في المشهد الروائي السعودي تلوح رواية «أبواق الملائكة» للروائي براك البلوي حاملة بين طياتها الآلام البشرية التي صممها البشر بأنفسهم، تاركين للمسافات أن تكون أكثر بعدا والرؤى أشد قتامة.
مؤلف الرواية يعتبر أنّ المستفيد الكبير من هذه العملية هم دور النشر، «ولو أقمتِ استفتاء للكتاب ستدركين أنّ دور النشر هي المستفيد من إنتاج الكاتب، والكاتب له حالة الزهو فقط، مانحو الجوائز يتركون حالة متلاطمة في الوسط الإبداعي وتنافسا شديدا في الحصول على جائزة تقر بها عين الكاتب، هناك في بعض الجوائز ما يسمى بالتنويه للكتاب بمعنى أن الكاتب لم يفز لكنه كان في الأفضلية، هذا التنويه الذي لا يحمل وراءه فكرة النشر أو الجائزة المالية يمنح المبدع روحا محلقة وأجنحة يطير بها في سماء الإبداع الحقيقي بمعنى الاعتراف من جهات مبدعة بهذا النص المبدع وبالتالي تقديمه للقارئ العربي والتعريف به»، وفيما يلي نص الحوار:
جنس أدبي
**لماذا الرواية؟
- في البداية أنا لم أنتم لأي جنس أدبي، لم أكن قاصا أو شاعرا، فقد قلت إن العمل الروائي كان ولا يزال يمارس علي سحره وإغواءه لا أكون قد بالغت في الأمر، فحينما كنت أقرأ روايات عالمية وعربية كنت أحس بانتشاء ما، وعبقرية باهرة للروائي الذي يحوك الشخصيات ويؤلف بينها، كنت أحاول بيني وبين ذاتي الكتابة التي سرعان ما أمزقها والقي بها في العدم، أشعر أن اللحظة لم تأت بعد، وأنني لم أتعرف بعد على حكايتي التي أتماهى فيها.
آن الأوان للنص الروائي لتعبئة الفراغ ويكون رسالة واضحة
قبل أكثر من عامين وتحديدا في شهر فبراير 2014 بدأت أخطط للشخصيات التي أخذت تورطني في الكتابة وتتآمر علي، كنت استغرق أوقاتا طويلة في التفكير والقبض على اللحظات التي اعتقد أنها ذهبية في تسيير الأبطال الذين ساروا وحدهم ليخطوا ما يريدون على البياض وليس ما أسلفته أن الروائي يجلس ليراقب نماء الشخصية إنما اقصد أن اللاشعور يحرك الكاتب ويحرك شخوصه أيضا، أحس أن العمل الروائي يمثلني جيدا، وأحس أني لو لم اكتب هذا العمل الذي أرجو له النجاح لبقيت مستمتعا بما يكتبه الروائيون العرب والأجانب.
يد آثمة
**في روايتك ” أبواق الملائكة” أنت تقترب بشكل جريء لطرح قضية الإرهاب في النص والقضية المذهبية؟.
- بكل تأكيد أولا الإرهاب هو اليد العابثة بمستقبل أبنائنا، وفي قوتهم وأمنهم، ويشغلني بشكل شخصي.. أخاف على أبنائي من الإرهاب وأخاف على أهلي وبلدي، لذا اعتبر المبدع هو جنديا يقاتل في خندقه ضد الإرهابيين أيا كانوا، نحن في هذا البلد نرفل بالمحبة والسلام، لن يقبل أحد منا أن تكون اليد الآثمة هي التي تدلنا على الطريق، لأنها وكما تعلمين تحاول إذكاء الفتنة بيننا.
رسالة الإبداع
**إذن أنت تعتبر الإبداع رسالة؟.
- بالتأكيد، الإبداع رسالة سامية وذات هدف، فالمتلقي العربي ترك المبدعين يهذون أمام شاشات التلفاز ويهومون بلغتهم وأيديهم، آن الاوان للنص الروائي أن يعبئ الفراغ ويكون رسالة واضحة، ولا اقصد بالوضوح التخلي عن اللغة الراقية وإهباط لغة السرد في النص إنما أتكلم عن الرؤية التي تمنح المستمع أفقا واضحا يعبر من خلالها للنص الذي يحاول التشكيل وإعادة الهندسة من جديد .
فأنا أحاول من خلال ما أكتب أن أكون إنسانا إيجابيا. أهتم بمحيطي في البداية، وأبشر بالإنسانية الخارقة التي تمنح هذه الأرض المحبة والسلام والتعايش والتسامح.
خروقات أخلاقية
**سبق وذكرت على صفحتك في “الفيس بوك” استنكارك لنصوص الروائي المصري أحمد ناجي، شعر القارئ بانك تتكلم بلسان السلطة، كيف توفق بين نفسك السلطوي والروائي المبدع الذي يترك كل مساحاته منفتحة للضوء الحقيقي؟.
