بقلم: أ. د. عبد المنعم همت( السّودان)
(على هامش صدور كتاب: نحبّك يا نعيمة)
سناء الشّعلان (بنت نعيمة): سموُّ الحرفِ وظلُّ الذكرى في مدارج الأدب، تتهادى أسماء لامعة تشعّ كما النجوم في ليل المعارف، غير أن قليلين هم من يقترن اسمهم بآخر، فتتداخل الأرواح، وتتشابك الحروف، حتى يصعب الفصل بين الاسم والظل، بين الأصل والفرع، بين الأم والبنت. هكذا كانت سناء بنت نعيمة، الكاتبة التي حملت إرث والدتها في قلبها وقلمها، وامتزج حضورها الزاهي بأثر لا يُمحى من المحبة والتقدير. لم يكن اقتران اسمها بوالدتها ضربًا من المصادفة، بل كان اختيارًا نابعًا من الوجدان، وفاءً لروح كانت ملاذًا ودعامة، واعترافًا بأن النهر لا ينسى منبعه. كانتا معًا في الحياة، في الفكر، في الحرف، حتى غدت سناء امتدادًا مضيئًا لحكاية بدأتها نعيمة ولم تغب، بل استمرت في ابنتها، تحيا في كلماتها، في قصصها التي تنبض بالحياة والتأمل العميق. وعندما اختطف الموت نعيمة، لم يكن ذلك مجرد حدث عابر، بل زلزلة في وجدان سناء، إذ رحلت الأم وبقي صدى صوتها، وعبق حضورها، ووشوشة كلماتها التي لم تفارق ذهن الابنة الحانية. لم يكن الفقد مجرد انطفاء شمعة، بل كان غيابًا يترك أثره العميق في زوايا النفس، حزنًا يتخذ أشكالًا مختلفة، لكنه لا يتحول إلى استسلام أو نسيان. ولأن الوفاء من شيم النبلاء، فقد صنعت سناء من ذكريات والدتها سفرًا خالدًا، توثيقًا ومحبة، جمعت فيه شهادات من نخبة المثقفين والكتّاب، ممن عرفوا نعيمة عن قرب، ولامسوا بصمتها في عالم الأدب والفكر. لم يكن الكتاب مجرد تأبين، بل كان احتفاءً بروح لم تَغِب، وتأريخًا لمسيرة امرأةٍ تركت أثرًا لا يُمحى، وكأن سناء أرادت أن تقول: “إن كانت نعيمة قد رحلت، فإن نورها باقٍ في كلماتنا، في وجداننا، في سفرها الذي لا يطويه الزمن.” وهكذا، لم تَكُن سناء بنت نعيمة مجرد كاتبةٍ عادية، بل كانت امتدادًا لنورٍ مضيء، برهانًا على أن الأدب الحقيقي ليس مجرّد كلمات تُكتب، بل هو حياةٌ تُعاش، وحبٌّ يُورَث، ورسالةٌ لا تنقطع. وكما قيل عنها يومًا: “إن سناء نفسها نعمةٌ من الله”—وحقٌّ لها أن تكون كذلك.