د. عبد يحي الدباني ورحلته الأدبية والثقافية

كتب :كمال محمود علي اليماني

شرفني أ. د عبد يحي الدباني بأن أهداني نسخة من كتابه الموسوم ب( عدن.. الأدب و الثقافة .. دراسات ومقالات في أدبها ومن وحيها) ، وهو صادر عن مؤسسة يسطرون للطباعة والنشر والتوزيع / القاهرة للعام 2024 ، وضم بين دفتيه 140 صفحة حوت عدداً من مقالات ودراسات نُشرت له من قبل في عدد من المواقع والصحف والمجلات ، لاسيما صحيفة الأيام العدنية؛ حسبما جاء في مقدمة الكتاب .
أهدى د. عبد يحي الدباني كتابه :
إلى عدن
البشر
والشجر
والحجر
إلى عدن:
آباء وزملاء، وأصدقاء، وأبناء، رجالاً ونساء
إليها وحدها:
مسقط الروح
ومهد الانتماء :
عدن.
بدأ المؤلف كتابه بتقديم عرض لرحلته مع عدن؛ إذ جاءها من قريته في حالمين في نهاية التعليم الأساسي ( الصف الثامن)، وتعلق بها، ولم ينقطع عنها وهو طالب في الثانوية ، ثم وهو مجند ، وأعقبها بدراسته في كلية التربية /عدن حتى تمكن حبها من نفسه ، أو كما قال:(( حتى أضحيت جزءاً من كيان هذه المدينة التي كان لها فضل كبير علينا مثل ماهو على غيرنا)).
أُتبع التقديم بتصدير قصير كتبه د. مبارك سالمين أثنى فيه على المؤلف الذي كتب مصنفه بمداد الروح ، وبمحبة عالية لعدن وشعرائها وإرثها الثقافي؛ حد تعبيره.
كان أول مقال بدأ به كتابه هو حديثه عن كتاب( عدن في عيون الشعراء) الذي صدر بإشراف وتحرير أستاذ الأجيال أ.د أحمد علي الهمداني ، وكانت له وقفات أمام بعض القصائد التي قيلت تحت مسمى ( عدنيات).
وهي قصائد قصيرة كانت لشعراء عدة ، لاتزيد أبياتها على العشرة ، وهي متفقة في الوزن والقافية والروي ، ثم راح ينتقل بنا في مقالاته إلى مواضيع مختلفة كلها تتعلق بمحبوبته عدن ، وهي المواضيع التي تناول فيها الشأن الأدبي والثقافي ، وإن كان بعضها قد جنح للشأن السياسي.
تحدث عن شعراء عدن بين الاهتمام والإهمال ، وتحدث عن شاعر عدن الكبير الراحل لطفي جعفر أمان في ذكرى وفاته ، وعن الأثر الحضاري والثقافي العدني في شعره ، وعن بعضٍ من معالم عدن في شعره ، وحرص د. عبد يحي الدباني أن لايكون حديثه محض تنظير فسعى إلى إدراج دراسة تطبيقية لشعره من خلال استعراضه لقصيدة ( بلادي حرة) التي تغني بها لطفي أمان حينما جلا آخر جندي بريطاني من بلادنا.
ولقد عنّ للمؤلف أن يجعل لطفي أمان أيقونة رامزة لعدن ؛ فما أن انتهى من تحليل قصيدة ( بلادي حرة) حتى حلّق عالياً في فضاءات قصيدة أخرى بعنوان ( طفل متسول) ، ورأى فيها ثنائية الوطن الطفل ، والطفل الوطن.
وفي عالم الشعر حملنا المؤلف إلى أجواء جد رائعة من خلال مقالات عدة تحدث فيها عن القمندان في قصيدته ( تاج شمسان) ، وتحدث عن الشعر مواكباً للاستقلال الوطني من خلا شعر لطفي أمان والشاعر محمد سعيد جرادة .
