د. إنجي فايد تكتب
ملكة الملكات.. كليوباترا السابعة، الملكة البطلمية مقدونية الأصل والنسب، شغلت العالم أجمع دون غيرها من الملكات البطالمة.. فلماذا؟ المعلومات العلمية عنها ليست بالغزيرة، ويحسب للبعثة المشتركة بين أ.د. زاهي حواس وجامعة الدومنيكان قيامهم منذ خمسة عشر عامًا بالبحث الأثري عن مقبرتها في برج العرب قرب الساحل الشمالي للبحر المتوسط على بعد ٦٠ ك من مدينة الإسكندرية، ومازال البحث مستمرًا وعدد من التماثيل والعملة تم الكشف عنه هناك.
تلك الملكة أعاد الكتاب قص حكاياتها بعد مزج الدراما مع الحقيقة في أكثر من عمل فني جسدته ممثلات شهيرات اليزابيث تيلور.. مونيكا بلوتشي وغيرهن.. استقصت معلوماتهن من المؤرخين اليونانيين على سبيل المثال لا الحصر بلوتارخوس وبليني وديوكاسيوس ونجد أن عددًا ليس كبيرًا من الوثائق الذي ساعد في إعادة تصور حياة كليوباترا السابعة.. هي آخر حلقات العصر البطلمي في مصر، وهو بدوره فترة من فترات الحضارة المصرية لا يستهان بها فالعلاقة بين مصر واليونان لم تبدأ مع فترة دخول الإسكندر فحسب؛ بل امتدت مع الحضارة المينوية والموكينية، واستمر الوجود والتأثير المصري في الحضارة الهلينية على مر العصور بفضل العلاقات التجارية، ويذكر أن عددًا من الجنود المرتزقة اليونانيين استعان بهم ملوك العصر الصاوي في مصر لطرد الآشوريين وأقاموا دفنة لهم قرب مدينة دمياط، وسمح ملوك مصر آنذاك للتجار اليونانيين باتخاذ مدينة نقراطيس (كوم جعيف حاليًا) على الفرع الكانوبي للنيل مركزًا لإقامتهم.
وكانت مصر تصدر القمح والبردي لليونان، كما استعانت مصر بالسياسي الآثيني خابرياس لإصلاح الاقتصاد المصري…، وحينما دخل الإسكندر مصر وشرع في بناء الإسكندرية، وبعد وفاته قسمت ممتلكاته الإقليمية بين قادته، فكانت مصر من نصيب بطليموس الأول الذي أسس دولة البطالمة، وحكمت مصر من الإسكندرية ٢٨٤ق،م وحتى ٣٠،ق، اعتاد البطالمة وفقًا لتقالديهم وثقافتهم المقدونية الهلنستية الزواج من بعض حفاظًا على الدم الملكي، فهي بذلك تحمل جينات مقدونية هلنستية من الأم والأب، وهم أصحاب بشرة فاتحة بملامح يونانية، وفك عريض وأنف رفيع مدبب في بعض الأحيان، أو ذي نهائية دائرية.. فمن أين لها بالبشرة الداكنة والملامح الإفريقية!!
ملكة الملكات التي تزوجت من أكبر قائدين رومانيين أولهما يوليوس قيصر، وأنجبت منه طفلا هو بطليموس الخامس عشر، ولقبه السكندريون بقيصرون، ثم تزوجت لاحقا بمارك أنطونيو وأنجبت منه ثلاثة أطفال، كان لها دور لا يستهان به في العصر البطلمي..
القصة شيقة لتلك الملكة التي بدأت منذ ٥١ق.م باعتلائها العرش بعد وفاة والدها بطلميوس ١٢ وزواجها من أخيها بطليموس ١٣ وكان وقتها ١٠ سنوات، ولم تكن الظروف الاقتصادية والسياسية في مصر لصالحها، فكن الفلاحون الساخطون – نتيجة ارتفاع الضرائب – العداء لبعض أفراد العائلة البطلمية لتوليها منصب الحكم، ولكن استطاعت بذكاء أن تستعيد ثقة العامة وتبدأ مرحلة جديدة من الحكم بإصدار قرارات سياسية ودينية في ٤٨ ق.م لجأت كليوباترا للحدود الشرقية عند سوريا نتيجة إجبار زوجها ومستشاريه على ذلك.
