تصريحات الرزاز حول خيار الدولة الواحدة.. وقراءة في العمق

بقلم بكر السباتين

التّصريحات التي أدلى بها الدكتور عمر الرزاز، رئيس وزراء الأردن، إلى صحيفة “الغارديان” البريطانيّة ونشَرتها يوم أمس الأوّل، الثلاثاء، أثارت لغطاً بين المهتمين بالقضية الفلسطينية رغم أنها تندرج تحت ما كان يسمى بخيار “الدولة ثنائية القومية” الذي تخشاه القيادة الإسرائيلية، وردت عليه آنذاك بقرار “يهودية الدولة” لوأده في المهد.. وعلى ضوء هذه الخلفية التي يدرك تفاصيلها الرزاز الذي قال:
“إنّ الأردن يُمكن أن ينظر بشكل إيجابي إلى حل الدولة الواحدة لشَعبين؛ لتسوية (ما أسماه) بالنّزاع الفلسطيني الإسرائيلي إذا ما كانت ستتساوى فيها الحُقوق الإسرائيليّة والفِلسطينيّة” وكأنه بذلك يحث على التساؤل الاستنكاري من باب المناورة كما سنأتي إلى توضيحه تالياً.
ولتثمين أهمية هذا التصريح في هذه المرحلة العصيبة لا بد من وضعه في إطار المناورة لأن الرزاز استخدم عبارة فحواها أن الأردن قد ينظر بشكل إيجابي إلى هذا الخيار ويقصد هنا “دولة ثنائية القومية” ولم يشر إلى تخليه عن خيار الدولتين الذي أجهض جيوسياسياً على الأرض بعد قرار الضم الإسرائيلي الأخير لغور الأردن لا بل ومنذ إبرام اتفاقية أوسلو التي تعتبر السلطة الفلسطينية من مخرجاتها، وبالتالي تحويل الضفة الغربية إلى أرخبيل محاصر بالمستوطنات الإسرائيلية.. وقرار الضم الإسرائيلي يخضع لمعايير العثل الصهيوني الاستعماري والذي يرفض الآخر ويعربد في المنطقة مدعوماً أمريكياً دون رادع.. والذي من شأنه أيضاً تهميش العامل الديمغرافي الذي يراهن عليه أنصار ثنائية القومية ( ومنهم الأردن) ويفرغه من محتواه ناهيك عن كونه فكرة قديمة لا تعطي الحقوق الفلسطينية أي اعتبار على قاعدة أن الاحتلال الإسرائيلي هو المركز بينما دول الإقليم تقع في الهامش، وهي تعبر عن نظرة صهيونية إستعلائية تمجد العرق اليهودي وتعتبر الآخرين في قائمة الأغيار.
ومن فحوى ما قاله الرزاز في حديثه إلى “الغارديان” ستدرك بأن هذا التصريح إنما جاء ليقدم استراتيجية جديدة في التعامل مع الملف الفلسطيني أردنياً على أقل تقدي، تقوم على سياسة الضغط السياسي على تل أبيب لتفعيل حل الدولتين الذي بات مستحيلاً في ظل تداعيات صفقة القرن.
ويبدو أن بشائر الخير التي يراها الرزاز في رؤيته لخيار دولة ثنائية القومية قد حجبت عنه حقيقة أن دولة الاحتلال سترفضه جملة وتفصيلاً لأنه يهدد وجود ما يسمى بإسرائيل ديمغرافياً بسبب الفرق في معادلة النمو السكاني التي تميل لصالح الفلسطينيين، ومن شأنها أن تحول اليهود مستقبلاً إلى أقلية، وهذا سينعكس سلبياً في ظل تساوي الحقوق على مستقبل الكيان الإسرائيلي ليتحول إلى كيان ذي طابع فلسطيني وهو ما لا يقبله الصهاينة، لذلك وبالعودة إلى التاريخ فقد جرى فصل قطاع غزة عن دولة الاحتلال
في 2 فبراير 2004 لنفس السبب، حيث طرح رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك أريئيل شارون خطة للانفصال عن قطاع غزة في مقابلة لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، تشمل إخلاء المستوطنات الإسرائيلية فيها. وبعد سنة تقريبا، في 16 فبراير 2005 أقر الكنيست الإسرائيلي “خطة الانفصال وتحولت غزة إلى كيان فلسطيني محاصر وخارج المعادلة الديمغرافية الإسرائيلية، ليستغل فقط كمورد للعمالة الأجنبية الرخيصة لصالح مشاريع دولة الاحتلال التنموية.
