لصحيفة آفاق حرة
قراءة في رواية: سعادته… السيد الوزير.
تأليف : حسين الواد.
الناشر: دار الجنوب تونس.
ط١، ورقية، ٢٠١١م.
بقلم – أحمد العربي
حسين الواد: روائي تونسي وأستاذ جامعي، له اصدارات ادبية اخرى، هذه الرواية الاولى التي نقرأها له.
سعادته السيد الوزير؛ رواية تعتمد تقنية الصوت الواحد المتحدث بلغة المتكلم لبطل الرواية، وهي على شكل مرافعة موجهة الى القاضي يشرح بها حاله: هو الوزير الذي يقبع بالسجن ينتظر محاكمته، وماحدث معه من حيث اصبح وزيرا الى ان زُجّ به بالسجن منتظرا محاكمته.
تبدأ الرواية من المعلم الذي سيصبح وزيرا متحدثا عن نفسه، أنّه معلم متواضع، رب اسرة، له زوجة واربع اولاد، بنتان وولدان، يعيش بحاله، له خالة يحبها كثيرا، خالته كانت قد تزوجت وأنجبت ابنا، توفى زوجها مبكرا، رفضت الزواج بعده، تفرغت لابنها الذي عاش حياة دلال واهتمام كبيرين، الابن تفتح على الدنيا بأنه يستطيع الحصول على كل ما يريده. كان ذكيا ويعرف كيف يحقق مصالحه وكيف يقتنص الفرص. وبذلك كان موقع حسد وغيرة من صاحبنا الوزير القادم. ابن خالة صاحبنا تدرج في الحياة وفي التقرب من أهل الحكم والحزب الحاكم ومن رئيس البلاد، أصبح وجها معروفا وأصبح الوزير الأول في تونس (رئيس الوزراء). صاحبنا دعاه ابن خالته يوما الى مركز عمله في الوزارة الاولى وابلغه انه رشّحه ليكون وزيرا، تفاجأ بالامر فهو لا يتقن غير مهنة التعليم، ولا علاقة له بالسياسة ولا السياسيين، تخوف وحاول التنصل، أبلغه ابن خالته أن الأمر صادر عن الرئيس (المعظم) وأنه لا يمكن رده، كما اخبره بانه سيتعلم في الوزارة نفسها، ولا بد أن فيه سمة ما إلتقطها سيادته حتى حظي بهذا الشرف العظيم. عاش صاحبنا احساس الخشية من امر يجهله، واحساس العظمة بأنه سيصبح السيد الوزير، عائلته عاشت الفرحة وأخذ كل منهم يفكر في مكتسباته بكونه من عائلة السيد الوزير. سرعان ما جاء التكليف بتعيين صاحبنا وزيرا في وزارة مستحدثة، كفرع ملحق برئاسة الوزراء، تهتم بالموارد الطبيعية والصناعية في البلاد. بُلّغ صاحبنا من ابن خالته واستدعاه لكي يباشر العمل. ارتبك صاحبنا الوزير الجديد من تكليف لا يدري عنه شيء، أخبره ابن خالته انه سيكون له عونا في كل شيء، أعطاه مكتبا فسيحا ومستشارا متمكنا وسكرتيرة جميلة تفهم في كل الأمور. بدأ صاحبنا الوزير يمارس مهامه الجديدة ويتأقلم معها. حضر التكليف الوزاري أمام الرئيس مصحوبا في الرهبة والخشية، أخبره الرئيس أنه يعوّل عليه وعلى وزارته الكثير. طالبه ابن خالته بدراسة إمكانيات البلد (تونس) على كل المستويات وتقديم تقرير عنها ليرفع للرئيس، قام بمساعدة مستشاريه وسكرتيرته بالمطلوب وكانت النتيجة أن الموارد الطبيعية محدودة وغير مستثمرة، وإن الموارد الصناعية التابعة للدولة من معامل وغيرها، اغلبها خاسرة، مصاريفها تفوق مواردها، عكس القطاع الخاص الذي يربح دوما، طبعا هو يعلم وكذلك ابن خالته الوزير الأول أن الفساد وسرقة الموارد في المعامل والبطالة المقنعة جعلت معامل الدولة عبئا عليها، ضررها أكثر من نفعها. قدم تقريرا للوزير الأول ورفعه ذاك للرئيس وكان جواب الرئيس: ما الحل؟. كان الحل الذي اقترحه صاحبنا الوزير من شقّين: تأجير الموارد الطبيعية من بر وبحر، وبيع المعامل لمن يعرف كيف يستثمرها ويربح، وبذلك تستفيد الدولة وتمتلئ خزينتها الفارغة. رفع المقترح للرئيس الذي وافق عليه على أن يشرف الوزير