دفعت هزيمة حزيران الإنسان الفلسطيني إلى أجندة وخنادق جديدة، فراح يواجه المحتل بالحجارة والمقلاع، وأخذ يقاتل عن حقه بالوجود والحياة والحرية والاستقلال، بأساليب وطرق شتى إزاء التهديد لطمس شخصيته القومية والثقافية ونزع هويته التاريخية. وجاء الابداع والنشاط الفني كأداة نضالية فاعلة في الدفاع عن البعد الحضاري للشعب الفلسطيني والحفاظ على لغته وتراثه وفنونه. وشكلت الفنون الفلسطينية بمختلف أشكالها والوانها رافدًا مهمًا من روافد النضال والمواجهة والمقاومة في سبيل التحرر والاستقلال الوطني.
وفي هذا الجو النضالي الذي نشأ في ظل الواقع الفلسطيني الجديد ولدت ونبتت أشعار وقصائد شاعرة جبل النار فدوى طوقان، كامتداد للشعر المقاوم الرافض المتمثل بنصوص الشعراء توفيق زياد وراشد حسين ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وحنا أبو حنا وحنا ابراهيم وسواهم.
وفي خضم هذا المناخ ظهرت أصوات شعرية جديدة في الاراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 امثال خليل توما وأحمد عبد أحمد وليلى علوش وسميرة خطيب وليلى كرنيك وأسعد الأسعد وعلي الخليلي وعبد القادر صالح وعبد الناصر صالح وماجد الدجاني وباسم النبريص ومحمد حلمي الريشة ووداد البرغوثي وجمال سلسع وغيرهم.
ولم تكن القصيدة هي اللون الوحيد الذي وقف على قدميه، فكانت القصة القصيرة والرواية، ومن الأسماء التي برزت في هذا الميدان التي دافعت عن الوطن وعبرت عن الواقع الفلسطيني ومسيرة شعبنا الفلسطيني التحررية نذكر جمال بنورة ومحمود شقير وأكرم هنية وسحر خليفة وسامي الكيلاني وزكي العيلة وعبد اللـه تايه ومحمد ايوب وحمدي الكحلوت وغريب عسقلاني وعبد السلام عابد وغير ذلك.
كذلك فقد نما وتطور الغناء الشعبي كمرآة لكفاح الشعب الفلسطيني، المتجسد في الفنان الشعبي الأحمر راجح السلفيتي، الذي توجه للمرأة الفلسطينية هاتفًا : ” تعلمي سر النضال تقدمي للموت ولا تتألمي “، وفي الفنان الكبير مصطفى الكرد صاحب الاغاني السياسية الوطنية الملتزمة، والزجال ثائر البرغوثي. كما ظهرت فرق الدبكة والرقص الشعبي في الجامعات الفلسطينية.
ومن الملامح البارزة في نضال الشعب الفلسطيني الحضاري والتحرري هو صيانة التراث والتاريخ الشفوي الفلسطيني، وفي هذا المجال برز جميل السلحوت وعلي عثمان وعلي الخليلي وجمعية ” انعاش الأسرة ” في البيرة، التي عملت على إصدار مجلة ” التراث والمجتمع “.
وامتد النشاط الفني إلى الرسم التشكيلي والكاريكاتير، وتم تنظيم الكثير من المعارض الفنية التشكيلية. وفي هذا الجانب عرفنا التشكيليين عصام بدر وسليمان منصور وكامل المغني وتيسير بركات وفتحي غبن وغيرهم.
ولعب المسرح أيضًا دورًا تعبويًا هامًا في النشاط الثقافي والفني الفلسطيني، وشهدت مدن وقرى ومخيمات المناطق المحتلة نشاطات وفعاليات مسرحية متعددة، وظهرت الكثير من الفرق المسرحية، التي عانت من المضايقات والحصار والخنق الاحتلالي. ولعل من أهم كتاب المسرح كان الراحل محمد كمال جبر.