هو آخِرُ يومٍ في جوارِ المصطفى،
أتُراني أغادرُ دون إلقاءِ السلام؟
فان كنت قد عجزتُ في حضرتهِ عن الكلام،
فلي في صَفْحِ الكرامِ أملْ،
وهو المأمولٌ بالصَّفحِ إذا (عبدٌ) سألْ.
سلامٌ عليك، عِرفانًا بهديِكَ، وتأكيدًا لحبِّكْ.
أدخلُ الروضةَ…..
تُرافِقُني دموعٌ أهْرَقْتُها حارقة،
وتسابقُني شَهَقاتٌ كانت خانقة،
بثثْتُها من الصدرِ حرّى،
يدفعُ بعضُها بعضا،
من ذلك الخزينِ المدفونِ بين الضُّلوع!
غادرتُ إلى باحةِ المسجد،
لزمتُ الارضَ، أطرقتُ رأسي قليلًا،
فلربَّما نسيتُ شيئًا ما،
فتذكَّرْتُ البقيع.
بقيعُ الغرقدِ،
مَدفَنُ من مات في المدينةِ،
منذ عهدِ الوحيِ،
من صحابةٍ أكرمين،
وأهلِ بيتٍ أقربين،
وغالبِ أُمهاتِ المؤمنين.
امتدَّت أرضُ البقيعِ شاسعةً،
لتضُمَّ الآلافَ ممن صحبَ الرسول،
وكذا من مات من التابعين،
والزائرين على مرِّ السنين.
هذا البقيعُ هو من اخْتارهُ الرسولُ،
لكي يكونَ مَدْفَنًا للمدينةِ،
فكان ابنُ زُرارةَ أسعد،
أوَّلَ الأنصارِ من المدفونين،
وابْنُ مظعونٍ عثمانُ
أوَّلَ مدفونٍ من المهاجرين.
ولقد سُمِّيَ ببقيع الغرقد،
لانْتشارِ أشجار الغرقدِ فيه،
قبل أنْ تُقطَعَ وتُزال.
دخلتُ البقيعِ ولم يكن
بعيدًا عن المسجد النبوي،
بل هو الآنَ ملاصقٌ لسورهِ الخارجي،
من جنوبه الشرقي.
قطعتُ في البقيعِ شوطًا طويلًا،
صعودًا ونزولا.
أحسسْتُ وانا أمشي برهبةِ المكان،
إنَّه مكانٌ غيرُ عادي!!
وانا إذ أمشي هناك،
كنت أجُرُّ خطايَ على اسْتحياء،
فأنا الميِّتُ أمشي بين أحياء.
من أكونُ انا بين من نَهِلَ
من معينِ المصطفى خالصًا،
بل من أكونُ انا بين من كانوا يمشون،
وكأنَّهم قرآنٌ يمشي على الارض؟
آلافٌ من هؤلاء تضُمُّهم أرضُ البقيع!
لِتهنَأْ هذه الأرضُ بمن حوتْ،
وليزددْ تربُها مسكًا،
إذ بوركتْ بهم وزَكَتْ.
صلّى اللهُ عليك يا سيِّدي،
إذ اعتدْتَ زيارةَ أهلِ البقيعِ،
للسلامِ عليهم والدُّعاءِ،
وها أنذا بك اقتديتُ ففعلت.
أدركُ أنَّنا جميعًا مدينون لرسالةٍ،
حملها من يرقدُ في هذا المكان،
فاسْتحقّوا منا الثَّناءَ والدُّعاء.
رحم اللهُ سكّانَ البقيع،
وطوبى لهم،
بجوار سيِّدٍ كريمٍ، رحيمٍ، ورفيع.