لآفاق حرة
رؤية في كتاب
“أحمد شوقي: أمير الشعراء” للأديب حسين بكري”.
بقلم. مرفت البربري. مصر
يُعتبر كتاب “أحمد شوقي : أمير الشعراء” مرجعًا شاملاً لحياة الشاعر أحمد شوقي وإبداعه الشعري. استعرض الأديب حسين بكرى في كتابه الذى هو العدد التاسع من سلسلة عقول التى تقدمها الهيئة العامة للكتاب، مسيرة شوقي منذ نشأته وطفولته وحتى تحوله إلى رمز شعري عربي فريد، متطرقًا إلى جوانب متعددة من شخصيته وحياته الفنية والاجتماعية. وتميز الكتاب رغم عدد صفحاته القليل بثراء المادة التاريخية والأدبية التي يقدمها المؤلف.
قدم الكتاب تأريخ شامل لحياة شوقي من خلال سرد دقيق لحياته منذ ولادته ونشأته في حي السيدة زينب مرورًا بتعليمه في مصر وفرنسا، وحتى تبوئه مكانة “أمير الشعراء”. يغوص الكتاب في تفاصيل دقيقة تتعلق ببيئة شوقي الأسرية والاجتماعية، ومنها علاقته بجده أحمد حليم النجدي وجدته اليونانية “تمراز”.
قام بكري بالتركيز على المؤثرات الثقافية في شخصية شوقي
وأبرز تأثير تعليم شوقي في فرنسا وقراءاته للأدب الفرنسي، ما أسهم في تطوير أدواته الشعرية وجعله يمتلك رؤية أكثر انفتاحًا. كما يتناول الكتاب تأثره بالقرآن الكريم والتراث الشعري العربي الكلاسيكي، مما أضفى على شعره قوة في المعنى ورشاقة في المبنى.
عالج الكتاب عدد الموضوعات التي تضيف ثراءً معرفيًا للقارئ ويمنحه فهمًا أوسع لشخصية شوقي المتعددة الجوانب والتي تشكل محطات مهمة في مسيرة شوقي، مثل:مسيرته في البلاط الخديوي وعلاقته بالخديوي عباس حلمي الثاني ،إسهاماته في المسرح الشعري مثل “مجنون ليلى” و”قمبيز”.
الفترة التي قضاها في المنفى بإسبانيا وكتاباته الوطنية آنذاك.
كما أنه ربط شوقي بالحركة الأدبية والشعراء المعاصرين مثل حافظ إبراهيم ومحمود سامي البارودي، مما يبرز دور شوقي في تطوير مدرسة الإحياء والبعث الشعري، التي أعادت للشعر العربي بريقه بعد فترة من الركود.
ربما يكون الكاتب منحازا لشخصية شوقي رغم جهودة الكبيرة في تتبع حياته ، فقد ظهر شوقي في كثير من المواضع بشكل مثالي يكاد يخلو من العيوب، حيث تم التخفيف من حدة النقد الموجه له، مثل ارتباطه بالقصر ومدحه المستمر للخديوي. ولكنه عرض هذا بأمانة ودون إظهار رأيه ككاتب وترك للقارئ حرية الرأي في أن يرى هذا الارتباط صوابا أم خطأ.
مع ذلك قد امتاز الكتاب بالتوازن النقدي فبالرغم من ما أُخذ على شوقي من ارتباطه بالنخبة الحاكمة، إلا أن الكتاب يُنصفه في فترات إبداعه الحقيقية، خاصة في فترة المنفى، حيث تحرر شعره من المديح وأبدع قصائد خالدة مثل: “وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي”.
وهذا يُظهر أن شوقي كان قادرًا على التعبير عن قضايا وطنه عندما توفرت له الظروف الملائمة.
كذلك قام الكاتب بتهميش النقد الموجه لأعمال شوقى على الرغم من وجود ملاحظات مهمة حول شعر شوقي، مثل غلبة الصنعة على الصدق العاطفي وتكرار مدائحه للبلاط، إلا أن الكتاب تجنب الخوض بعمق في هذه الانتقادات. النقد الذي وجهه عباس محمود العقاد لشوقي، باعتباره شاعرًا يفتقر إلى الشخصية المستقلة ويكتفي بالشكل الفني، لم يُناقش بما يكفي ، كذلك انتقاد محمود تيمور للصور الشعرية المقتبسة من الشعر الجاهلي عند شوقي.
أورد الكاتب الأحداث بتسلسل زمني دقيق، دون أن يُعزز ذلك بتحليل معمق لنصوص شوقي الشعرية. ربما لأنه ركز على الشخصية أكثر من الإبداع .
كان من الممكن أن يُثري المؤلف كتابه بتحليل دقيق لأعمال شوقي الأبرز، مثل “كبار الحوادث في وادي النيل” أو قصائد الرثاء والحنين إلى الوطن، ولكن هذا يعود إلى الاختصار والتركيز الذى تميز به كتب السلسلة.
