– المتن الشعري : وآتيك مع انهمار الفجر أو نصفه أو بعده قليلا .. رشيدة المراسي – القراءة : هذه الومضة لا تصف ذاتها في مسلسل الشعر كي تنتمي إلى حقوله ، و إنما تصف حالة الروح في الشعر و هي تعانق أجمل و أصفى لحظة في الوجود ، كي تعانقها في سديم التواصل مع الكوسموس مادامت أجسادنا قد عجزت عن التحاور و الالتصاق بهذا الكون الفسيح … تمثل لحظة الفجر هنا لا زمنا فيزيائيا قابلا للقياس في تشيّئه المسطّح ، و لا تمثل ذلك الانبثاق الضوئي الذي يقابل العتمات السابقة على وجوده … كل هذا حاضر لكن في سياق ثانوي هامشي … ما يلذ للذات المتكلمة أن تشيد به هنا هو قدرة الفجر على صناعة مقولة التوحد بين الأنا و الآخر ( و آتيكَ ) . و لأن فعل الإتيان لا يتحدد إلا في المكان و من المكان ، و عبر المكان فإن الذات لا تمارس فعل الخطو إلا خارج المكان داخل سديم غير مرئي ، حيث لا يبدو فيه التحييز مشكلة جميلة تتأبطها الذات الشاعرة و إنما تتأبط فعل التوحد مع الآخر في عشق الضوء سواء أكان هذا الضوء بدءاً ( مع انهمار الفجر ) أم وسطا ( نصفه ) أم اكتمالاً ( بعده قليلا ) … الجليل في هذا الإدهاش الشعري أنه كلام موصول إلى عمق العرفان في تجليه الربّاني و هو يتناصّ مع قول تعالى في سورة المزمّل ( قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ) في احتراز لا يلوي للنصوص أعناقا و إنما يتمثلها مجاورةً دلاليةً تمسح عن المعى بعض المعنى و تثبت معنى اخر ، يسير في اتجاه نسق النقاء المتوحد و التوحد النقي . إن ديدن الذات هنا لا يقف عند حدود المسير في اتجاه الضوء و لا في حدود الاحتفال بهذا الضوء المتأتي من ثقافة الفجر ، و لكنه ديدن يفرح بالآخر في اجتماعٍ إنساني يرحب بصورة الذات التي لن تكتمل إلا بحضور ثلاثة أقانيم : أقنون الذات و أقنوم الآخر و أقنوم الضوء بينهما . و حيث إذا غاب واحد منها انتفى الحضور ، و اتنفى الوجود المميّز لهذه الذوات ، و تحول إلى جوار جسدي لا ضوء فيه . يمثل الفجر…