رغم أننا نعيش عصر انحدار الأدب مع زخم الإنتاج وسوء الجودة.. إلا أن هناك كتبا لا زالت تحمل كما لا بأس به من الإبهار ينزع قشر النمطية ليعطي للحياة ألوانا جديدة، تجد هذا في أعمال من يخلصون للقلم.. فيعطيهم القلم من الخير ما تعطيه الأرض الخصبة للفأس وصاحبه.. على غير موعد.. وقع في يدي هذا الكتاب، للكتاب عنوان يتبعه عنوان للعنوان (وصايا العمة مينا) و (قبل أن تتزوجي شرقيا)، توقعت للوهلة الأولى أنه يحمل النزعة “المستغانمية” من حيث الرغبة في التحرر والتمرد على قيم القبيلة والمجتمع، كل شئ كان حاضرا في الكتاب إلا ما توقعته.. وهذا إثبات أني سيناريست فاشل لا يجيد رسم التوقعات واستنباط النتائج من سياق العناوين والأغلفة، في الكتاب طريقة عجيبة لمنح نصيحة مجانية للفتاة الشرقية تأتي على شكل رواية.. والرواية درس وعبرة لمن يبغي الإمساك بخيط الفهم لمجتمعات مغلقة كهذه التي ننتمي إليها.. لا أريد حرق الفيلم قبل أن يبدأ.. لكن “مينا” نموذج ممتاز لفتاة المجتمع المحبة لذاتها ولمجتمعها ولقيم باتت تخنق الباحثات عن التحرر والتمرد في سبيل نيل تلك الحرية، “مينا” تقف بين كفتي الميزان الشرقي تحاول أن ترضي الجميع، لا أدري إن كانت قد أرضت غرور الأنثى في داخلها.. لم أستطع أن أصل إلى هذا العمق لأقرر وأفهم، لكني أدركت وأنا أغلق الكتاب وأسند ذقني على كعبه شاردا في هالة “مينا” وشخصيتها الطاغية، أنها فعلت كل ما في وسعها لتعيش من أجل غيرها تاركة لنفسها متعا بسيطة تسد الرمق ولا تسد الجوع كاملا.. لــ”مينا” صديقة نهمة للتعلم تمثل دور القارئ.. “سارة” تقف بين الكتاب وبين القارئ لتجيب تساؤلاتك وتروي فضولك، في الحقيقة أني – كروائي هاوٍ – أحبذ دوما الكتابة بأسلوب المتكلم، حيث يضمن لك هذا الأسلوب الدخول في غمرة الأحداث والمشاركة في صنعها، “سارة” فتاة غريرة لكنها تعرف حدود علومها التي لا تصلح لبناء أسرة واحتمال لعب دور الزوجة والأم والمرأة العاملة، جهلها هذا كان كفيلا بإنهاء حياتها الجديدة في عامها الأول.. لولا أن “مينا” كانت في الصورة تهتم لصديقتها وتدعمها رغم آلامها الشخصية التي لا تنتهي.. مجددا نقول.. “مينا” ليست نموذجا للخنوع والاستسلام، ليست أيقونة أخرى للشموع التي تحترق من أجل الآخرين، ليست بائعة الكبريت التي باعت الدفء للجميع وماتت متجمدة، “مينا” أيقونة تصلح تماما دليلا للمرأة العربية في ظل الهجمة الغربية لتحوير أفكارها ودفعها لهدم مفهوم الأنوثة في نفوس الرجال، أستغرب جدا ألا ينتشر هذا الكتاب الذي يعتبر باكورة إنتاج الكاتبة المجتهدة “مجد عدنان”، وفاتحة لسلسلة تنوي فيها بث تجاربها واستنتاجاتها واجتهاداتها كمجلة موسمية تتمحور حول ذات الموضوع.. الحب والزواج الرغبة والمتاح الوطن والغربة الموت والحياة كلها ثنائيات يزخر بها الكتاب واعدا القارئ والقارئة بمتعة الرواية وجزالة النصيحة وخلاصة التجارب، اللغة سهلة مبسطة.. الحوار ضارب في الرقي والتحضر، وتسلسل الأحداث يشي بتمكن إسقاطي عمودي من أعلى المشهد.. رغم أسلوب الراوية الأفقي تبعا لمشاركتها في الأحداث.. أتمنى أن تجد “مينا” طريقها إلى بيوتكم قريبا كما وجدت طريقها إلى قلبي…
إنهاء الدردشة