يمثل كتاب “أحمد شوقي: أمير الشعراء” إضافة مهمة للمكتبة العربية، فهو مرجع ثري لحياة شوقي وإنجازاته الشعرية.
قدم الكاتب بذكاء نقدا لشوقى لأنه كان أسيرًا لعلاقاته السياسية وولائه للقصر، وهو ما انعكس على شعره في بعض الفترات،
من الأمثلة لذلك، مديحه المبالغ فيه للخديوي عباس حلمي الثاني:
حيث يقول:
“شاعرُ العزيزِ وما بالقلـيل ذا اللقبُ”.
هذا البيت يبرز استغراق شوقي في مدح السلطة الحاكمة، مما جعله في نظر البعض شاعرًا للبلاط بعيدًا عن هموم الشعب.
هجومه على الثورة العرابية:
أثار شوقي انتقادًا كبيرًا بسبب موقفه من الثورة العرابية وزعيمها أحمد عرابي، حيث كتب قصيدة هجاء قوية بعد عودته من منفاه، يقول فيها:
“صغارٌ في الذهابِ وفي الإيابِ أهذا كل شأنك يا عرابي”.
هذا الهجاء يعكس وقوف شوقي إلى جانب السلطة وابتعاده عن الشعور الشعبي، حيث كان الشعب المصري يرى في عرابي قائدًا وطنيًا.
انتقد شوقى في تأخره في التفاعل مع حادثة دنشواي:
فقد كتب شوقي قصيدته عن حادثة دنشواي بعد عام من وقوعها، مما أثار التساؤلات حول تأخره. يقول شوقي في هذه القصيدة:
“ولا يلمّ باللورد كرومر إلا إلمام النسيم الخفيف”.
يُظهر هذا البيت ضعف شوقي في مواجهة الإنجليز وخوفه من الصدام معهم، ما أفقد القصيدة تأثيرها الوطني.
كما أوضح مدحه للإنجليز على لسان حافظ إبراهيم:
في إشارة إلى قصيدة حافظ إبراهيم بعد تولي السلطان حسين كامل الذي ينعم بالحماية الانجليزية،يتطرق النص إلى ضعف موقف شوقي السياسي حين لم يكن متميزًا عن معاصريه في تجنب انتقاد الاحتلال، بل جاءت قصائده في تلك الفترة خالية من الحس الثوري.
كذلك ضعفه في مواجهة مع الإنجليز:
جاء في وصف تعامل شوقي مع حادثة دنشواي أنه لم يوجّه نقدًا قويًا للورد كرومر، بل مر عليه كنسيم خفيف، حيث يقول:
“ولا يلمّ باللورد كرومر إلا إلمام النسيم الخفيف”.
هذا يعكس تجنب شوقي لأي صدام مباشر مع القوى الإنجليزية المحتلة.
قدم كتاب “أحمد شوقي: أمير الشعراء” من خلال مقدمة وخاتمة بينهما ستة فصول تناول فيها بكري مكانة الشعراء عالميًا، ومكانة أحمد شوقي في العالم العربي كأمير للشعراء ، تناول المكانة التاريخية للشعر العربي بعبارة ابن رشيق القيرواني:
“كانت القبيلةُ من العرب إذا نبغ فيها شاعرٌ أتت القبائلُ فهنّأتها”.
هذا يبرز دور الشعر في الثقافة العربية ومكانة شوقي كامتداد لهذه التقاليد.
كما أنه تحدث في الفصل الأول “ميلاد عبقري”عن ولادة شوقي ونشأته، عائلته، وجدته “تمراز” وتأثيرها الكبير عليه، و تناول وصفًا للقاهرة الخديوية وتطورها العمراني والاجتماعي زمن ولادة شوقي مما يعزز فهم تطوره كشاعر، ولكن يؤخذ عليه الإطالة في وصف القاهرة الخديوية جعلت هذا الوصف يبدو منفصلًا عن موضوع شوقي.
فمثلًا الحديث عن تقسيمات القاهرة إلى “ثمان” وتفاصيل حياتها الاجتماعية لم يربط مباشرة بشخصية شوقي.
قدم شرح تاريخ عائلة شوقي وكيف انتقل أجداده إلى مصر، وتدرجهم في المناصب، كانت التفاصيل التاريخية المفرطة حول أجداده طويلة وغير مرتبطة مباشرة بتطوره كشاعر، ولكنها هامة لمعرفة أسباب انتماءه للقصر.
وسرد تفاصيل ولادة شوقي وتقاليد ذلك الزمان المتعلقة بالولادة. الفصل يقدم سردًا دقيقًا لنشأة شوقي، خاصة ارتباطه بجده وجدته. أثر الجدة “تمراز” واضح في تكوينه، إذ كفلته ورعته منذ ميلاده، مما ظهر في رثائه لها بقصيدة:
“صلاةُ اللهِ يا «تمرازُ» تجزي / ثَراكِ عن التلاوةِ والصَّلاةِ”.