وخصص مقالا تالياً للحديث عن السياسي المناضل عمر الجاوي وعن مشروعه الثقافي الوطني من خلال مناقشته لمقال للجاوي نشرته مجلة الحكمة في عدد من أعدادها، وخصص مقالا للحديث عن كتاب حوى مقالات المحامي الراحل طيب الذكر ورائد التنوير في عدن الأستاذ محمد علي لقمان ،وكان بعنوان( المحامي المجاهد محمد علي لقمان .. فتاة الجزيرة ..افتتاحيات ومقالات من 1940م إلى 1950م) وهو الكتاب الذي جمعه وأعده وقدم له د. أحمد علي الهمداني.
وفي طي الكتاب يعرّج بنا المؤلف للحديث عن الشاعر الجميل الراحل عبدالرحمن إبراهيم ، وعن حضوره المتميز في الساحة الأدبية والشعرية والأكاديمية ، وعن موقفه المبدئي غير المهادن مع الحاكمين والمتنفذين ، وعن عبدالرحمن الإنسان وعلاقته بعدن . كما أحب المؤلف الراحل د. عبدالمطلب جبر وكتب فيه مقالاً ، وكيف لايحبه وهو الأديب الإنسان الذي لايختلف عليه اثنان ، وهو الأكاديمي والشاعر المثقف ، وتحدث في المقال عن رحيله النبيل بعد مشوار جليل ، وكان المقالان مقالين رثائيين حملا الكثير من الوفاء لشاعرين أحبهما المؤلف.
وفي الجانب الشعري أيضا حدثنا د. يحي الدباني عن الشاعرة إيمان علي صالح الخواجة ( أم أحمد) ، وهي من حالمين تسكن عدن ، وتضع يدها على جراح الوطن ،حد تعبيره .
ولايحسن به أن يحدثنا عن الشعر في عدن ، ويغفل الحديث عن الشاعر السوماني ( اليمني/سوداني) د. مبارك الخليفة الذي عاش في عدن لأكثر من ثلاثة عقود ، وأحب عدن ؛ فأحبته عدن ، وهو الأستاذ والشاعر ، وتناول في مقال آخر قصيدته ( البعد ياعدن ) في تحليل بديع ومثمر. .
ولأن الشعر كان حاضراً وبقوة من بداية الكتاب ؛ فقد ارتأى د. يحي الدباني أن يفسح مجالاً للحديث عن القصة القصيرة والرواية ، وذلك من خلال دراسته للمجموعة القصصية ( قارعة الريح) للقاصة والشاعرة منى باشراحيل كما تناول قصة لقمان ( كملا ديفي) ، والتي يراها د. الدباني قصة طويلة ولايعدها رواية لمبررات وضعها في ثنايا المقال.
ويجيْ الحديث عن الرواية من خلال تقديم المؤلف لرواية ( المتحول) لصاحبها د. علي عبد الزبير
ضم الكتاب مقالات متعددة عن الشأن الثقافي والأكاديمي، وعن الطاقات الثقافية والأكاديمية المعطلة في عدن ، وعن ثقافة الإسراف في زمن الحرب ، وعن غياب الثقافة وحضور التطرف ، وعن القراءة في زمن الحرب.
ومن جميل تناولاته النقدية في خاتمة، هي خاتمة المسك كما يقولون ، وكان ذلك من خلال عرضه لظاهرة الاغتراب في شعر الشاعر القمة د. أحمد علي الهمداني.
حمل الكتاب قبل نهايته سيرة ذاتية للمؤلف.
صورة الغلاف الأول حفلت بعدن في لقطة ليلية بهية ، في حين أن الغلاف الأخير حمل كلمة لعضو اتحاد كتاب مصر الأديب إبراهيم موسى النحاس ، وهي الكلمة التي أثنى فيها على المؤلف ، حيث يقول في كلمته : ومن قراءتي الأولى للكتاب عرفت معنى أن يكون النقد إبداعاً موازياً في جماله للنص الأدبي الذي يتناوله بالتحليل، كما لمست موضوعية الناقد واحترافيته.
شكرا للدكتور عبد يحي الدباني الذي منحني فرصة أن أعيش أجواء شعرية وأدبية ونقدية وثقافية ، ورحل بي في أجواء عدنية خالصة بامتياز.

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!