الرزاز يدرك هذه الصعوبات التي تعترض خيار ثنائية القومية، لكنه يسعى لتطويره حتى يتمكن من إيجاد طريقه على أرض الواقع في إطار تعدد الخيارات..وهذا ما قد تقرأه من وراء ما قاله الرزاز حيث أكمل في سياق المقابلة أعلاه بأنه يتحدى أن يقبل أي مسؤول إسرائيلي، وخاصة بنيامين نِتنياهو بهذا الحل المشروط بالمساواة في واجباتِ المُواطنة والحقوق السياسيّة.. لأن الرزاز على يقين بأن دولة كإسرائيل تحتل أرض الغير بالقوة وتمارس الاضهاد وحرمان الحقوق للفلسطينيين ولا تتمتع بنظام ديمقراطي، لن تخطو بهذا الاتجاه أبداً، ما يعني أن الرزاز يبحث عن أوراق ضغط لتفعيل خيار حل الدولتين مع بقاء خيار ثنائية القومية ضمن البدائل المتاحة في مواجهة الخيار الإسرائيلي المطروح كفزاعة والذي يقول بالوطن البديل.. وهو ما يستشف مما قاله الرزاز في سياق المقابلة:
“نعم.. إسرائيل تؤيد حل الدولة الواحدة لشَعبين (ثنائية القومية)، بعد تطبيق صفقة القرن وضم معظم الضفّة الغربية وغور الأردن، لأنّها تريد هذه الدّولة الواحدة في الأردن وليس في فِلسطين المحتلة، وعُنوانها الأبرز والأقوى هو “الترانسفير”، أي طرد أكبر عدد مُمكن مِن الفِلسطينيين إلى الضفّة الشرقيّة، حيث الوطن البديل”.
وفي تقديري أن خيار الدولة الواحدة (ثنائية القومية) سيجهض إسرائيلياً لو تحول إلى مشروع يمشي على أرض الواقع للأسباب التالية:
أولاً: – صدور قانون الدولة القومية لليهود فيما يسمى بإسرائيل وهو قانون أساسي إسرائيلي، يُعرِّف “إسرائيل” بأنها دولة قومية للشعب اليهودي. فكيف سيسمح هذا القانون بدمج الفلسطينيين في دولة لا تعترف بهم.
ثانياً:- كما يشير القانون إلى أن الهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط.. وفي ذلك إلغاء لحق العودة للفلسطينيين إلى أرضهم السليبة.. وهو ما لا يقبله الفلسطينيون أيضاً.. رغم أن الرهان على الفلسطينيين ديمغرافياً في عموم فلسطين المحتلة كافياً ليقض مضاجع الكيان الاسرائيلي الذي يعيش أزمة وجودية حقيقية.
في المحصلة كل الخيارات السياسة التي طرحت في سياق حل القضية الفلسطينية جاءت لكسب الوقت لصالح الاحتلال الذي تمكن من تحقيق معظم أهدافه على الأرض.. وبدون خيار المقاومة سيصاب أي خيار سياسي بالفشل الذريع حتى لو كان خيار ” دولة ثنائية القومية” الذي أفضله شخصياً عن حل الدولتين لو اقترن بالحقوق الفلسطينية دون نقصان مع تبنيه لخيار المقاومة ول بالتنسيق القيادي السري من باب الضغط الميداني على المفاوضات.. أما بالنسبة لخيار الوطن البديل فتفعيله يكمن بإرادة الأردنيين بكل مستوياتها وغلق الحدود مع الصفة الفربية عند بدء تنفيذ سياسة الترانسفير باتجاه شرق النهر.. رغم أن ثنائية القومية خيار استراتيجي إلا أنه لن يشكل الورقة الضاغطة إزاء عدو يحسن استخدام أدواته في صراع لا يرحم القوي فيه الضعيف “سلامة فهمكم” .
.24 يوليو 2020

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!