قراءة في رواية “تمر الأصابع” بقلم. أحمد العربي. سوريا

لصحيفة آفاق حرة

 

قراءة في رواية: تمر الأصابع.

الكاتب: محسن الرملي.

الناشر: المدى للاعلام والثقافة والفنون.

ط٤، ورقية، ٢٠١٥م.

 

محسن الرملي روائي عراقي متميز، قرأت له سابقا رواية حدائق الرئيس وكتبت عنها.

تمر الأصابع، رواية تعتمد السرد بلغة المتكلم على لسان سليم الشخصية المحورية فيها. وتتناول حياة ثلاثة أجيال؛ مطلق جد سليم ونوح والده ثم هو. تتطور في السرد عبر زمن الحاضر المعاش، وتعود بالذاكرة لتغطي زمنا يمتد الى عقود منذ ما قبل الغزو الأمريكي للعراق. كما تتابع الحياة في العراق وفي الغربة، حيث يعيش سليم الذي غادر العراق منذ عشر سنوات تقريبا في زمن الرواية، وحيث لحقه والده الى هناك. تغوص الرواية في الحياة المجتمعية والسياسية في العراق، كما تغطي نمط العيش في اسبانيا طوال هذه العقود. ونحن هنا سنعيد تركيز الحدث الروائي كاملا.

سليم يمثل الجيل الثالث لعائلة واسعة يمثْل فيها الجد مطلق مؤسس العائلة و قائدها الاوحد. عائلة واسعة فيها اولاد كثيرون واحفاد اكثر. يعيشون في قرية الصبح حياة مستقلة منقطعة عن التواصل مع خارجها الا للضرورات الطبية أو بعض المعاملات الحكومية. زمان الرواية هو في سبعينات القرن الماضي. وحيث حكم صدام الذي يرمز له بـ الدكتاتور او الطاغية. الجد مطلق يقود العائلة وفق قواعد الشرع الإسلامي. يسمي اولاد العائلة حسب ما يوحي له فتح القرآن عشوائيا وظهور اسم او صفة مناسبة تعطي اسم الابن أو الحفيد. وهكذا كان اسم سليم ووالده نوح وابن عمه صراط كمثال. كما كان يقود الجد تعليم الأولاد وتحفيظهم القرآن كاملا عبر الزمن. كما يوزع الاعمال بينهم سواء ما يتعلق بالعمل الزراعي أو المهن او الصيد من نهر دجله. كان لسليم اخت مريضة ولم يتمكنوا من علاجها وفق طريقتهم التقليدية. وعندما توجهوا الى مدينة الموصل المجاورة لمعالجتها عند احد الاطباء. وهم في طريقهم في المدينة كانوا موكبا عائليا كبيرا بقيادة الجد مطلق والوالد نوح وسليم الذي بد- يدخل سن النضج. وإذ بأحدهم من أبناء المسؤولين يمر بسيارته الفارهة بجوارهم يتحرش بأخت سليم المريضة ويمد يده على مؤخرتها.

مما يدفع والده لأن يخرجه من السيارة ويضربه كثيرا. ثم يأخذ من الشاب مسدسه الذي كان يحمله، ويخرج طلقاته منها ويدخل بعضها في مؤخرته. وهكذا يتأجج الغضب في العائلة ويعود الجميع إلى القرية. ويجتمع الجد والعائلة كاملة ويستدعي كل قراباتهم وتحالفاتهم ليأتوا إليهم مقررين ان ينتقموا من السلطة على تطاول ابن المسؤول على أعراض الناس. ويقرروا أن يهاجموا مبنى المحافظ ويوصلوا له رسالة بضرورة محاسبة ابن المسؤول ذلك. وذهبوا جميعا كجيش صغير الى المحافظة ويطالبون بلقاء المحافظ. تواجههم قوة عسكرية كبيرة مدعومة بالدبابات والاسلحة الثقيلة. ويتم القبض على الجميع ويودعوا السجن ويعذبوا ويعادوا جميعا بعد أيام مذلولين حليقي الشعر واللحى والشوارب، مع تهديد بعقاب اشد أن يفعلوا شيئا بعد ذلك. استكان الجد والعائلة. واكتشفوا انهم اعجز عن ان يواجهوا السلطة. قرروا أن ينتقموا من الشاب بان يتم إدخال الرصاصات المتبقية في شرجه ولو بعد حين.

