إغماء بامتداد سفر/ بقلم: عبد القادر محمد الغريبل(المغرب)

ذات صباح ربيعي وقف عند بوابة الضيعة
ــــ صباح النور آنستي
ــ صباح النور سيدي
ـــ ممكن شربة ماء
ــــ بكل فرح …تفضل
ـــ هل اعجبك الماء؟
ــــ كثيرا، شكرا لك
ـــ إنه أغلى شيء، لكن للأسف بالبئر كبريت.. لا يستساغ شرابه، إلا بتصفيته بمصفاة خاصة، أو وضعه تحت الشمس.
ـــ لديك حديقة جميلة
ــــ حقا أنها كذلك
ـــ لكنها منعزلة قليلا
ـــ أفضل من صخب و ضوضاء المدينة
ـــ نحن نقيم هنا ونتدبر شؤون معيشتنا، لأن البشر مخلوقات معقدة ومتقلبة بمجرد أن يعتاد على امتلاك شيء ما، فمن الصعب معرفة كيفية الاستغناء عنه…و بوسائل بسيطة وأدنى رفاهية، قد تمنحه شعورا بالرضى والارتياح.
و يمكن أيضا لحرماننا من أمور أخرى، قد نتذمر أحيانا لوجودنا هنا
ـــ آنستي أستميحك عذرا بطلب الإذن … لقول بضع كلمات أريد أن التحدث بها .
ـــ عذرا سيدي، لست معتادة الحديث مع غرباء.
ـــ أنا مدرك لهذا الأمر، كل ما أحاول قوله، هو أنني أقضي جل الأوقات بشاحنتي على الطريق، لا أستمتع بمداعبة أطفال مشاكسين، أو على الأقل زوجة تستقبلك بإبتسامة صادقة.
هناك بلدة … داومت على أخذ قسط من الراحة من وعثاء السفر، كلما مررت بها، لكن بالتعرف عليك، من الصعب علي تفويت لقاء آخر ، كونك إنسانة متفهمة،متفتحة…
آنستي أظنك استأنست قليلا بالتحدث معي، مما خفف ما لديك من توتر وارتباك…
ربما أنت لا تذكرينني بعد حين، لكني من المؤلم لن أتمكن من نسيانك أبدا … ويمكنني الاحتفاظ بأثر طيب منك، وظل ابتسامتك لن يفارق أبدا مخيلتي…
أظن، لا سابق لك بهذه المواقف.
ــــ فعلا، لا أعرفك مسبقا، ولا أعلم نواياك ، وأخشى ألا أتوافق معك … ولا أتأقلم أبدا….
ـــ لك العذر في ذلك، دائما نتوخى الحذر في بداية أي علاقة.

لاحقا توالت زياراته، آخذا العزف على وترها الحساس، اندفعت بعفوية إليه، يحدوها الأمل لمعانقة حلمها الوردي.
ــــ عزيزتي: ما يدعوني للحزن عليك ، كونك عالقة هنا كأن العالم الفسيح تم طيه، ويخالجني شعور أكيد برغبتك لرؤية ماوراء هذه الأسيجة، ولشد ما أتمنى لقاء خلسة من عيون …..
إن من طوح بهن القدر في مثل ظروفك المزرية، يسعين للتحرر بكل السبل المتاحة
ــــ عزيزيي، كيف الخلاص ؟ وبأي طريقة؟

ـــ آنستي الجميلة:إنه لطف منك أن تستقبلينني، إنك متفانية في خدمة عجائز مملين، وهذا سيء للغاية، ولا أبالغ في ذلك…
أنا لا أصدق أن هذا البيت قد طرقته سعادة يوما ما، ومن تحت سقفه يحظى بها، فلا داع للبقاء به، لقد نلت كفايتك من تعاسته.
إنني مجبر على مساعدتك ولو بشكل متواضع، بالخروج من بين الذين يتباهون أنهم من علية القوم.
ـــ ألا تشعرين بكره لمخدوميك؟
ـــ لا، أبدا أكن لهم محبة وتقديرا، أنا أقوم بخدمتهم حسب قدرتي وهم يدفعون لي بسخاء، ويعاملونني كإبنة لهم بحنو و لطف.
ـــ لدينا الكثير لنتحدث عنه
ـــ لقد كنت دائما طيبة معي
ــــ لا عليك
ـــ بل حقا
ــــ أنت تعني لي الكثير
ــــ وأنا أبادلك نفس الشعور

مفاجأة غير مرتقبة
.. كنت أحتسي الشاي بالمطبخ، و أبي يتابع آخر الأخبار كعادته، أمي الحنون عاكفة على تطريز قماش بالصالون، الخادمة بغرفتها، تناهى لسمعي صوتها وهي تقول بانشراح كبير: حزمت أمري، أمتعتي، مشاكلي وداعا، وداعا، ود….
لحظتذاك انتابني شعور غريب، ثمةأمر مريب يدور في الأرجاء ، ناديت عليها مرات عديدة، لا رد صوت ولا صدى، أطللت برأسي من النافذة … تراءى لي رجل طويل يهرول من الجانب الشرقي للبيت خلف شجيرات الكروم نحو الباب الخلفي للضيعة والذي يمكن التسلل خلسة منه، آنذاك تيقنت أنه هو.
خرجت بأقصى سرعة، أتفقد أثرها…
يا للمسكينة.. كانت مستلقاة على الأرض مغمى عليها، بكامل أناقتها، وبجانبها حقيبتي السفر واليد، والعلبة الزهرية ”صندوق ودائعها” الذي يحوي مجوهراتها، هداياها، مدخراتها، أوراقها الثبوتية وصورها، منبعجة و فارغة.

ــ تبا لذلك الخسيس، سحقا له.
الوقت ليس مناسبا لشتمه…
المهم هو أن تتعافى من الصدمة،دون أن تتعرض لإنهيار عصبي لا قدر الله.
يوم نحس الذي تعرفت فيه على ذلك…
ـــ اللوم يقع عليها، فطالما حذرتها من مغبة علاقتها به
المسكينة ليس لها نصيب من الحظ، النصاب المنحط أعد سيناريو متقن، بناه بما باحت له بكل أسرارها، بما فيه يتيمة جاءت من ملجأ الأيتام، بسذاجتها وطيبة قلبها انقادت لمزلقه المدبر، وعوض سفرها، أغمي عليها بامتداد سفر.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!