اطلالة على نص زقاق الأحلام للقاص شوقي دوشن /بسام الحروري/ بقلم :

لفت انتباهي نص زقاق الأحلام الذي دلف الكاتب خلاله من منظور الواقعية النقدية ولكن بصبغة حداثية فجاء العنوان بصيغة مستدرجه للمتلقي تقوده إلى استكشاف هذا الزقاق المظلم البارد والمكلل بأحلامه المنفتحة على مهب التساؤلات

يفتتح النص بمشهدين ثانويين
جسد الكاتب خلالهما الواقع المر في البحث عن الوظيفة /المستقبل وهما في ذات الآن صور مواربة بنتائجها المؤملة تجاه أمنيات مختلفة ومتباينة
أو انعكاسة حقيقية لما جرى ويجري في مشهد الزقاق الذي هو بؤرة النص ومركز عبور إلى مجهول، فالداخل إليه مفقود يغدو مجرد ذكرى أو أمنية مصلوبة على جداره البارد كما أنه محطة انتظار غير محمودة النتائج قد يضيع العمر حيالها
سدى
ففي المشهد المفتتح للنص انتخب الكاتب بذكاء يحسب له السمات الحسية والجسدية التي تنم عن النتيجة الحتمية التي يرمي إليها من مغزى القصة يرصد السارد مشاهد الانتظار ومايفعله جمره بصاحبه من خلال التداعي الدلالي والسيكولوجي لشخصية البطل بتجسيده متأففا من طول الانتظار المشوب بالقلق وتكرار النظر للساعة على أن يحين موعد المقابلة ثم الاعتناء بمظهر والإصلاح من هندامه حتى يتم قبوله فالتجانس الحسي والشعوري الذي أظهر به السارد بطله ينم عن كمية المشاعر والتضحيات التي تبذل تجاه حلم ما على أمل تحقيقه وإن جاء في صورة انتظار ولأن الانتظار مؤلم ومستنفد للطاقة والمشاعر ذهب البطل بنفسه والتأكد بعد أن نفد صبره وخرج من المكان بخفي حنين

تجاور وتجانس الأمكنة والنتائج
التي تمتح عن الانتظار عينه
لكن يظل التعزي من خلال التسلح بقليل من الأمل والصبر
ففي العبارة التي رددتها العجوز للبطل
(لا تقلق مجرد حلم مؤجل آخر)
وهنا ينبغي حصر عبارة (حلم مؤجل آخر) بين هلاليين وتفنيد النتيجة التي رمت إليها العجوز في عبارتها هذه فالانتظار والتأجيل قديكون مميتا للحلم وصاحبه بحيث يضيع العمر دون جدوى
فتجاور وتحاور المبنى الرخامي (الشركة) والزقاق (زقاق الأحلام) في الأمكنة والنتائج هي ذاتها جواب لتسؤلات فلسفية تنداح من متن النص ووتأصل من خلال السرد ومحادثات البطل والعجوز
التي ألف المكان وخبرته حين سألت البطل حين استوقفته وقد هم بالرحيل ( آه.. إذن جئت من ذلك المبنى الرخامي الأبيض…)
ثم استلهمت النتيجه دون النظر إلى عيني البطل حين أردفت :
( عيناك توحيان بنتيجة لم تكن تتوقعها )
ماأثار دهشته فجاءجوابها (يابني : لقد أمضيت نصف عمري في هذا المكان ،وفي هذا الشارع بالذات )
وإذن فنتيجة الآمال والأحلام واحدة متجاورة متجانسة كتجاور أمكنتهما ( الشركة والزقاق ) كنوع من عدوى الخيبة أو اللعنة التي اجهضت روح المكان وتركته مظلما باردا الروح فيه وهنا نستجلي السمة والصفة التي خلعها الكاتب على المكان الذي فقد روحه ودفئه من خلال اضمحلال الذكريات والأمنيات والأحلام تبرعمت في زواياه فتلاشت ليحتضن الجدار بقاياها لتظل بقايا امل وأحلام مكتوبه على وجه جدار الانتظار

فالسمة المشتركة بين البطل والعجوز متجاورة ومتجانسة كتجاور المكانين وكنوع من العدوى الذي شملتهم جميعا
التحق البطل بقطار الامل
ليلتحق بالعجوز التي غابت مع غياب حلمها واستحالة عودة مفقودها فيكتب أمنيته على ذات الجدار ويحجز له مكانا في مقعد الانتظار بانتظار حلم مؤجل آخر
مايؤخذ على الكاتب من وجهة نظر متواضعه في حواره مع العجوز عن حلمها وغائبها أنه أقحم البطل في مباشرة فجة مع المتلقي عندما سألها عن لقاءاتهما
– حينما كنتما شابين ؟
فبدأ وكأنه على معرفة مسبقة بمجريات القصة وتماهى بالبطل مع أنه يجب الفصل بينهما وصار السؤال استفسارا عاديا
كان بإمكانه ترك خيط السرد للعجوز في هذه الفقرة بالذات تسرد الوقائع أو أنه يكتفي
بمنذ متى كنتما تلتقيان ؟

وختاما اختتمت القصة بنهاية مفتوحة وانتظارات متناسلة للأمل والحلم والحياة وإن كان ثمة مايشي من كلام العجوز في نهاية اللقاء هل ستعودين غدا؟
فردت مبتسمة : (إن كان في العمر بقية)
أن غيابها يعني نهايتها بعد كل هذا الانتظار لهذا الحلم .
فمن خلال تيمة الانتظار وزع القاص على طول الخط البياني السردي بحرفية السمات الدلالية
وتماهي النتائج التي قرر الوصول إليها في بوتقة النتيجة الحتمية كواقع حقيقي عبر استدعاء المتخيل السردي للمكان أو من خلال كينونة المكان الحقيقي بعينه وتشابه المصائر وتشابك المطالب والأحلام
رغم اختلاف الأعمار إلا أن الأمل والحلم يظل ممكنا.

 

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!