(نساء الشطرنج) هي الرواية الأولى للكاتبة السعودية رحاب سعد، صدرت عام 2013 عن دار الفكر العربي للنشر والتوزيع في الدمام وقد أتبعتها في سنة 2015 برواية (ألف امرأة في جسدي).
تقع رواية نساء الشطرنج في مائتين وأربعين صفحة من القطع المتوسط وهي رواية اجتماعية تنقل لنا واقع المرأة السعودية في مجتمع لا يزال يهضم حقوقها.
تبدأ الرواية عند تعيين المعلمة (نورة) في مدرسة ثانوية حكومية بعد أن عملت سبع سنوات في مدرسة ابتدائية خاصة.
وعلى الرغم من بعد المدرسة الحكومية عن منزلها وسوء تجهيزها والمعاناة التي واجهتها جراء تعاملها مع طالبات يفقنها طولا ومن بيئة فقيرة وغير متعلمة؛ لكنها تبدو أكثر سعادة إذ تبدأ أسبوعها الأول بحملة تنظيف لغرفة المعلمات -بمشاركة زميلاتها والعاملة أم سعيد- وتشتري لنفسها مكتبا صغيرا و(بروجكتور) لتستخدمه في شرح دروسها لطالباتها.
وليس غريبا هذا الشعور وهذه الفرحة التي تستقبل به أسبوعها الأول؛ فالمدرسة الحكومية فيها الأمان الوظيفي والمرتب الجيد مما جعل نورة موضع غبطة زميلاتها في مدرستها الخاصة السابقة كما نقلت لها زميلتها حصة قولهن: «الآن سيتهافت العرسان عليها من أجل وظيفتها الحكومية «ص58».
تصادف نورة مديرة طيبة لكنها حازمة ومساعدة سليطة ونماذج مختلفة من المعلمات فيهن المغرورة والمتواضعة والصامتة والمهذارة والمحافظة والمتحررة.
ولا يقل تنوع المعلمات عن تنوع الطالبات فتصادف نماذج لطالبات مزعجات. طيبة نورة التي ورثتها من أبيها وفقدانها لوالدتها قبل فترة جعلت منها عاطفية أكثر مما يلزم فتعاطفت مع هؤلاء الطالبات وتدخلت لحل مشكلاتهن رغم ما لاقته من متاعب، ورغم تحفظ مديرتها وزميلاتها على هذه التصرفات.
كعادة الطيبين في مجتمعات ولَّتْ اتفق الأب والعم على أن نورة لابن عمها (سلطان) حتى إذا ما تخرج من الجامعة غادر المملكة لأمريكا ليعود من هناك بشهادة وزوجة أمريكية لتعيش نورة بين غضب لفقدان ابن العم، وأمل في عودته بعد انقضاء نزوته، لكن القلق يتحول إلى هم جاثم حين تلقت نبأ حمل الأمريكية ليصل القلق منتهاه فيسوء حالها وينعكس على أدائها في المدرسة، وتتوالى عليها الإخفاقات من كل صوب لتجد نفسها تبحث عن خطابة سبق أن اقتحمت خصوصيتها وعرضت عليها نماذج مختلفة من أزواج لم تجد فيهم ما تبحث عنه، لترضى في النهاية بنصيبها من خمسيني أرمل له ثلاثة أطفال فتمضي معه حياة هادئة وإن كانت أقل مما تطمح إليه..
يظهر على الغلاف جزء من لوح شطرنج تقف على حافته امرأة تواجه مرآة ينعكس عليها ضوء خافت ويبدو واضحا أمامها قطعة تمثل ملك الشطرنج.