حيث حلف نوح لوالده مطلق على القرآن لتنفيذ هذا. كذلك جمع الجد العائلة وخرجوا من قريتهم الصبح وتجاوزوا نهر دجلة إلى الشط الآخر واستقروا في منطقة نائية بعيدة عن الدولة. لم يستسلم الجد لمرض حفيدته. ذهب الى صديقه الكردي في قريته المجاورة، ذلك الصديق الذي أتقن الطب الشعبي، كانا من أنصار ثورة رشيد عالي الكيلاني وشاركا فيها. وتعالج الفتاة التي بنت حالة جيدة وتزوجت وأنجبت بعد ذلك.

كان التعايش الكردي مع المكون العربي واضحا وحاضرا. بدأ الجد والعائلة رحلة بناء حياة جديدة. كان لسليم ابنة عم يحبها وتحبه. كبرا معا وكبرت في داخلهم عواطف الحب وحاجات الجسد الجنسية. عاشا تطورا متدرجا في اكتشاف خفايا الجسد واللذة. وإن لم يصلا إلى مرحلة ممارسة الجنس لخصوصية ذلك وربطه بالزواج. لكن فرحة سليم بحبه لم تكتمل. حيث غرقت عالية بنهر دجلة. الذي كان الجميع يستفيدون من مياهه ويصطادون السمك منه ويسبحون فيه. غرق عالية فجع سليم واستمر يعيش على ذكراها متألما لفقدانها.حيث بقي عاجزا عن ممارسة الجنس مع أي فتاة لسنوات قادمة.

وعلى مستوى العائلة كان نوح والد سليم الوحيد الذي يخرج من حيث هم الى كركوك حيث يعمل مع الألمان في محطات النفط فيها. كما لم يستمر انعزال العائلة في موقعهم. حيث جاءت آليات الدولة وحفرت الطرقات ومددت الكهرباء. وبدأت بإحصاء النفوس لالحاق الشباب بالجيش الذي بدأ يحارب الإيرانيين ذلك الوقت.

كان ذلك مؤشر سوء بالنسبة للعائلة، حيث تم بعد ذلك استدعاء سبعة عشر شاب من العائلة للالتحاق بالجيش.

وتم سحبهم عنوة. وبعد فترة عادوا جميعا الى القرية في توابيت على أنهم شهداء سقطوا في الحرب، كان ذلك فاجعا للجد والكل وادى الى اصابة الجد بغيبوبة مهلكة. رفض دفن الجثث ولانه حاكم بأمره فلم يتم تجاوز ما قرره رغم دخوله في غيبوبة أقرب للموت. واستمر ذلك لأسابيع حيث تفسخت الجثث وفاحت رائحتها وأصبحت حياة الكل أشبه بالجحيم. عندها اخذ سليم قراره بالهروب من العائلة إلى أي مكان، حيث كانت غرقت عالية حبيبته. وتفسخت الجثث و أصبحت الحياة جحيما. خرج سليم من القرية هاربا وتنقل من بلد الى بلد حتى وصل إلى إسبانيا وعاش هناك يعمل موزعا للصحف، يعيش وحيدا في شقة صغيرة منقطع عن الآخرين، يعيش على ذكرى عالية والعراق يتابع ما ينشر عنه في الصحف، يقصها ويزرعها على جدران بيته. لم يحب أي فتاة هناك ولم يحصل على صداقات حقيقية رغم مضي عشر سنوات على هروبه.

أما واقع القرية فقد مات الجد مطلق او قتله ابنه نوح. ومن ثم دفنت الجثث واستمر نوح بالعيش في القرية. التي امتدت يد السلطة لها. وسقطت وحدتها وتضامنها. وأصبح بعض أفرادها من ازلام النظام. وعاش ناسها جحيم ما تعيشه العراق تحت حكم الطاغية والحصار الذي يفرضه الغرب، والجوع والفقر والفاقة. وأن الغرب يعد العدة لاجتياح العراق.

عندها قرر الأب نوح أن يغادر العراق. مستفيدا من امرأة اسبانية جاءت للعراق كسائحة احبته واخرجته معها وعاشت واياه، نوح الذي كان قد فقد قدرته الجنسية بعد تعذيبه بالصعق الكهربائي في خصيتيه، لكنه استطاع التكيف مع حبيته الاسبانية بطرقه اللمسية المختلفة.

