لصحيفة آفاق حرة
بقلم الناقد/ علي أحمد عبده
قاسم.
بداية لابد أن أسجل اعترافا بأن نصوص المجموعة أثارت انتباهي أولا: ؛ لقوتها .
وثانيا: أنها تناسبني وتتواءم مع ذائقتي وتناولت موضوعا او قضية نحياها ونعاني منها وعانى من الوطن أرضا وإنسانا وهي الحرب والدمار والتشرد وتقاتل الأخوة.
وقبل الدخول في دراسة المجموعة لفتني العنوان كثيرا وأثار انتباهي فلايخفى عليكم أن العنوان يعكس قوة النص ويعكس أيضا قدرات الكاتب سواء الفنية أو القرائية والنقدية ويعكس صورة للقدرة الإبداعية
لدى الكاتب
جاء العنوان جملة تامة مكون من المبتدأ والخبر ” حين من القهر” وهو يتناص مع الآية الكريمة في سورة الإنسان:(( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا)) وهو يتناقض مع الآية فاستفهام الآية للنفي والتقربر معا بمعنى لم يأت على الإنسان زمن قبل خلقه فهو قبل خلقه من الله لم يكن شيئا مذكورا. أو على تقدير قد.
لكن اختارت العنوان و كأنها تقول جاءنا زمن من القهر والظلم والحرب وااتشرد ولم تكن تلك الحرب موجودة وكانها خلقت واستحدثت ولم تكن شيئا مذكورا فتحولت حياة الإنسان للحرب والدمار والإنسان معرض
للموت وأيضا دمار المحيط المادي والمقدرات.
فكان العنوان محترفا عميقا يناسب ويختزل رسالة النص.
ثانيا إطلالة على مفهوم الومضة الشعرية :
١- الومضة الشعرية او القطعة الشعرية او القفشة الشعرية أو االقصيدة القصيرة جدا هي لقطة أو مشهد أو لحظة شعورية يعيشها الشاعر ويصوغها بلحظة خاطفة او مشهد خاطف”
كما جاء في المجموعة حين التقطت الشاعرة مشهدا للصراع بين الإخوة اليمنيين بشكل مأساوي وبمشهد خاطف
(( حسبك يومها منها
فما كنا إلا في صفوف القاتلين
تموج
ونقتل بعضنا)) ص٢٢
لذلك رسمت اللقطة مشهدا مأساويا ب…
– تكثيف واختزال
– سرعة في الجمل
– إيقاع وصورة
– وحدة عضوية
– مفارقة ساخرة وسردية.
وتلك هي مميزات وسمات الومضة الشعرية.
٢- تاريخ القصة الومضة وعوامل انتشارها.
ظهرت الومضة الشعرية في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم وكان من أسباب ظهورها
– التحولات الفكرية والعصرية التي يشهدها العالم
– التأثر بالثقافة الأجنبية وخصوصا ظهور قصيدة النثر فقد ترافق هذا الشكل الشعري مع قصيدة النثر
– ملاءمة هذا النوع من النصوص للعصر وسرعته.
– يمكن الشاعر من التعبير عن همومه وهموم أمته بشكل سريع ولاذع.
– لم تستطع القصيدة الطويلة جذب المتلقي خصوصا مع الإسهاب والوصف والتكرار والاجترار بلا تجديد فكانت الومضة الشعرية أكثر جذباة واكثر لفتا وإيجازا.
– يعد عز الدين المناصرة الشاعر الفلسطيني أول من كتبها في الستينيات ويعد رئدا لهذا الجنس ويأتي معه الماغوط وأحمد مطر وادونيس وغيرهم وفي بلادنا كتب الكثير الومضة الشعرية ومن أبرزهم ” زين السقاف ومحمد القعود وهدى أبلان .