كما تناول كراهية شوقي للتعليم التقليدي في الكتاتيب وتفاصيل تلك المرحلة وسعادته بالتعليم النظامي في التجهيزية وبداياته في كتابة الشعر.
يوضح نفور شوقي من الكتّاب التقليدي منذ طفولته. هذه الملاحظة تعطي القارئ فكرة مبكرة عن حساسيته الإبداعية.
لم يقدم النص تفسيرًا دقيقًا لكراهية شوقي للكتّاب، سوى وصفه بأنه “جناية على وجداني”، لم يوضح كيف أثرت هذه التجربة على مسيرته لاحقًا بالرغم من استشهاد الكاتب بوصف المفكر أحمد أمين للكُتاب في كتابه “حياتي” أظن ذلك لعدم وجود مصدر بلسان شوقي يفصل هذه الكراهية ولكن ربما كان من الممكن أن يجد الكاتب أثرا لهذه الكراهية في أشعار شوقي.
أما عن التحاقه بمدرسة الحقوق وقسم الترجمة، فقد سلط الكاتب الضوء على مرحلة مهمة في حياة شوقي، حيث تعرّف على أساتذة مثل حفني ناصف وحسين المرصفي، مما أسهم في نضجه الشعري.
لكنه يبرز بشكل أوضح كيف أثرت دراسته القانونية على أسلوبه الأدبي، خاصة في توظيف الحجج والبنية.
كما أوضح في فصول الكتاب مدى تأثر شوقي بالحضارة الفرنسية، والتي انعكست على إبداعه، مثل مسرحيته “علي بك الكبير”. كذلك يعرض كيفية استغلاله المنح الدراسية في تعزيز معرفته.
لكنه ركز على وصف المدن الفرنسية التي زارها شوقي دون أن يوضح كيف أثرت تلك المشاهدات على شعره.
كما أنه أوضح نضج شوقي أثناء نفيه في إسبانيا، حيث تحرر من قيود المديح وكتب قصائد خالدة مثل:
“وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ / نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي”.
السلبيات:
فأظهر من خلال ذلك كيف تحول شوقي من شاعر البلاط إلى شاعر وطني خلال المنفى.
تفاصيل مهرجان تكريم شوقي تكشف مكانته بين شعراء عصره، كما يوضح النص الدور المحوري للمرأة المصرية في تلك الفعاليات، مثل كلمة إحسان أحمد.
ولكن كان التركيز على الاحتفالات أكثر من تحليل تأثير هذا التكريم على مكانة شوقي الأدبية.
يختتم النص بمراسم تشييع شوقي بأسلوب يبرز أهميته الأدبية والشعبية، ما يعكس التقدير الذي حظي به في حياته وبعد وفاته.
فقط كان من اواجب عرض تأملات أوسع في إرث شوقي الشعري وتأثيره على الأجيال اللاحقة.
ختاما .. هذا الكتاب يعرض حياة أحمد شوقي بمزيج من السرد التاريخي والتحليل الأدبي، مع تفوق واضح في التأريخ بشمولية ودقة،
فيمكنا القول إن الكتاب نجح في تقديم سيرة ذاتية شاملة عن أحمد شوقي إلى حد كبير، فقد غطى معظم مراحل حياة شوقي بشكل مفصل، من مولده ونشأته، مروره بتعليمه في مصر وفرنسا، وحتى نفيه إلى الأندلس وعودته لتتويجه “أميرًا للشعراء”. كما يتناول الكتاب التأثيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي شكّلت شخصيته، مثل دور جدته “تمراز” في حياته، وتأثير الخديوي عباس حلمي عليه.
كما انه نجح في إبراز جانبًا مهمًا من شخصية شوقي، مثل طموحه الشعري، وتأثره بثقافته المتنوعة، حيث جمع بين التراث العربي والأدب الغربي. كما يُظهر الكتاب كيف تميز شوقي بقدرته على التكيف مع الأوضاع المختلفة، سواء في القصر أو في المنفى.
اعتمد بكري أسلوبًا سرديًا جذابًا، معتمدًا على ترتيب زمني دقيق للأحداث. وهذا يُسهل على القارئ متابعة تطور شوقي كشاعر، خاصة فيما يتعلق بمراحله المختلفة، مثل التعليم، العمل في البلاط، والنفي إلى الأندلس.
كما أن الكتاب يُظهر شوقي كشاعر نهض بالشعر العربي، خاصة من خلال تطرقه لتجديد مدرسة الإحياء، وإبداعاته في المسرح الشعري. كما يعرض الكتاب أمثلة من أشعاره الوطنية والرومانسية والدينية، مما يعكس تنوع إنتاجه الشعري.