المناهج ونعي الذاكرة/ بقلم جروان المعاني

ذات يومٍ بطيء طلب منا معلم اللغة العربية ان نكتب موضوع انشاء تحت عنوان الحياة، وكنت يومها خرجت من منزلنا شبه حزين او ربما باكي بسبب حذائي الممزق حيث نالني من التوبيخ الكثير من والدتي، كنت بعد لم اتم الصف السادس.
ماذا يمكن لطفل لم ينهي الصف السادس ان يكتب عن الحياة، لكني كتبت وحين اعاد المعلم لنا الاوراق وجدته قد اثنى على موضوعي بأن كتب (لا بأس) واشاد بما كتبت، اليوم وبعد اربعين عاما لو طلب مني ان اكتب الموضوع مرة اخرى ما كنت ساضيف شيئا جديدا فالذاكرة لا جديد فيها سوى اني تزوجت وانجبت ليزداد عبء الذاكرة شقاءً.

ادري ان الانسان ليس حاسوبا فالحاسوب يحمل ذاكرتين، القرص الصلب، والذاكرة العشوائية، وبناء على المعطيات(الداتا) ينفذ الاوامر، وهو امر يدركه اصحاب التخصص، في حين ان الانسان خلايا دماغه تتجدد باستمرار ويعاني معاناة حقيقية من حجم البيانات الهائل، خاصة تلك التي تأتي من المناهج التربوية والمعلم او خطابات القادة ورجال الدين، فتأتي السلوكيات كمخرجات لما اختزنته الذاكرة .
الذاكرة البصرية في شرقنا لا ترى الا ما اصاب صبرا وشاتيلا وصور الموت والحرمان وصحراء شاسعة منهوبة مهملة وصور مرشحين سدت الفضاء وتكاد تحجب الهواء من بشاعة بعضها، أما الذاكرة السمعية باتت مشوهة بفعل الالفاظ البذيئة التي تنتشر في الطرقات والغناء الهابط او الداعي لتفتيت الذاكرة الجمعية فمرة نغني للدرك واخرى للدفاع المدني ولم يبقى الا حذاء العسكري لنفتته فنغني على الرباط مستقلا عن جسد الحذاء(البسطار).
كل اشكال الذاكرة في الانسان العربي عموما والاردني خصوصاً اصابها تلف مبكر وهو امر يعتبره البعض نعمة وانا ومعي الغالبية نعتبره نقمة وقد جاءت المناهج المدرسية هذه المرة لتلغي الذاكرة والذائقة وتمحو التاريخ بحشو كلام عن انجازات لا نرى منها على ارض الواقع الا ما هو تطور طبيعي متواضع في حياتنا ..!!
حين طرحت سؤالا على احد العارفين كم يتطلب تجهيز مدرسة عصرية اجاب بثقة العارف عمليا تحتاج من 400الف الى 700 الف مع رواتب كوادرها لمدة عام..!! قال ولكن من اجل ان تخرج مدرسة تخلو من العيوب علينا تخصيص مليون دينار ليتسنى للمنفذين والمتنفذين(لحس اصبعهم) سرقة 300 الف دينار، قلت له: اذن نستطيع ان نجهز ما لا يقل عن ثلاثين مدرسة خلال عام او عامين لنخفف الازدحام بالصفوف، وننعش عملية التعليم، ضحك بسخرية وقال (صندوق النقد الدولي لن يرضا) ومضى في سبيله.
وحتى لا اخون ذاكرتي اتسائل، احقا تبادل الالفاظ النابية من قبل دعاة الحرية كليث شبيلات وزليخة ابو ريشة وغيرهم سيغير من حال المناهج شيئا ام سيمهد الطريق لصراع بين افراد يشغل المجتمع ويكون الخاسر الاكبر فيه حرية التعبير وذاكرة وطن مل من وجوهٍ تكرر ظهورها لتملأ حواسنا بغثاء كلام ونثر بغضاء.
لست من دعاة التشاؤم ولا ممن يقللون من حجم الانجاز، لكن ايها السادة ذاكرتنا ما عادت تتسع للاسماء فكيف بالمعرفة الجوفاء، بت استعذب البقاء في دائرة الطفولة والعودة لبيت الشَعر بعيدا عما تحمله الحواسيب واجهزة التلفاز وادعو لنعي ذاكرة وطن بات يخشى على نفسه مع كل شروقٍ للشمس .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!