بقلم الأستاذ ابراهيم المرعي
مجموعةٌ شعريةٌ ترتدي ثوب النثر وتغوص في بحار الشعر ذات نسجٍ وحبكٍ على صعيد المفردة والتركيب والنفَس
مولودٌ أولٌ للشاعر عماد الأحمد يصرخ في فضاء الشعر ليحجز لنفسه مكاناً في ميدان الشعر رغم قلّة أهله وكثرة مدعيه .
على ساقٍ واحدة عنونةٌ اتخذها الشاعر عتبةً لبيته الشعري جارّاً المتلقي من أذن ذائقته الأدبية لا أذني الغيمة التي وددت أن يجرّها الشاعر من أذنٍ واحدة لا اثنتين ويسمو بها قليلاً.
على ساقٍ واحدة عنوانٌ اشتغل الشاعر فيه على عنصر الزمن وقصر المسافة والاستهانة بالأمر مهما عظم وكما قيل في اللغة المحلية :(أقضيها على رجلٍ واحدة) وظهر هذا في عناوين المجموعة : مبتدأ افتقد ساق الخبر، نحن، عزاء ، حنين وغيرها..
إذ يتنازع الشاعر الخاص والعام العائلي والاجتماعي ومناخ الحرب الذي كُتبت فيه هذه النصوص إذ تطلّ الحرب برأسها في أكثر من نصّ بتصريح وتلميح ليفرد لها الشاعر نصّاً بعنوان: حرب :
في الطريق إلى الله /حيث لاتقاس المسافات/يصلي الجميع
كي تنتهي الحرب بمعجزة/وفي الطريق إلى الحرب حيث تقاس المسافات بالخيبات.
ليتمنّى بلاداً أنيقةً خضراء آمنةً بفصلٍ خامس وإن تقنّع بالعشاق والفلاليح والعصافير واللاجئين:
بكامل أناقتها/يريدها العاشقان
بخمس فصولٍ /يريدها الفلاليح
بأشجارها/تريدها العصافير
بشطآنها/يريدها اللاجئون .
بدا الشاعر رومانسياً في أكثر من محطةٍ شعرية من خلال حديثه عن الفراش والورود والقمر والنجوم والحبيبة:
أن تكون قمراً فأنت منذورٌ لشرفتها
أن تكون وردةٌ فأنت منذورٌ لما تبقّى من ابتسامتها.
بدت نصوص الشاعر قصيرةً في مجملها وكأنّه لا يريد أن يثقل على ساقه الواحدة ولربّما هو قلق الحرب وتسارع الراهن والأحداث ، ليجيب عن تساؤل المتلقي وينسف التأويل والمعتاد وتظهر ساقه متجذّرةً في تربة الشعر والحبّ متجاوزةً قوانين الفيزياء وفرحة (وجدتها):
على ساقٍ واحدةٍ مثل شجرة/لاتؤمن بالفيزياء
ولا يشغل بالها/كيف تسقط التفاحة إلى أسفل/أحبّكِ .
أعلن الشاعر عن عمره غير مرّة:
لا الخيبة التي عشتها ثلاثين سنةً/ولا الثلاثون سنةً
نادمٌ على أيّ شيءٍ لم يكن/على دمعةٍ ملحها قليل
وعلى ثلا ثين مرّت مثل زوبعة…
اشتغل الشاعر على تقنية الزمن وتقدّمه مع نمو ولده وتهجئة لفظة بابا لتبدأ ب با ، باب ، وتظهر لفظة بابا بكامل نكهتها في آخر النصّ وهذا يحسب للشاعر.
ظهرت الأنثى في نصوص الشاعر ممثّلةً بالأمّ والجدّة والابنة والحبيبة والزوجة ، فأمّه تضيف القرفة إلى الشاي والحديث عن تفاصيل عملها اليومي ويراها بلاداً خضراء بكامل خضرتها ليفجّر نبعاً من الحنين والدفء عندما يختم نصّه ب يمّاااا والاشتغال على حميمية المفردة
تقفز نايا ابنة الشاعر وينزلها مرتقاً لا ينزله لأحدٍ سواها إذ يحصر عنوان نصه بكلمة فقط :إلى نايا فقط مبرزاً جمالها وجمال ماترتدي من ثياب وألوان:
كيف لا يجنّ الأزرق في ثوبك المدرسي
وكيف لا يسرق من شعركِ غيمةً
كيف يهدأ وأنتِ نافورة موسيقا.
لم يغب الحقل العائلي عن نصوص الشاعر على صعيد الجدّ والجدّة والزوجة والأولاد المشاغبين:
للمشاغبين الثلاثة/يتقافزون حولنا كالأرانب
ويثرثرون على مدار الساعة…
وتظهر الجدّة معلمة الحساب :
تعال لأعلمك العدّ من الواحد إلى العشرين
على طريقتها في عدّ البيض والتجاعيد وأحفادها..
تختزل أمّه قوانين الفيزياء بقياس ملح جبنتها عندما تطفو البيضة..
أشار الشاعر إلى مهنته كطبيب إشاراتٍ خجولةً ونادرة:
_القلب الذي خاف التورّط في الطبّ والحبّ
_الحياة على هذا النحو لاترفع الضغط
_قد تحدث خللاً في الدورة الدموية.
بدا الشاعر وفياً لمفردات لغته المحلية المحكية ك:
حبابتي، سلوع، سواديني، شليل، هباري وغيرها…
بدا أثر بيئة الشاعر المحلية واضحاً في تعلّيم الشاعر الألوان والأحرف:
الأخضر واسعٌ مثل حقول القمح في قريتنا
الأصفر بسيطٌ وشهيٌّ مثل السليقة التي تطبخها جدتي
حرف التاء مثل طاسةٍ فوقها نقطتان
والواو معقوفةٌ مثل ذيل جرو..
وهذا خروجٌ عن المألوف يحسب للشاعر أيضاً وبأنّ الشاعر يكتب بفرحٍ طفولي ولغةٍ أسنانها لبنيّةٌ بيضاء وألوانها طازجة
كالأنفسجي والأخضر والأزرق والأحمر وغيرها…
الشاعر يقفز فوق المرجعيات المعتادة والمطروقة من قبل من سبقه من الشعراء كالتوظيف والتناص والاقتباس من النص المقدّس أو التاريخ وشخوصه والأساطير وهذا ملمحٌ إيجابي أيضاً، فلو أردنا أن نفسّر ودع الشاعر وذرّات رملهِ لوجدناها تستند في أغلبها على المحليّ والبسيط اللذيذ والذاتي لينضج لنا نصّاً ببهارٍ أدبيٍّ جديد متخطياً طريق القوافل والتوابل المألوفة من قبل الشعراء ..
هذا ماأسعفتني به قراءتي المستعجلة وأرجو أن أفي هذا الشاعر حقّه ولتكن لكم قراءتكم فهو شاعرٌ واءم بين الفراشة والجمل قانصاً مايجمع بينهما من جمال فهو قمرٌ باستطاعة شمس لا كما يقول :قمرٌ باستطاعة ربع شمعة .
أتمنّى له التوفيق ولتضاف لبنةٌ إلى صرح الشعر العربي مهندسها عماد .