وكتب ومضات شعرية مستقلة في مجموعة الشاعر” بلال قايد في مجموعته ” مأخوذ بالنهايات” والمجموعة التي بين أيدينا إلا أن بلال قايد غلب على ومضاته السردية أكثر من الشعرية”
ثالثا: الخلافات حول هذا الجنس:
جاء هذا الشكل الشعري مترافقا مع قصيدة النثر من الصورة والنثرية والإيقاع والمفارقة والتمركز والبعد الدلالي وقد سميت القصة القصيرة جدا ((بأقصودة)) ونثيرة قبل أن يترسخ المصطلح حتى أصبحت مستقلة بالمصطلح قصة قصيرة جدا
وللترجمة أثر كبير في ظهور هذا الشكل الأدبي فللشعر الإنجليزي دور حين ترجمت نصوصه وحاول بعض الشعراء تقليدها وأيضا ترجمة الهايكو الياباني للعربية وربما بداية الترجمة لم تسعف المترجمين الترجمة للشكل والمعايير للهايكو لذلك هناك فرق بين الومضة الشعرية والومضة الهايكو
فالومضة الشعرية قد تأتي مستقلة بخمسة أسطر إلى سبعة وقد تقتطع من قصيدة ومعظم نصوص شاعرتنا اليوم قد تقتطع من قصيدة وبعضها مستقل
لكن الهايكو عبارة عن مشهد شعري يتكون من ثلات إلى ست جمل بمقاطع صوتية قد تصل إلى سبعة عشر صوتا وله بداية وحدث ونهاية وأجمل الهايكو ماكان مرتبطا بالطبيعة كمثل نصي من مجموعة تناهيد الغيوم
” في الخشب
يحفر قبره
ذلك المسمار” تناهيد الغيوم ١٩٥
لذلك أصبحت الومضة الشعرية مترسخة ومتجذرة لامتدادها في الزمن ولها مريدوها وكتابها وأيضا الهايكو بدأ يترسخ بفعل الترجمة الجديدة وتنافس اللغات في كتابته وشبكات التواصل الاجتماعي ومن ذلك فالومضة الشعرية أسبق من االقصة القصيرة جدا والهايكو والومضة القصصية الحكمة.
رابعا ثيمة المجموعة” حين من القهر” وأنواع الومضات
انشغلت المجموعة في أغلب نصوصها بالموت والحرب فسيطرت فكرة الحرب والموت والوطن والخيبات وموت الأحلام على معظم النصوص كمثل
(( في اليوم التالي
لن أنجو منك
حين تحاصرني أحلامي
وتنهك صفو تقديس البقاء
إلى متى أيتها الحرب
تقتليننا
لتحقيق السلام)) ص ١١
ويأتي نص آخر يقول:
(( أشعر أنني لا أشعر وأنا أسير إلى موتي))
وتتحدث عن التشرد وموت الأحلام .
(( سأترك هذه المدينة
وانا بكل خيبتي
ماذا عساي
لقد خذلني الموت)) ص١٣
ومثل ذلك قولها:
(( مشدوهة روحي
أتعثر بخطاي
والدرب يمور
مكسو بالغسق
وبرزخ الأقدار” ص١٤
بإيجاز ثيمة الموت خطابه مسيطر في المجموعة ومعجم الموت وألفاظه حقول متعددة يمكن دراستها بشكل مستقل بوصفها تلفت المتلقي وبشكل متكرر.
أنواع الومضات الشعرية:
– الومضة المكثفة المركزة كومضة العنوان والومضة السريعة بالجمل والصور المتتابعة.
كمثل
((تركت يد المواعيد مسدلة
كي تفتح باب القصيدة
ثم إنني
لن أجئ)) ص٢٥
التناقض المدهش والنهاية الصادمة بحوارية تزيد اللحظة توهجا وباختزال وتكثيف جاذب
– الومضة التناقضية المعتمدة على جملتين لنهاية مأوساوية وجاء منها الكثير كمثل :
(( إلى متى أيتها الحرب
تقتلينا لتحقيق السلام)) ص١١
وجاء منها أيضا.
(( فكرت أن أعبر عن وطني
حين أتاني
مشروخا)) ص٢٣
– الومضة المشهدية متعددة المشاهد
(( بيد أن شموخك
يزهر تحت الشظايا
تحيا مطلا على فوهة الحرب
وأنت بوجعك أعنف
وقاتلي وقاتلك أضعف)) ص٢٠
فالمشاهد
– الشموخ والتحدي تحت الشظايا
– الحياة على فوهة الحرب
– العيش بالوجع
– صورة القاتل الضعيف للطرفين.
