…أكدالموروث الشعبي على أن دلالة “القط الأسود” لا تقف عند كونه حيوان أليف، لكنه تعدى ذلك ليكون وسيلةَ تمويهٍ وقناعًا مزيفًا يضعه الجن والشياطين للدخول إلى عالم البشر سرَّا، ولا يشترط أن يكون القط الأسود شخصا من الأغراب، فغالبا ما مارست الأمهات والجدات تهديداتهم علينا حين كنا صغارًا، فكان للغول مكانته العظيمة في مخيلتنا كمعادل موضوعي للعقاب بالرعب لمن لا يطيع الأوامر، فلما كبرنا، لم نر للغول موطنا غير مخيلة رسمها لنا “القط الأسود” الذي ارتدى قناع الامهات والجدات، وفق دلالة واحدة تعني فقط” الغول جاي”، وخوفًا من مجيء الغول كتهديد خارجي، لم يجبنا أحدهم يوما عن ماهية الغول أو من أين يأتي، كما لم يخبرنا شخص ما عن كيفية مواجهته بغير الخضوع والطاعة العمياء، بل تعمد الكثيرون منهم على التأكيد على روايات الأم عن الغول، فهو آت لا محالة، وفي الوقت الذي يروِّج البعض لفكرة عودة” الغول”، نرى الكثيرين ممن يؤكدون على أن مسلسل الغول ما هو إلا خرافة وكذبة من أكاذيب حكايات جدتي التي لم تتحقق يومًا. وبينما ظهر الجن في هيئة القط الأسود بين البشر، ظهر القط الأسود في هيئةالجدات والأمهات كي يبث الزيف والكذب في دلالة ذبح” جوز الحمام” كجائزة للطفل المطيع. هل يتذكر أحدنا يوماأنه استيقظ فوجد جدته أو أمه قد ذبحت “جوزالحمام” كجائزة له على طاعته لها؟، من الغريب أن يصور لنا الموروث الشعبي الجمعي في مشهد “ذبح الحمام” مشهد تزييف للحقيقةبالاتفاق مع الحمام ذاته، فالأم تعد صغيرها بذبح الحمام، ثم تطمئن الحمام سرًاأنه سيكون بمأمن، وأنها تستخدمه كوسيلة للتمويه كي يطيعها طفلها، فأي طفل هذا الذي يرضع وعودًا حنثت بها أمه حين لم تف بذبح الحمام، وأي أم تلك التي تقوم بالاتفاق مع الحمام كي يكون وسيلة ضغط على الطفل؟ وأي حمام هذا الذي يوافق على أن يكون مُدلِّسا؟، فلما كبرنا جميعا فوجئنا أن دلالة ذبح الحمام تعني ” مجازر للشعوب” وغزو وتضييع للحقوق،وتهجير، وهدم للعشاش، وحين بحثنا لم نجد مثيلا لحمامات “غار ثور”، فالحمام في الموروث الثقافي والتاريخي والفني مذبوحٌ دوما من فرط الظلم أو مشرد في سمائه، كبرنا فعرفنا أن شعب الحمام يحب العيش في الأبراج بالقرب من المساحات الخضراء والفضاء الوسيع والغذاء الوفير وأن التعبير الوحيد الذي يملكه عند الغضب هو أن يهجر الأبراج، ويهرب لأماكن أكثر كرما، وعرفنا أن شعب الحمام مثلنا ينوح ويشدو ويهاجر ويرحل ويبكي صمتا ويتألم لفراق خليله. فلما استوينا نُقادّا، عرفنا أن دلالة القفص المكسور الذي يقف بجانبه حمام مكسور الجناح ترمز للسلام الزائف، وأن الأعشاش المهجورة تعني غياب الراعي وتشتت الرعية وتعني الحرب والحرائق والأطلال. كبرنا لنرى أنه لزامًا علينا أن نفكر طويلا قبل أن نُلقي في وعي أبنائنا مفاهيمَ خاطئة يكتشفون في كبرهم أن “القط الأسود” كان يرتدي قناع الأم والجدة طوال الوقت، لتأتي السهامُ من الأركان الآمنة.