مقدمة:
تعد القسطنطينية من أهم المدن العالمية وقد أسست في عام 330م علي يد الأمبراطور البيزنطي قسطنطين الأول ،وقد كان لها موقع عالمي فريد حتي قيل عنها : لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنينية أصلح المدن لتكون عاصمة لهم.
مولده:
ولد السلطان/ محمد الفاتح في 26 من رجب سنة 833 هـ – 20 أبريل 1429 م ،وهو سابع سلاطين الدولة العثمانية،ولما تولي الحكم بعد أبيه لم يكن بآسيا الصغري خارجاً عن سلطانه الا جزء من بلاد القرمان،مدينة سينوب،ومملكة طرابزون الرومية وصارت مملكة الروم الشرقية قاصرة علي مدينة القسطنطينية وضواحيها من اقليم (مورة) وجزء بين البنادقة وبين عدة امارات صغيرة ، يحميها أعيان الروم.
مراحل فتح القسطنطينية:
المرحلة الأولي:
كانت أول محاولة لفتح القسطنطينية في خلافة عثمان بن عفان،وذلك في أواخر سنة33هـ 653 م ،ولقد قصدها جيش بقيادة معاوية بن أبي سفيان أمير الشام في ذلك الوقت،فاخترق آسيا الصغري حتي ضفاف البسفور،كما قصدها أسطول اسلامي بقيادة بسر بن أبي أرطأة لدعم الجيش الاسلامي البريّ،فتحرك من (طرابلس) صوب القسطنطينية،ولكن هذه الحملة لم تنجح في فتح المدينة.
المرحلة الثانية:
في سنة44هجريا 664 ميلادياً كانت الحملة الثانية في عهد معاوية بن أبي سفيان ولكنها لم تتمكن من فتح المدينة.
المرحلةالثالثة:
في سنة 49 هجريا 699 ميلادياً أعاد معاوية الكرّ لفتح القسطنطينية،فبعث جيشاً ضخماً بقيادة سفيان بن عوف ومعه زياد بن معاوية وجماعة من كبار المسلمين والصحابة والأنصار منهم عبدالله بن العباس وعبدالله بن عمر وعبد الله بن الزبير وأبو أيوب الأنصاري،وسار الأسطول الاسلامي بقيادة بسر بن أبي ارطأة ، واخترق مضيق الدردنيل دون مقاومة،واستمر حصار المدينة براً وبحراً 7 أعوام دون جدوي،وانسحب المسلمون سنة 678 ميلادياً اليعاصمة الدولة الأموية دمشق.
المرحلة الرابعة:
قي سنة 96 هحرياً 715 ميلادياً تولي الخلافة سليمان بن عبد الملك فاعاد الكرة لفتح القسطنطينية ، وكان قائد الجيش (مسلمة بن عبد الملك) وأمره ألا يبرح القسطنطينية حتي يفتحها،أو ياتية أمره،وسار مسلمة في أوائل عام98 هجرياً 716 ميلادياًمخترقاً هضاب الأناضول وفتح عدة مدن وقلاع للروم،ثم بدأ حصار القسطنطينية،فحاصرها سنة 99 هجرياً 717 ميلادياً، ولم تمض أسابيع قليلة حتي توفي سليمان بن عبد الملك ودخل فصل الشتاء،وكان شديد البرد فانسحب مسلمة الي ثغور الشام.
المرحلة الخامسة:
لم تحاول الخلافة الأموية أن تبذل مرة أخري محاولاتها لفتح القسطنطينية ،وان كانت جيوشها اقتربت غير مرة من هذه العاصمة.
المرحلة السادسة:
وقعت أشهر الغزوات في عصر الدولة العباسية أيام الخليفة المهدي بن العباس حيث سار ولده هارون الرشيد في سنة 165 هجرياً 783 ميلادياً غازياً للدولة البيزنطية فاخترق هضاب الأتاضول حتي استشرف ضفاف البسفور الأسيوية وعسكر فوق تلال (أسكو تاري) في مواجهة القسطنطينية،وكان علي عرش الامبراطورية البيزنطية (قسطنطين السادس) وكانت مقاليد الحكم بيد أمه (ايريني ) فهزم المسلمون البيزنطين هزيمة نكراء واضطرت الأمبراطورة ايريني الي دفع الجزية السنوية للمسلمين.
المرحلة السابعة:
كانت أول محاولة للعثمانين لفتح القسطنطينية في سنة 798 هجرياً 1395 ميلادياً ولكن وصول تيمورلنك الي الحدود الدولة العثمانية الشرقية قد اضطر السلطان بايزيد الي التخلي عن الحصار.وقد كانت القسطنطينية محط أنظار العثمانين ومعقد آمالهم منذ بداية حكمهم ، فاوصي السلطان عثمان مؤسس الدولة العثمانية خلفاءه بفتحها ، ولكن لم
يوفق السلاطين بعد عثمان في تحقيق هدفهم حتي كان مجيئ السلطان محمد الفاتح لفتح القسطنطينية.