– صورة الاستسلام.
– ومضة النهاية المفتوحة وجاء منها الكثير وعلى سبيل المثال لاالحصر سأستشهد
(( مشدوهة روحي
أتعثر بخطاي
والدرب يمور مكسو بالغسق
وبرزخ الأقدار)) ص١٤
فلا ندري هل البرزخ مابعد الموت وهي الحياة الفاصلة بين القبر والبعث أم البرزخ أم أنه رمز للأمل أم هو عذاب القبر؟ فالنهاية مفتوحة.
وثمة نصوص تستحق الالتفات ومنها
(( منذ حين من القهر العتيق
لم نكن شيئا مذكورا
والآن
هاقد منحتنا الحرب قلادة للفناء)) ص٣٥
– القدرة على التقاط المشهد الأزلي للإنسان وهو مكتوب عليه القهر ولم يكن شيئا مذكورا والقهر قدره وهو في العدم
– المفارقة بين صورة الإنسان وصورة في الحياة توسمه الحياة بقلادة الموت والفناء وتأتي بطريقة ساخرة ذ(( قد منحتنا الحرب قلادة)) فهذا تميز قاهر أيضا
– توظيف التناص لتتسع آفاق التأويل من قوله تعالى(( هل أتي على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا))
– المشهدية تتجلى للمتلقي من صورة الإنسان وهو في العدم وصورته بعد الخلق فبعد أن قدر له القهر وهو في العدم تقلده الحياة قلادة الفناء ليتميز عن باقي البشر بالحرب دون غيره من المخلوقين.
– التركيز على توصيل الفكرة بوجع وبإسلوب ساخر .
– التواتر في الجمل ليأتي بنهاية صادمة.
– الصور والأيقاع الذي يؤثر في المتلقي.
أليست هذه ومضة شعرية استطاع النص أن للمتلقي بأسلوب مؤثر وبتصادم عميق؟ فأين الضعف؟
أما النص الثاني فهو نص رمزي يرسم الخيبات والأمل الولاء والخيانه والمصداقية والغدر
(( كلما خبأنا الصباح
في غياهب الأرض
كي تنتشي من بين ثقوب المنافي .. أحلامنا
تفوح رائحة:المكيدة)) ص٢٦
– التعبير غير المباشر من خلال الرمزية (( فالصباح)) رمز الأمل والتجدد .و(( غياهب الأرض)) رمز للسرية والكتمان . و((رائحة المكيدة )) رمز الخيانة
– التناقض والمفارقة مابين الثقة بالأمل من شدة التكتم إلى انتشار السر وفضحه بمفارقة مشهدية موجعة مابين الولاء والخذلان.
– ألا يلاحظ القارئ حجم النص المكثف الذي رسم قضية كبرى وبقليل من الملفوظات ؟ وحجم الخيانة الموجعة من خلال العمق الدلالي للنص.
– ألا يكتشف القارئ الصور العميقة مابين الحسي والمجرد (( خبأنا الصباح؛ في غياهب الأرض، تنتشي أحلامنا؟)) وغيرها وكلها تعمل على تعميق المفارقة والرسالة
– التصاعد الصوري والإيقاعي الذي يفضي لنهاية موجعة فلم يغفل البعض أن الومضة سبقت الققج وإن الومضة الشعرية تشويق آخاذ من رسم المشهد ورسم الصورة والمشهد بوحدة عضوية وتركيز مكثف؟؟.
لتأتي ومضة أخرى تتحدث عن الإنسان الذي فقد حياته وإنسانية بفعل الحرب من العدو ومن خلال الأخوة فهذه الحرب استلبت إنسانية الإنسان وحولت الوطن إلى مكان مكثفو للموت.
(( قصدت أن نحيا عمرا واحدا
خير من ألف قهر
أن ننجو من الكثير
الذي توزع بالتساوي على رؤوسنا
وصار وطننا طعنة في الطريق
التي تغدو إلينا ..
قبرا يتسع للجميع)) ص٢٨
إن مايميز الومضة الشعرية قدرتها على خلق الدهشة من رسم الصور والتعابير السريعة والعميقة بمشهد كلي فالقارئ يلحظ.