على التنفيذ. فعلا باشر الوزير بالتنفيذ التقى بممثلي الدول العظمى الذين تسابقوا على طرح عروضهم من اجل استئجار الموارد البرية والبحرية للبلاد، ولفترات تصل ل٩٩ عام، كما أنه بدأ بالفعل ببيع المعامل الصغيرة، وطرح اكبر المعامل للبيع. صحيح انه واجه الكثير من العقبات، فقد تكالب الكثير من الحيتان على الشراء، وتم استبعاد المنافسين وبقي ازلام النظام، ودخلت الواسطات والرشاوي، ووصل الموضوع للإعلام، وبدأت نقابة الشغيلة بالاحتجاج وتأجيج العمال وتحريضهم؛ ان لقمة عيشهم وعملهم مهدد بالانقطاع. بدأت تنهال على صاحبنا الوزير الاحتجاجات من كل الجهات. كما أن موضوع تأجير الموارد الطبيعية للدول العظمى وصل الى الدول المجاورة، ليبيا والجزائر (دون تصريح عن اسماء الدول في الرواية لكن اللبيب يفهم)، وسرعان ما عبرت تلك الدول عن احتجاجها واستعدادها للتدخل بالقوة ضد اعادة الاستعمار لتونس مجددا على حد تعبير تلك الدول. وما كان من الرئيس ووزيره الاول الا ان احال الموضوع كله على خطأ صاحبنا الوزير وقرر محاسبته ومعاقبته وها هو يقبع بالسجن وينتظر محاكمته عن جرم يصل الى درجة الخيانة العظمى. ادرك صاحبنا الوزير المغفل متأخرا لما استوزره ابن خالته بالتواطؤ مع الرئيس ليكون واجهة لسياسة محددة سلفا، أن نجحت فهو بطلها المعلن وان فشلت فهو كبش الفداء. وهكذا حصل.
للرواية مستويات أخرى مصاحبة للخط العام الذي تحدثنا عنه، حياة صاحبنا المعلم قبل ان يصير وزيرا مغفلا وبعد ذلك. الخراب الأخلاقي العام المصاحب لحالة مجتمع متذبذب بين التحاق بالغرب وقيمه وبين التعلق بالقيم المجتمعية التقليدية، مجتمع ينخر فيه الفساد، تعدد علاقات صاحبنا النسائية، قبل الوزارة وبعدها. يظهر الجنس عنده وفي المجتمع وكأنه المتعة الوحيدة المتاحة والممكنة وخاصة بصفته حرام يمارسه صاحبه. بعد أن أصبح وزيرا ضاعت عائلته بالكامل ابنه الكبير أصبح مدمنا للمخدرات، والصغير ضحية علاقة لواط مع كثيرين، ابنته المراهقة متعددة العلاقات الجنسية. أما زوجته التي عافها لنسج علاقات جنسية كثيرة مع سكرتيراته وغيرهن، لم يتأكد من أنها بحثت عن تعويض لهجرانه الجنسي لها. طفلته الصغيرة الوحيدة التي لم يصلها طوفان الفساد. وهذا مؤشر أن المعوّل عليه الجيل الجديد فقط، صاحبنا في الرواية نموذج عن عموم الناس قبل الوزارة، وعن عموم المسؤولين الذين يعيشون فسادا مختلفا مع طبقة السلطة والثراء بدأ من رأس السلطة وحاشيته. وكلاهما يستثمر البلاد نهبا على كل المستويات.
تنتهي الرواية بنهاية المرافعة الموجهة للقاضي طالبا الإنصاف.
في تحليل الرواية نقول:
اننا امام رواية متميزة بشفافيتها وكونها تتغلغل في واقع المجتمع التونسي وطبقة الحكم وواقع حياة الناس العاديين، كيف يفكر الحكّام، وهيمنة مصالحهم الخاصة على حساب البلاد والعباد. الرواية نشرت في ٢٠١١م اي ابّان الربيع التونسي. لنقل انها إرهاص ادبي لما سيحصل لاحقا من ربيع تونس ثم الربيع العربي، الذي سينتصر للمطالب العادلة للإنسان العربي في تونس وفي كل بلاد العرب. مطالب الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل. في مواجهة أنظمة استبدادية ظالمة وتابعة وفاسدة.
الآن وبعد ثماني سنوات على ربيع تونس الموجة الثانية للربيع العربي بدأت في الجزائر والسودان، وتونس نفسها تحتاج دوما لمراقبة حكامها وحماية ربيعها الذي نطلبه ان يستمر دائما.
.. ..
١٨/٤/٢٠١٩…