ولا تترك المؤلفة للقارئ تفسير اختيارها لهذا العنوان والغلاف لأن بطلة الرواية (نورة) تُشبِّه واقع النساء بالجنود على لوح الشطرنج لا يتحركن إلا كما يراد لهن: «رأيت نفسي ذلك الجندي الصغير ذي الخطوات البطيئة يستمر في التقدم دون وقوف لا يملك من أمره شيئا سوى حماية غيره» ص193 متناسية أن كثيرا من الرجال لا يختلفون عن نساء الشطرنج في شيء!.. وفي رأيي أنها لو اختارت «بيادق الشطرنج» مثلا عنوانا للرواية لكان أكثر دقة في التعبير عما تعنيه المؤلفة. لا بد لكل قارئ للرواية أن يلحظ لغتها الفصيحة حتى في حواراتها، وندرة أخطائها مما يعني أن المؤلفة أولت جانب السلامة اللغوية ما تستحقه من عناية.
معظم أحداث الرواية جرت في المملكة العربية السعودية دون تحديد مدينة أو قرية إلا أنها أوردت إشارة عابرة إلى المنطقة الشرقية، وكأنها تريد أن تقول إن هذه الأحداث يمكن أن تحدث في أي مدينة أو قرية في المملكة. أما حين كان الحدث خارج المملكة في دبي أو اسطنبول فقد وصفت المكان دون إطناب.
ولم تحفل الكاتبة بنهاية أبطال روايتها فتخرج الأحداث عن المألوف أو تأتي بها معاكسة للتوقعات إذ انتهت نهاية طبيعية ومع ذلك فلم تخلُ من شد انتباه القارئ إلى نهاية الرواية. كتبت الرواية في معظم فصولها بضمير المتكلم إلا في حالات نادرة يظهر راوٍ خارجي ويبدو أن إيجاده كان وسيلة للخروج عن النمطية ليس غير.
لاحظتُ أن المؤلفة تلمح لحدث مستقبلي ثم تعود إليه بعد صفحات بشيء من التفصيل في محاولة لتشويق القارئ وجعله مشدودا لتفصيلات الحدث على غرار ما فعل الروائي يوسف المحيميد في (القارورة).
الإشارات الدينية ملفتة للانتباه لكنها تأتي على شكل إشارات عابرة، وهي وإن تكن مقصودة من المؤلفة إلا أنها تسوقها بأسلوب عفوي وكأنها جزء مما اعتاد أن يمارسه بعض أبطال الرواية في حياتهم، فمن ذلك قول والد البطلة حين فوجئت به يدخل في أثناء خروجها لعملها صباحا: «نعم تأخرت في عودتي من الصلاة..» ص10
أو حين تتحدث عن مكتب مديرة المدرسة وقد استرعى انتباهها لوحة مذهبة وبخط كوفي جميل (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). ص19
أو قول الراوي وهو يتحدث بعد وصول الأسرة في رحلة سياحية إلى اسطنبول: «خلعتْ عباءتها وحجابها بعد تحققها من مغادرة حامل الحقائب.. فتحت حقيبتها وأخرجت سجادة صلاتها». ص128
وفي موضع آخر على لسان البطلة: «وأوصدتُ باب الوساوس بوضوء ووتر لتلتف الملائكة في مضجعي». ص132
كما لا تنس المؤلفة الإشارة إلى بعض العادات الاجتماعية مثل كراهية رؤية السعودية السعودي في الخارج كما في هذا المثال: «فكلما رأى عبدالله سائحا سعوديا أشار لنورة بالصدود والابتعاد. برمجة لم يستطع التخلص منها كغيره الكثير». ص141
تتهم البطلة المجتمع بتناقضه لكنها لا تسلم هي نفسها من هذا التناقض فهي مرة المحافظة في لباسها ووقارها ومرة الراكضة وراء موضات العصر من لباس وحلي ومكياج، وتارة نجدها الفتاة المحافظة على سلوكها وتارة تقتحم غرف الدردشة للتواصل الاجتماعي بحثا عن تسلية عابرة، حتى في رحلة الأسرة إلى إسطنبول ملت من حجابها وجربت الخروج متبرجة..
أرجو أن أقرأ للروائية القادمة رحاب سعد ما هو أكثر عمقا لا سيما أني لاحظت أن روايتها الثانية (ألف امرأة في جسدي) لم تبتعد كثيرا عن فلك هذه الرواية.
عن موقع:الجزيرة