الاعداد للفتح:
بذل السلطان محمد الثاني جهوده المختلفة للتخطيط والترتيب لفتح القسطنطينية،وبذل في تقوية الجيش العثماني الكثير،حتي وصل الجيش الى مايقارب (ربع مليون)جندي وهذا عدد كبير مقارنة بجيوش الدول في ذلك الوقت،كما عني عناية خاصة بتدريب الجنود علي فنون القتال المختلفة ومختلف أنواع الأسلحة والمدافع.
الاهتمام ببناء القلاع:
اعتني السلطان محمد الفاتح باقامة قلعة (روملي حصار) في الجانب الأوروبي علي مضيق البسفور في أضيق نقطة منه ، مقابل القلعة التي أسست في عهد السلطان بايزيد في البر الأسيوي،وقد حاول الامبراطور البيزنطي عدة محاولات مقابل عدم بناء القلعة مقابل التزامات مالية، الا أن السلطان محمد الفاتح أصر علي البناء،لما له من أهمية عسكرية لهذا الموقع حتي أتم بناء قلعة عالية وصل ارتفاعها الي 80 متراً، وأصبحت القلعتان متقابلتين ،مما مهد لحصار القسطنطينية.
تنظيم الأسلحة:
اعتني السلطان عناية خاصة بجمع الأسلحة اللازمة لفتح القسطنطينية،ومن أهمها المدافع التي أخذت اهتماماً كبيراً منه،حيث أحضر مهندساً مجرياً يدعي (أوربان) وكان بارعاً في صناعة المدافع،فأحسن السلطان استقباله ووفر له جميع الامكانات المالية والبشرية والمادية،وقد تمكن هذا المهندس من تصميم وتنفيذ العديد من المدافع الضخمة ، وكان علي رأسها المدفع السلطاني،حيث كان وزنه يصل الي مئات الأطنان،وقد أشرف السلطان بنفسه علي صناعة هذه المدافع وتجريبها.
الاهتمام بالأسطول:
يضاف الي هذا الاستعداد ما بذله السلطان محمد الفاتح من عناية خاصة بالأسطول العثماني،حيث عمل علي تقويته وتزويدة بالسفن المختلفة ليكون مؤهلاً للقيام بدوره في الهجوم علي القسطنطينية تلك المدينة البحرية التي لا يكمل حصارها دون وجود قوة بحرية تقوم بهذه المهمة،وكانت السفن التي أعدت لهذا الأمر أكثر من 400 سفينة.
عقد المعاهدات:
عمل السلطان محمد الفاتح قبل هجومه علي القسطنطينية علي عقد المعاهدات مع اعدائه المختلفين ليتفرغ لعدو واحد،فعقد معاهدة مع امارة(غلطة)المجاورة للقسطنطينية من الشرق والتي يفصل بينهما مضيق القرن الذهبي،كما عقد معاهدات مع المجر والبندقية وهما من الامارات الأوروبية المجاورة ،ولكن هذه المعاهدات لم تصمد حينما بدأ الهجوم الفعلي على القسطنطينية حيث وصلت قوات من تلك المدن وغيرها للمشاركة في الدفاع عن القسطنطينية مشاركة لبني عقيدتهم من النصاري متناسين عهودهم ومواثيقهم مع المسلمين.
الهجوم العام:
عند فجر الثامن والعشرين من مايو 1453 م اتجهالسلطان محمد الي مواقع الهجوم وأخذت المدافع الضخمة ترمي بقذائفها وهي كرات من الحديد والصخر تدك الأسوار ويسمع لها دوي صوت من أماكن بعيدة،وصدر الأمر السلطاني باخراج ونشر العلم العثماني من محفظته، وهذا هو الهجوم العام،وتم استخدام المدفع السلطاني الذي كان يزن 1500 كيلو جراماً، وفتحت القسطنطينية وراحت أرتال الجنود العثمانين تتدفق داخل المدينة وقد فتحت بعض أبوابها من خلال الثغرات التي أحدثها المدفع السلطاني
كما شدت السلسلة الحديدية التي تحجز وتحمي مدخل (القرن الذهبي ) وأحاطت سفن السلطان العثماني بسفن البيزنطين وقضت عليها وعلي من فيها.
سلوك الفاتح:
أمر السلطان محمد الفاتح بتحويل كنيسة (أيا صوفيا) الي مسجد ،وبدأ يعد لهذا الأمرحتي تقام بها أول صلاة جمعة وأخذ العمال يعدون لهذا الأمر فأزالو الصلبان والتماثيل وطمست الصور بطبقة من الجير ، وقد أعطي السلطان للنصاري حرية اقامة الشعائر الدينية واختيار رؤسائهم المدنيين الذين لهم حق الحكم في القضايا المدنية ،كما أعطي هذا الحق لرجال الكنيسة في الأقاليم الأخري،وفرض الجزية علي الجميع،وأمر الجنود بحسن معاملة الأسري،والرفق بهم.
