رواية رغبة ل عمر علي الحقوني تخطي حاجز التمييز الجنسي بمقاربة سيكولوجية ثقافية في رواية واقعية الأحداث تخيلية الأمكنة.

كتب :حجازي سليمان

أن العواطف ليست عالمية بل إحساس ذاتي، فلاتوجد تجربة واحدة للخوف أو السعادة أو الغضب. فيتشارك الجميع في هذه الأحاسيس والعواطف ، فالعواطف تتشكل تبعاً للخلفية الثقافية والإجتماعية، وحتى الكلمات التي نستخدمها في وصف العواطف يمكن أن تساهم أحياناً في تشكيلها.
الذين يسافرون بلا متاع قد لا يكترثون في حياتهم لطريق العودة، وربما يغضون الطرف عن الإشارات التي تلوح لهم، وحتى الذين تركوا بعضهم قد يغالبوا النعاس الذي يصيب مضجعهم لحظة حضور، هكذا همت العمة يارا بطرد الفكرة عن رأسها ولكنها لم تعي أن هذه الفكرة عبارة رغبة قد تفارق حياة سمتها الفراغ وضياع الأمل بين أروقة دارها.
وكما تخص الفلسفة وصماً للرغبة بأنها التوجه الشعوري والحركة نحو الحاجة إلى شيء معين أو واقع ما يعتبره الشخص كمصدر محتمل للشعور بالرضا، كما تعرف بأنها النزعة الشعورية، فمثلاً عندما يرغب الشخص بفعل شيء معين فمن الطبيعي أن يحقق ذلك وأن لم يفعل ستستمر فكرة الرغبة وتزيد الرغبة مع عدم تحقق ذلك، وسيجد إفتقاره إلى تلك فكرة غير مريحة البتة حتى يفعله، فكرة الرواية تقوم على هذه الرغبة وكان هيكلها العماري يقوم على ذلك.
الزمان والمكان والأحداث جميعها تخدم الفكرة وتتسابق الأحداث لتصف نفسها بقطع من المعرفة تراود مشيئة الحبكة لتصب في هيكلة يعلمها الراوي حتى آخر فصل، فكانت البداية عبارة عن سلسلة أحداث تحكيها البطلة وبدأت فعلياً عندما التقت بصديقتها سارا.
فكانت تلقي الضوء على المواقف وتعلق عليها، فمعظمها عن العمة يارا وبنتها لوجي وطريقة صنع القهوة والدار الحزينة وممراتها واسعة الضجر، وهروب المواء من أفواه القطط عبر فراغات الصمت .
الزمن في الرواية يعد واحداً من أهم العناصر التي تشكل العمل السردي ويعد أكثر الأنواع الأدبية إلتصاقاً بالزمن، إذ أن أحداث كل قصة لابد لها من زمن تجري فيه الأحداث فهو عنصر أساسي في السرد الروائي وهو محوري تترتب عليه عناصر التشويق والإستمرار كما أنه نسبي يختلف من شخصية إلى أخرى ومع ذلك فإنه ليس للزمن وجود مستقل في الرواية وإنما يتخللها كلها بغض النظر عما إذا كان هذا الزمن حقيقي أو متخيل إذ أن مدى واقعية الزمن وحقيقته لا أثر لها في تشكيل العمل الفني بيد أننا لابد أن نشير هنا إلي الزمن في الرواية يعد زمناً متخيلاً في ذهن المؤلف يستمد حقيقته من خلال العمل الرِوائي
“لا أدري من أين أبدأ، هل من اللحظة التي اكتشفت فيها حياتي أم من اللحظة التي اجتاحتني فيها الرغبة!
دون مقدمات اكتشفت أنني غير يتيمة كما يدعونني هنا في منزل العمة يارا، وغير منتمية لأي شيء سوى هذه الأرض التي أسير عليها الآن بخطى ثقيلة، وكنت أشعر بها تطردني أيضاً بسخونتها الطافحة، أسير عليها بحمولة زايدة، أسير وذكريات موغلة في الألم تثقل علي أكثر وتنهش جسدي المنهك!”
مجتزأ من الرواية بلسان رغبة ..
يتدفق الزمن هنا من بين أنامل السرد، يغازل من بعيد أرض خصبة يعانق فيها الظمأ ترتوي ملء حنينها من نثر فتكون اختلاجات الأزمان بين ماضي وحاضر ومستقبل يرفل في مخيلة فتاة تتجول بين الحروف ولا تعلم ما الذي يحل بها، في قصة عاجلة الأحداث تلتقي وسارا لتكشف لها أسرار الرغبة في أن تكون طالبة جامعية ولم يكلفها الأمر سوى بعض المشاهدات والأفلام التي شاهدتها في دار العمة يارا وكانت بمثابة عقاب لها إلا أنها مؤخراً علمت قدرها الذي لازم تتبع سنينها كحدث رئيسي في قصة تكتبها الصدف، دخلت الجامعة كأفضل مايكون، طالبة مميزة تعرفت على زملائها وأقرانها دون أن يكلفها ذلك ذكريات المدرسة، قفزت بعيداً عبر أغصان الحظ حتى وصلت مرحلة تعد فيها من المميزات.
لم تتعلم أن توصد مسامعها، بل كانت الصدف تتيح لها قدراً من الحكي، فتشبع حلق اللحظة ملحاً أحياناً يتسرب إليها فتتذوق المرارة وما تؤول إليها الرغبات دائماً إلي أشياء مؤلمة..
“وقفت أمام السوبر ماركت، أتذكر ماجئت من أجله، بعد أن شلتني الحاجة سكينة بحكايتها المرة وهي تقاوم كل هذا الوحل، تمضي نحو الله بذلك القلب الطاهر.”
دوما تفضي الرغبات إلى حياة يملؤها الألم ومر الشجون، تجعل الضحايا يلوذون بالصمت والعزلة.
اللغة العميقة والفلسفة العتيقة والسرد الحصيف جعل من الرواية أحداثاً تهرول عقب شخوصها والكل يريد معرفة الفتاة التي كانت بمحض الصدفة طفلة ترتادها النسمات كعتبة حياة قاسية، إلا أنها رسماً لشخص بكامل إرادته لحظة إحتياج يخفي رغبة بين مهملات الحياة، فكانت الصفات تجتمع خارج إطارها بين شخصين يحملان ملامح بعضهما رغم رحيل البعض منهم.
بحبكة .

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!