- لقد تناولت ما كتب الروائي المصري أحمد ناجي ولن أكون مجاملا في قولي إنني شعرت بخروقات أخلاقية أحسست لأول وهلة أنني لا استطيع إضافة هذا الكتاب في بيتي ليطلع أبنائي على هذا الأدب الجديد، أنا لا أتكلم بلسان السلطة لكنني أحب أن اعرف ما هي الحرية، هل تعني الحرية أن أقف بالشارع العام عاريا مثلا تحت نافذة الحرية الشخصية، أو أن استخدم نافذة الإبداع وأكون متعديا بها على الحريات العامة تحت بوابة روايتي أو نصي الأبداعي ايا كان نوعه، طبعا كل ما ورد لا أنزه نفسي في الاتكاء على اللحظة الحميمية في روايتي، وأؤكد : لست ضد فكرة الحرية، لكنني مع احترام الآخر في النهاية.
محفز الكتابة
** الآن نشهد عواصف كبيرة للرواية العربية، هناك من يقول إن الجائزة هي حافز للكاتب كي يُظهر أفضل ما عنده، وآخرون يعتبرونها مشروع مفرخة للكتب، كيف ترى الجائزة في نظرك كروائي؟
- مشروع الكتابة كمشروع هو جائزة الكاتب لنفسه، حينما تبدأ في اللحاق بالفكرة التي تتهرب منك تكون السعادة فائقة في القبض عليها، سعادة الإنسان الذي أقفل مساءه بكل ما يملك من رؤى ومن صبر، الكاتب في العالم العربي ينفق كل ما في جيبه بل وقد يقترض من اجل إصدار كتاب له يشعر من خلاله أنه أضاف عنصراً جديداً إلى عائلته الكبيرة فيشعر بالزهو بجديده الذي يقف على رف المكتبة العربية، لكن كما تعلمين أن المستفيد الكبير من هذه العملية هم دور النشر ولو أقمتِ استفتاء للكتاب ستدركين أن دور النشر هي المستفيد من إنتاج الكاتب، والكاتب له حالة الزهو فقط، مانحو الجوائز يتركون حالة متلاطمة في الوسط الإبداعي وتنافسا شديدا في الحصول على جائزة تقر بها عين الكاتب، هناك في بعض الجوائز ما يسمى بالتنويه للكتاب بمعنى أن الكاتب لم يفز لكنه كان في الأفضلية، هذا التنويه الذي لا يحمل وراءه فكرة النشر او الجائزة المالية يمنح المبدع روحا محلقة وأجنحة يطير بها في سماء الإبداع الحقيقي بمعنى الاعتراف من جهات مبدعة بهذا النص المبدع وبالتالي تقديمه للقارئ العربي والتعريف به.
زهور سامة
في الختام، هل لك أن تحدثنا عن “أبواق الملائكة” عن الاسم والفكرة التي تدور حولها الرواية؟ وما رأيك بالرواية السعودية، ولمن تقرأ؟.
- الرواية بشكل عام تدور فكرتها حول التعايش والتسامح بين الأطياف والمذاهب والأديان، من خلال قصة حب بين البطل طارق المنوم في المستشفى وزهراء الممرضة، جرت أحداثها التخيلية ما بين الدمام والقاهرة ودبي ولندن، أما عنوان الرواية فمستوحى من اسم زهور سامة تكثر في أميركا الجنوبية (صورة الغلاف) ويمزجها السكان الأصليون مع الشاي فتعطي مشروبا مخدرا وإذا زادت الجرعة على حدها قتلت، كان ذلك حوارا بين أحد أبطال الرواية الذي يدرس في القاهرة حين أحب فتاة قبطية فشبه هذا الحب بهذه النبتة القاتلة.
الساحة الأدبية مليئة بالغث والسمين من الأعمال الإبداعية، والعمل الجيد يفرض نفسه من خلال تقديمه للنقد الأدبي، هناك أعمال رائعة وأصحابها لم يصلوا إلى ما يجب أن يكونوا، كل ذلك بسبب أن أعمالهم لم تسلط الأضواء عليها أو لم يتناولها النقاد.
أما لمن أقرأ؛ أؤكد أنني أقرأ العمل الجيد الذي يضيف لي رصيدا أدبيا ولغة عالية، وعلى المستوى المحلي هناك روائيون لديهم أعمال رائعة وسأذكر بعض من قرأت لهم مثل الروائي أحمد الدويحي وروايته وحي الآخرة والروائي محمد حسن علوان في روايته سقف كفاية والروائي ماجد سليمان الذي له أكثر من رواية ذات لغة عالية، فضلا عن القامات الروائية الكبيرة أمثال عبده خال. أما على المستوى العربي والعالمي فهناك الروائي سليم بركات وجل رواياته ذات لغة رفيعة؛ والروائي الجزائري واسيني الأعرج وأمين معلوف.
وقبيل وأثناء كتابتي لروايتي كانت قراءاتي في الأدب العالمي المترجم مثل أعمال باولو كويلو ونيكوس كزانتزاكي بالإضافة إلى أعمال الروائي الكردي سليم بركات وواسيني الاعرج، كل هؤلاء أثروا لغتي بنتاجهم الأدبي.
جريدة الرياض