يلتقي سليم بوالده نوح صدفة في ملهى ليلي كان قد فتحه والده وحبيبته الاسبانية. وتكتمل حكايا القرية والأهل والجد، ويبدأوا سليم ونوح بناء حياة جديدة في اسبانيا. وليعرف سليم ان والده نوح مازال يعمل ليوفي بيمينه أن يدخل الرصاصات المتبقية في شرج المسؤول الذي أصبح مسؤولا في سفارة العراق في اسبانيا. ويعمل سليم جاهدا ليواجه والده بأن ذلك خطأ ونتائجه كارثية عليه.

، ولن يفيده بشيء، وان الوفاء للجد لا يعني ان يخاطر بحياته بما لا ينفع. كما تتوطد علاقة سليم مع فاطمة الفتاة المغربية التي تعمل في خدمة المرقص وتساعد اختها باكمال تعلمها في اسبانيا، وتبعث المال لأهلها في المغرب. وكذلك والده نوح تتوطد علاقته مع الاسبانية التي أخرجته من العراق. ويقرر الأب والابن ان يتزوجا كل من حبيبته. وان يستقرا سليم في اسبانيا ووالده نوح في ألمانيا التي يحبها منذ أيام عمله مع الألمان في كركوك.

يتزوجا ويغادر نوح وزوجته إلى ألمانيا ويبقى سليم مع زوجته في اسبانيا.

تنتهي الرواية عندما علم سليم، بأن المسؤول العراقي انتقل إلى برلين في ألمانيا. هل يلاحق قدره…؟ !!.

تبقى الإجابة مفتوحة.

هنا تنتهي الرواية.

في تحليلها نقول:

اننا امام رواية اخرى تقارب الواقع العراقي أيام حكم الطاغية، وانعكاس ذلك على مجمل حياة الناس هناك. كما تقترب بالعمق من النموذج المجتمعي الأبوي المهيمن، ونظام الاسرة الواسعة والتضامن والتكافل والعيش المشترك بسلبياته وايجابياته. كما تتابع حياة الغربة الجبرية التي فرضت على العراقيين عبر عقود، هربا من اجواء الاستبداد والقهر والفقر والحروب والموت العبثي المجاني. وبدء حياة جديدة، في مجتمعات غادر اهلها حالة الصراع العبثي مع الغير والعيش تحت حكم نظام مستبد قهري ظالم، واهتم الناس في الغرب بحياتهم ومصالحهم وملذاتها وهواياتهم وطموحاتهم الذاتية. أناس يعيشون حياتهم كما يشتهون. يعملوا و يمارسوا حريتهم وانسانيتهم على أفضل وجه.

نحن نفتقد إلى ذلك. ومازال الواقع العربي ينتج مزيدا من الظلم والقهر منذ عصر الاستعمار ومأساة فلسطين وتشريد شعبها. ثم عيش بلادنا العربية تحت حكم النظم المستبدة الظالمة المستغلة. وخوضها حروب عبثية كالعراق، واحتلال بلداننا مثل العراق، ودوام المظلومية على يد النظم المستبدة التي حاربت الشعب وقتلت وشردت واعتقلت الناس، كما دمرت البلاد وحولتها إلى خراب…

كذلك واقع سورية والعراق وليبيا واليمن، كل ذلك كان ردا على الربيع العربي الذي جاء بارادة الشعوب للمطالبة بالكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل…

وكان الجواب من الانظمة وداعميها بأن يقتل الشعب ويشرد وتدمر البلاد…

لكن ذلك لن يستمر…

حتما تسترد حقوق الشعوب… ولو بعد حين… بعون الله…

 

احمد العربي.

٢٨/٥/٢٠٢١م.

 

 

 

 

 

عن محمد فتحي المقداد

كاتب وروائي. فاز بجائزة (محمد إقبال حرب) للرواية العربية لعام 2021م. الروايات المطبوعة هي تشكيل لرباعية الثورة السورية. -(دوامة الأوغاد/الطريق إلى الزعتري/فوق الأرض/خلف الباب). ورواية (خيمة في قصر بعبدا)، المخطوطات: رواية (بين بوابتين) ورواية (تراجانا) ورواية (دع الأزهار تتفتح). رواية (بنسيون الشارع الخلفي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!