وهنا ظهر يوليوس قيصر الذي تدخل لمساعدتها وإعادتها لعرش والدها، وإقامة سلام بين كليوباترا وذويها، بقي يوليوس قيصر في الإسكندرية طويلًا، وأصبح رفيقًا لها ليس فقط في الحكم؛ بل في حياتها الشخصية، ولكن لم يدم الحال طويلا، فمحاولة جديدة من زوجها بطليموس الثالث عشر لاستبعادها عن الحكم انتهت بمعركة دموية، أسفرت عن وفاة أخيه وزوجها..
استكمالا لنفس التقاليد تزوجت كليوباترا السابعة من أخيها الآخر بطليموس الرابع عشر، وفي هذا التوقيت خرجت كليوباترا مع يوليوس قيصر في رحلة نيلية لتقديم القرابين للآلهة المصرية والإعلان عن الزواج الملكي مع بطلميوس١٤.. وفي طريق العودة افترقا العاشقان، ولكن التقيا بعد عام في روما، وأنجبت ولدها الأول بطليموس الخامس عشر، وعادت به إلى مصر، واحتفلت في معبد أرمنت بالطفل المقدس على غرار العادات والتقاليد المصرية، كما كان يتم في الدولة الحديثة الأسرة ١٨..
تعود بابنها وزوجها الصغير الي روما وتمكث عامًا لتعود إلى مصر بعد اغتيال حبيبها والد ابنها يوليوس قيصر٤٤ق.م.. وبموت حبيبها يبدأ المشهد السياسي في السوء، وتنشب صراعات مع الدولة الرومانية، وينتصر مارك أنطونيو على الجمهوريين وأنصارهم في الشرق حتى أتت المواجهة مع كليوباترا التي يطالبها أنطونيو بتفسير رسمي لدعمها حلفاء يوليوس قيصر ضده..
كانت كليوباترا في انتظار هذا اللقاء واستعدت له جيدًا وعملت جاهدة لينتهي اللقاء وفقًا لرغباتها ودعمها ضد العائلة الملكية البطلمية، وبالفعل ينتهي بـاتفاقية ثلاثية بين كليوباترا ومارك أنطونيو وبومبي..
مكث أنطونيوس في مصر لمدة عامين أنجبت خلالها توأمًا بعد رحيل القائد عن مصر لمهام عسكرية له في آسيا بـ٦ أشهر، ثم عاد إلى بلاده وتزوج سياسيًا من ابنة أوكتافيوس لتحقيق السلام، وعاد مرة أخرى لآسيا، وتذهب له كليوباترا بأولادها ليتم إعلان زواجهما على الطريقة المصرية، ويصوران على جدران المعابد على أنهما إيزيس وأوزوريس في ٣٧ق،م.
وتعود كليوباترا إلى مصر لتنجب طفلها الرابع “بطليموس فيلادلفيوس” بعدها تقوم كليوباترا بأعمال دبلوماسية لمساندة زوجها أنطونيوس، ويغضب أوكتافيوس في روما ويتهم أنطونيوس بمنح قوى استثنائية للأجانب ولملكة تعد من الأعداء، وبالرغم من محاولة أنطونيوس لتفادي الصراع الآ أن مجلس الشيوخ الروماني يعزل أنطونيوس من كافة الوظائف والألقاب؛ خاصة بعد إعلان أنطونيوس رغبته في الدفن بمصر بجوار حبيبته كليوباترا..
أعلن أوكتافيوس الحرب على أنطونيوس وكليوباترا في ٣٢ق،م، وبالرغم من وجود جيش كبير لجوار كليوباترا وأنطونيوس، فإن الصراع كان شرسًا؛ ففي أثناء الحرب تسربت شائعات بموت كليوباترا داخل ضريحها، وبالرغم من التكذيب الفوري فإن أنطونيوس قتل نفسه بجرح عميق ليلحق بها..
ومات القائد العاشق، وأمر أوكتافيوس بالقبض على كليوباترا وأسرها، والعودة بها لروما مكبلة بالسلاسل