اصلاحاته الداخلية:
أمر السلطان محمد الفاتح ببناء المعاهد والقصور،والمستشفيات والخانات والحمامات والأسواق الكبيرة والحدائق العامة،وحرص علي نشر المعاهد والمدارس في جميع المدن الكبيرة والصغيرة ونظم هذه المدارس ورتبها علي درجات ومراحل ووضع لها المناهج وحدد العلوم والمواد التي تدرس في كل مرحلة، واهتم اهتماماً كبيراً بالترجمة والعلوم الجغرافياواعادة رسم الخرائط،وكذلك كان السلطان مغرماً ببناء المساجد ،واهتم بالتجارة والصناعة،وعمل علي انعاشهما بجميع الوسائل والعوامل والأسباب ، كما عمل السلطان محمد الفاتح علي تنظيم القوانين التي تساعد السكان من غير المسلمين علي الترابط مع المسلمين،وأشاع العدل بين رعيته، وجدّ في ملاحقة اللصوص وقطاع الطرق، فاستتب الأمن وسادت الطمأنينة في ربوع الدولة العثمانية.
الفتوحات في أوروبا:
قام السلطان بفتوحات عديدة في أوروبا حبث قام بفتح بلاد الأفلاق (رومانيا) وبلاد البوسنة والهرسك،وبلاد البغدان،وبلاد القرم (أوكرانيا) وبلاد القرمان وفتح الفاتح بلاد الفلاخ الرومانية بعد أن هزم ملكها (دراكولا) كما فتح بلغاريا وألبانيا والمجر،ومقدونيا والجبل الأسود ،وكرواتيا،وصربيا،وسلفانيا،وسوفاكيا،وفتح بلاد اليونان والمجر وأجزاء من روسيا،وحاصر”رودس”،وفتح جنوب ايطاليا لكي ينال شرف فتح القسطنطينية ،وروما في آن واحد.
وفاة السلطان:
توفي السلطان محمد الفاتح في يوم 4 من ربيع أول عام 886 هجرياً 1481 ميلادياً عن عمر يناهز 53 سنة ،ولقد استحق لقب الفاتح لجهاده الكبير في سبيل الله وفتحه الكثير من البلاد ،ولقد وافته المنية أثناء اعداده لجيش كبيرلفتح ايطاليا.
خاتمة:
قام الفاتح رحمه الله بتحويل اسم القسطنطينية الي ” اسلام بول ” ثم حرّفت بعد ذلك الي “اسطانبول”وأمر هذا الخليفة المسلم بالعفو عن جميع النصاري في القسطنطينية وأمنهم علي ممتلاكاتهم وأرواحهم،وأمر بترك نصف عدد الكنائس للنصاري،وتحويل النصف الآخر الي مساجد،الا أن الفاتح لم يكتف بذلك فعظمة السلطان محمد الفاتح لا تكمن فقط في كونه الرجل الذي فتح القسطنطينية،بل تكمن فيما فعله بعد فتحه لتلك المدينة العظيمة.
المراجع:
- محمد الفاتح ، تأليف د/ سالم الرشيدي_الطبعة الثالثة 1989م.
- سلاطين آل عثمان ، تأليف / القرماني_الطبعة الاولي 1985م.
- فتح القسطنطينية وسيرة السلطان محمد الفاتح. ،تأليف / محمد صفوت.
- الفتوح الاسلامية عبر العصور،تأليف د/ عبد العزيز العمري1997م.
- تاريخ الدولة العثمانية ،تأليف د/ علي حسون ،الطبعة الثالثة 1994م.
- أوروبا في العصور الوسطي،تأليف سعيد عاشور،لطبعة السادسة 1975م.
- تاريخ الدولة العثمانية العليّة،تأليف ابراهيم بك حليم،الطبعة الأولي2013م.
8- أبطال الفتح الاسلامي،تأليف/ محمد علي قطب-الطبعة الثانية 2008م.
9- مائة من عظماء أمة الاسلام غيروا مجري التاريخ ،تأليف جهاد الترباني،الطبعة التاسعة،2015م.
10- الدولة العثمانية:عوامل النهوض وأسباب السقوط،تأليف د.علي محمد الصلابي،الطبعة الأولي2007م.
11- الموسوعة الميسرة في التاريخ الاسلامي،تأليف د.راغب السرجاني 2014م.
12- تاريخ الدولةالعليّة العثمانية،تأليف / محمد بك فريد،نشرمؤسسة اقرأ 2014م.
باحث في التاريخ والتراث