ليتني أستطيع التخلص من هذه الذكريات التي تكاد تقتلني كل يوم. .. اخبرني صديقا” لي بأني رهين المحبسين (يقصد حبس الذكريات والغربة ) … يبدو أنه كان محقا” بالفعل. .. لست أدري مايقطن راسي ؟؟ شخصان متناقضان فيما بينهما ، هل هم ملائكة أم شياطين؟ ؟ أحدهم يأمرني والآخر يمنعني فلست ادري أيهما محقُ ومصيب. . … سوف اكتب قبل أن يأتي صديقي البدين من العمل هو يشاركني هذه الغرفة الصغيرة في بلاد المهجر. . رجل طيب لكنه ثرثار ويحب الكلام الكثير فلا يترك لي فرصة التأمل ولا الكتابة . … يكثر من الشكوى والتذمر كل يوم من العمل ومشاكله الكثيرة ، قضى نصف عمره وخيرة شبابه هنا في هذه البلاد المترامية الأطراف. . اسميها انا (بلاد الرمال والعقال ) لا شيء فيها جميل غير المال الذي يجعل المرء يقضي جل عمره وهو يركض خلف سراب المال فيدفع من أجله صحته وشبابه. .. الحرارة هنا مرتفعة هذه الأيام للغاية والنهار طويل والملل والضجر هما الرفيقان معك ما دمت مغترب عن الاهل والوطن. .. أووو تبا” لك ياعوباد. . أين ذهبت؟ ؟ اكتب عن تعز وعن شارع جمال. .. ماذا حدث في ذلك اليوم الذي كنت تبحث فيه عن عمل ؟؟؟ “ها هو يأمرني أن أدون كل ذكرياتي “. حسنا” حسنا” سافعل. …. لم يكن الوقت كافيا” كنت انظر الى الساعة الرقمية بين الحين والاخر على يدي كانت ساعة صينية تقليد لشركة كاسيو ذات سلس حديدي ثقيل حصلت عليها من احد الاقرباء يوم نجاحي من الثانوية العامة ،لكنها كانت بالنسبه لي تعتبر جميلة و تفي بالغرض. .. مازلت أقلب صفحات الجريدة أمام معرض الدبعي للعطور،،كان في صفحتها الأخيرة الابراج انا من أشد متابعينها رغم أني لا اؤمن بالنجوم ولا بالطوالع لكن أحس بمتعة متابعتها. .. كان الحمل في مقدمة الابراج وهو طالعي يقول سوف يأتي اليك خبر يبهج قلبك سيكون ثمة تغير في حياتك للافضل …. لفت انتباهي ذلك الرجل الخمسيني من المهمشين كان يفترش الأرض يحيك الجزم ويقوم بتلميعها مقابل مبلغ زهيد من المال. .. هذه المهنة هي حكرا”على فصيلة المهمشين الذي يطلق عليهم الاخدام رغم أني أكره هذه التفرقة الإجتماعية والناس عندي سواسيه كأسنان المشط إلا من همش نفسه وذل قدره وعصى ربه. …. الرجل يتمتع بنشاط وحيوية رغم تقدمه بالسن يفترش كيس مهترىء على الأرض وبجواره مذياع صغير بحجم اليد فقط لكن صوته كان يصل آليا لقرب المسافة بيننا. .. سمعت صوت المذيعة أنيسة محمد سعيد وهي تقدم برنامج مايطلبه المستمعون من اذاعة تعز ،،، وتبشر بــ تهاني زواج ومواليد ونجاح بصوت سريع من حرم وحرم وحرم وحرم كلهم يهنون فلان وفلان. من يتذكر إذاعة تعز وتلك المذيعة التي تمتاز بسرعة قرأتها …..؟ توقف قرأتها مرحبة بأغنية أيوب طارش عبسي وادي الضباب مآااك غزير سكاب. …… آه كم يذكرني صوت ذلك الرجل الشجي بكل شيء جميل في حياتي. وادي الضباب في تعز والشجرة المعمرة فيه شجرة يطلق عليها إسم (شجرة الغريب ) ذات الجذع الكبير والاغصان الوارفة. …… ذهبت بعيدا”مع صوت أيوب وشردت بذهني الي أيام الرحلات الدراسية الى ذلك الوادي الجميل وجداول الماء والخضرة والزرع والنساء الريفيات التي تشعر بعظمة المرأة اليمنية وقوة تحملها وصبرها وهي تشارك الرجل في حرث الأرض وسقي الزرع وتربية المواشي في ذلك الريف الجميل. …….. كنت شارد الذهن وفجأة يقطع شرودي متسول صغير من أطفال المهمشين ياحاج ياحاج تصدق علينا. .. تبسمت مع نبرة غاضبة وانا اكتم غيضي قائلاً :يعني أبوك ماعلمك تقول ياستاذ ياباشا عشان تشعرني بنوع من االفخر والغرور نوعا ما ربما يشبع شيء من غروري .. لأن لقب “حاج ” لا تقال فقط لمن اداء فريضة الحج بقدر ماهو مصطلح للابتزاز والارتزاق عند سلالة المهمشين …. الناس في هذه المدينة كخلية نحل الكل يعمل في همة ونشاط هذه المدينة لا تجيد غير العمل والقراءة. …. صورة إعلان على لوحة زجاجية تنبئ عن إقامة فعالية في مكتبة السعيد يحضر فيها محافظ المحافظة واعيان المدينة ليناقشوا مشاكل تعزالعويصة. …. العطش والهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة والزواج المبكر. …. هكذا كانت مشاكل تعز المستعصية آنذاك بنظر أهلها . أود أن انهض من مكاني لأذهب الي كشك 26سبتمبر كم اخبرتكم آنفا”. لكن متعة الجلوس على هذا الرصيف والتأمل في وجوه المارة تمنعني من القيام والذهاب الي حال سبيلي. ……..