القاص راجح المحوري في إحساسه المحرم

كمال محمود علي اليماني

إحساس محرم .. مجموعة قصصية أولى للقاص راجح المحوري، تقع في 230 صفحة ذات المقاس المتوسط .ضمت المجموعة 28 قصة قصيرة, و29 خاطرة شعرية متناثرة تتوزع بين القصص .
إحساس محرم عنوان يتكون من كلمتين هما نعت ومنعوت ، غير أن مصمم الغلاف قد أحسن إذ رسم كلمة إحساس بصورة متموجة ؛ فكأنه أراد منذ الوهلة الأولى أن يصف لك هذا الإحساس بأنه غير مستقيم ، ولذا فقد جاء النعت كاشفا له بوصفه محرما. الأساس في الكتاب أنه مجموعة قصصية، ولذا جاء التجنيس على الغلاف الأمامي (( قصص قصيرة)) ، فالخواطر الشعرية النثرية التي تخللت قصص المجموعة إنما كانت إضافات تنير أو تشير.
ولأن الإحساس محرم فقد حوى الغلاف لوحة فنية يبدو فيها بحر أزرق داكن ، وشخص ما يسير مبتعدا عنه يُرى من خلال فتحة كف أنثوي تكونت من ضم الإبهام إلى السبابة.
الإهداء كان من نصيب أبي القاص وآخرين رموا له المجداف في رحلته فعرف الفضل لهم .
القصص في مجموعها امتلكت لغة أدبية راقية ، وتعددت مواضيعها وتناولاتها فقد كان للبحر حضوره و للغربة حضورها، والشأن الاجتماعي كان حاضرا هو أيضا، وكذا الحرب التي أعلنت عن نفسها من خلال عدد من القصص، ليس هذا فحسب بل وتعددت في المجموعة تقنيات التناول القصصي مع تعدد وتنوع الأفكار والثيمات المتناولة ، ففي قصة ( وقّاد العنبر) مثلا يلجأ القاص إلى استخدام أسلوب التأطير القصصي ، وهو بمفهوم مبسط إدراج حكاية أو حكايا ضمن إطار القصة الرئيسة ، وهو شكل أدبي جميل.
وفي قصة ( قيامة في الأرض ) تحضر الفانتازيا بشكل لافت ، كما أنها قد حضرت في قصة( رفقة) حيث أبطالها: بيانو، تشيللووأو كاردينو.
ما أثار انتباهي – ولا أشك لحظة في أنه سيثير انتباه كل قراء المجموعة – هو اللغة الشاعرة الساحرة التي تميز بها السارد، وراح ينثرها في ثنايا قصصه، فلقد زخرت المجموعة بكم كثير من التعابير الجميلة ، مثل قوله:
((أطعمت الشمس جسدي لأكثر من عام في مصنع الطوب. )) أو قوله :(( للحرب نكهة تجوب الآفاق كرائحة المطر البعيد، تتأخر ، لكنها دائما تصل )) ، و(( مرة واحدة كرهتها ، وبقي لها في نفسي كره دائم كنقطة بقلم الحبر تنسحق فوقها الممحاة حتى جذرها ولاتنمحي )) ، أرأيت جمال الوصف وروعته ، والصورة التي ارتسمت أمام ناظريك وأنت تقرأ كلماته وتستمتع بها.
وإن كان لي أن أنبهه تنبيه المحب فلن أتجاوز تنبيهه إلى انكشاف نهايات بعض قصصه منذ بداية السرد كما في قصة الحب والسلاح حيث تنكشف النهاية من خلال الحوار الدائر بين سامية وسامر. وفي قصة نهاية حرب تنكشف النهاية من خلال تساؤل الطفلة الصغيرة ورد أبيها. وكذا تنكشف نهاية قصة موسم السمسم من خلال عبارة ( فقط إبقِ لي ياعائدة)، وهو ما أود أن يتنبه له العزيز راجح المحوري في قصصه القادمة.
هناك أمر آخر يتوجب عليّ التنبيه إليه وهو علو لغة المتحدث في بعض القصص بما لايتوافق مع شخصيته . صحيح أن اللغة العالية المثقفة ترفع من شأن القصة ، وتزيد من عمقها، ولكنها يجب أن تتوافق من شخصية المتحدث من حيث مستواه الفكري والتعليمي. ومن أمثلة ذلك حديث الصياد مع زوجته في قصة ( وقّاد العنبر) ، حيث يقول: ( كل المجردات في عقولنا هي مفاهيم ذات صفات اعتبارية ، وليس لها وجود موضوعي نشاهده جميعا ونحتكم إليه) ، وغير ذلك مما تناثر في طيات المجموعة.
أشهد أنني قضيت وقتا ممتعا وأنا أقرأ قصص هذه المجموعة ، وأن الملل لم يتسرب إلى نفسي ولو للحظة وأنا أجوب في أجوائها المترعة وبالجمال والتشويق.
هذه إلمامة على عجالة بالمجموعة ، وإلا فإن قصصا كثيرة تستحق الوقوف أمامها وتبيان جمالها.
شكرا للقاص الجميل والرائع راجح المحوري أن أهدى المشهد السردي كل هذا الجمال . وفي انتظار مايجود به في مقبل السنوات من الروائع.

 

About محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!