وهو عدم منها

اذهبوا ايها الاصحاب وارعوا بسلام وواجهوا الاسود واطنابها كما تقتضي العادة

اطمئنت القطعان بعد هذا الخطاب وراقبت اعدادها المنتشرة على طول سهل السافانا واخذت ترعى ضاربة عرض حوافرها فرمان الأسد

لكن زعيم الجواميس لم يهدئ وقد تعكر مزاجه الثوري فجمع حوالي ثلاثين ثورا مقاتلا وثارو في حملة على الأسود وطاردوها في انحاء المرعى والقطعان تشاهد وتهلل وتتغنى بشجاعة الجاموس الملك

عادة جماعة الثلاثين مكللة بالنصر وكان العيان خير شاهد على البيان

عن قريب ينتهي الموسم وتتحرك القطعان نحو المراعي الجديدة قاطعة النهر حيث ستقدم بعضها قربانا للحياة وقوتا للتماسيح والطيور الجارحه والاسماك التي تنتظر جائعه موعد الهجرة

خاطب كبير الجواميس العجول الشابه قبل عبور النهر

ايها العجول نحن مصدر الكرم وفرق شاسع بين من يعطي الحياة ومن يسلبها هكذا عهد البرية منذ خلقنا الله

لاتحزنوا ولاتأسوا فلم يكن شكلكم ولونكم الواحد ضمن القطيع الا سببا لتعلموا انكم واحد وان اختلفت نفوسكم وابائكم وامهاتكم

هذه البرية خلف النهر ورائحة المطر المنعشة تستدعيكم لتكملوا دورة الحياة وسنعود مرارا عبر السنوات لنعبر النهر ونواجه الخصوم وسنضل دوما اكثرية ويضلون دوما قلة فكونوا على قدم المسئولية

وصاح بهم من ملوك البرية
صاحت الجواميس والنو معا

نحن الملوك وحملة التيجان وواهبي الحياة

وتقافزت القطعان تخوض النهر بشجاعه ليس لها مثيل

وهناك في المرعى الجديد ستدور ملاحم اخرى من دورات الحياة والموت والبعث الجديد .

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!