– التناص العميق ذ(( خير من ألف)) وهو تناص ينم عن تذمر من الحياة المضطربة وتبحث عن الحياة المستقرة.
– الحذف (( أن ننجو من الكثير)) فالكثير تعبير غير محدود عن المآسي.
– ((التي توزع فوق رؤوسنا)) صواريخ . قنابل . رصاص . جنائز.
– الصورة الرمزية فالطعنة معادل رمزي للحرب ومعادل للمآسي .وتلك الطعنة مثخنة نجلاء نراها كل يوم وبداخل تلك الطعنة بلونها ونزيفها المقبرة للمجتمع أرأيت صورة أجمل من هذه الصورة المركبة والموجعة.
– الومضة الشعرية معايشة موقف وصوغه بإسلوب سريع وخاطف تجعل مخيلة المتلقي في حالة اندهاش وتعجب.
– النهاية من العمر غير المديد والسعيد والذي فيه نجاة من الكثير من السعادة التي ينجو بها الوطن من الحرب الطعنة وتلك الطعنة تتحول لقبر للإنسان وإنسانيته.
أما الومضات الذاتية والتي جاءت ترسم المشاعر فهناك ومضة ونص يباغتك بالنهاية بسرعة للحمل وتكثيف واختزال كبير لكن السرغة في الجمل القصيرة بعد رسم المشهد .
(( تحت غمرة سماء ماطرة
على طريق الحلم
طريقنا إلى خانة الذكريات
كنا نسير
وملء قلبينا قلق لذيذ
إلي لقائنا الخاطف… كالمستحيل)) ص٥٦
– رسم المشهد (( تحت سماء ماطرة))
– رسم الطريق (( طريق الحلم))
– طريق آخر مخاتل (( السير في خانة الذكريات))
وهذا تحول من الحقيقة للخيال أو تحول للاستذكار
– لتأتي النهاية مع الذروة (( وملء قلبيناقلق .. إلى لقائنا المستحيل))
– مخاتلة ولغة شاعرية مابين الحقيقة والخيال بأسلوب وشاعري وبايحاز بتفصيل وغير مباشرة
أما النص الأخير يقول فيقول:
(( منذ الحين
لم يزل نصف كأسك فارغا
نصف قلبك معلقا على حبل غسيل جارتي
التي لاتسكن بجواري)) ٦١
كأن النص يقول لن أمللك حبا بل ستناول مني نصف كأس فقط نصف حب
فنصف قلبك متعلق بجارتي
والتي لاتسكن بجواري لن أقبلها شريكة لي لقلبك
ألا تكفي اللغة المخاتلة والتدرج ورسم المشاهد ناهيك عن.الصورة والمفارقة والتركيز على الفكرة ؟
وفي الأخير لي ملاحظات وهي:
– قليل جدا من النصوص ضعيفة
– هناك حشو في بعض النصوص أثقلها وقلل سرعتها
– لم تجنس الشاعرة النصوص وتركت التجنيس للقارئ وهذا قصور نوعا ما.
– لم تعنون النصوص واكتفت بالترقيم
– تناولت الشاعرة في نصوصها قضية الحرب ومآسيها والموت المخاصر للإنسان من كل إتجاه
– تمتلك الشاعرة قدرة فائقة في رسم المشاهد وتناول الفكرة بإسلوب عميق.
– لم تكتب الشاعرة بلاوعي بل كتبت بوعي عميق لاكتمال النصوص الومضات القصيرة جدا في الخصائص والسمات.
– صورها النصوص مدهشة وعميقة ومؤثرة متناسبة مع المشهد والفكرة .
– تنوعت الومضات في المجموعة مابين حوارية ومشهدية ورمزية وسردية ومتناقضة وتنوعت في النهايات فحاءت متعددة مفتوحة ومضمرة ورمزية وغيرها.
– هناك ومضات سردية بلاشعرية خاصة ماجاء من سطر واحد..
– القليل من يكتب بهذا الأسلوب الرفيع.
– تعد هذه النصوص مختلفة ومغايرة عماهو موجود ومعتاد في المشهد الإبداعي.