عشر سنوات تمر هذا العام على وفاة الفيلسوف جان لودريان، لكن كل من تابع أعماله وأفكاره لا يزال يتذكره حتى اليوم، فطالما كانت مقالاته تنصب على المجتمع الاستهلاكي والعالم الظاهري عن الواقعية. فالعام الذي نعيشه يحيا أوهام كل شيء، ابتداء من وهم التحرر السياسي ومن القوى المنتجة، لكنه في الوقت ذاته ينتج ثقافة وفنوناً قادرة على إطلاق سراح القوة المدمرة.
منذ السبعينات ولودريان يحاول تحرير كل شيء، وأن يقفز إلى ما بعد الحداثة بخطوات حثيثة، معتبراً أن الأهداف الكبرى جميعها قد صارت خلفنا، وأن الحرية فقط من شأنها إعادتها للمقدمة. لكنه عاد ورأى أنه في عصر المعلومات وحرية الاتصال عبر الشبكات الافتراضية وتبادل العلاقات بين وجوه وهمية قد بات يلتهم العالم الحقيقي، وأننا بهذه الثقافة الواهية لا نستعيد أحلامنا الكبرى، بل نحيا وهم النهاية.
حتى هذه اللحظة يستدعي المفكرون المعادون للعولمة عبارات أغلبية المفكرين الذين أطلقوا صيحات التحذير منذ سنوات من أن العالم يسير نحو الاغتراب، في عالم لم يعد يمتلك أي مسافات نقدية، ويتفنن في كسر الأدلة كي لا يستفيد منها أو يراكم خبرات حياتية ومعرفية من خلالها حتى إننا لم نعد نغير من حياتنا، بل فقط نحاول إدارة أزماتنا.
بالفعل، هناك فارق كبير بين ثقافة بإمكانها إدارة الحياة الإنسانية وثقافة تجعلنا نقفز فوق أزماتنا ولا نراها.