الوطن، بين الوباء والدعاء

بقلم: احمد ضياء الدين

متابعة \ ناصر محمد ميسر 

تتعرض مصرنا الغالية فى تلك الآونة لأزمتين خطيرتين، مستجدتين فى تاريخ الوطن. أولاهما أزمة وباء كورونا المستجد، والذى أصبح يمثل وباء عالميا وفقا للبيانات الصادرة من منظمة الصحة العالمية. وهو الخطر الذى بات يهدد بلدان العالم كافة دون أدنى تمييز أو تفرقة بين المتحضر منها والنامى، والواقع فى الشمال أو فى الجنوب، أو من ينتمى لتلك القارة أو لغيرها من القارات الأخرى. وهو وباء أصاب العالم بأسره بحالة من الشلل الذى ترك مردوده الاقتصادى على كافة اقتصاديات الدول دون أدنى تفرقة بسبب ما تستلزمه خطط الوقاية منه، والحماية من أخطاره، من ضرورة اتخاذ العديد من الإجراءات الهادفة فى النهاية إلى عزل الفيروس، وكذلك عزل المصابين به، أو المهددين بإمكان إصابته لهم.
وثانيتهما هى أزمة سوء الأحوال الجوية التى أتت فى غير موعدها بعدما قارب فصل الشتاء على الانتهاء جغرافيا تماما، وبدء الاستعداد لاستقبال فصل الربيع المزهر. وهى حالة من فورة الطقس بكل ما تعنيه الكلمة من رياح، وأتربة، وأمطار، وبرق، ورعد، وصلت فى غالبية أنحاء البلاد إلى حد السيول. ويمكن القول بأن تلك الحالة الطقسية السيئة تصل إلى حد الوصف بكونها كارثة طبيعية بسبب كل ما نجم عنها من تغير فى المناخ، وتبدل فى الظروف، وتحول فى الأجواء.
ولقد تنبأت الأرصاد الجوية بكافة تلك الظواهر المناخية نتيجة ما سبق رصده بمعرفة الأقمار الصناعية من تعرض البلاد لمنخفضات جوية شديدة، وغير مسبوقة لها. الأمر الذى أوضح بيقين ما سينجم عن تلك المنخفضات من تعرض لإعصار بلغت سرعته حسبما أذيع بنحو أكثر من مائة كيلو فى الساعة. وهى سرعة قادرة بقوتها على الاقتلاع لكافة ما قد تتعرض له من أشجار، وأعمدة، وأكواخ، ومبانى، وشواخص. وقد تم اتخاذ كافة الإجراءات المتاحة لمواجهة تلك الفورة الطقسية للتخفيف قدر الإمكان من حدتها، وذلك برغم وجود عدة أمور ترتقى إلى مستوى الحقائق التى يمكن إجمال أهمها فيما يلى:
أولا: أن انهمار مياه الأمطار لا يتناسب إطلاقا مع أية محاولات لشفطها، أو مواجهة أخطارها خاصة وأن كافة البالوعات- على فرض وجودها، وكمال صلاحيتها- لا تكفى إطلاقا لاستيعاب آلاف الأطنان من كميات المياه المنهمرة من السماء.
ثانيا: أن سيارات الشفط التى تم وضعها فى المواقع ذات الأهمية الخاصة على الطرق الرئيسية لا تصلح إطلاقا لتخفيف حدة بحيرات المياه التى تجمعت من تلك الأمطار. وذلك بسبب ضآلة عدد تلك السيارات مهما وصل إجمالها، فضلا عن ضعف سعة خزانات تلك السيارات مهما وصلت أيضا ضخامة حجمها.
ثالثا: أن جهود رجال البلدية فى كافة المدن بوسائلهم البدائية المتمثلة فى المكانس والمساحات اليدوية، لا يمكن إطلاقا أن تؤدى دورا ملموسا فى مواجهة تلك البحيرات المائية التى يزداد قدرها فى كل لحظة نتيجة استمرار انهمار المياه.
رابعا: أن الإشكالية فى التعامل مع تلك الكميات المنهمرة من الأمطار هو انحصار التفكير فى التخلص منها، فى صورة سحب تلك المياه سواء بواسطة سيارات الشفط، أم بواسطة طلمبات خاصة، أو بواسطة عمال البلدية، لتوجيه كافة تلك الكميات الهائلة من المياه إلى شبكة الصرف الصحى. وهى شبكة ليست منفذة لاستيعاب الكميات الهائلة من مياه الصرف الصحى التى يتم إدخال أضعافها بصفة يومية نتيجة العشوائية فى الهدم والبناء فى العقارات الجديدة، فضلا عن إتخامها بالمزيد من المياه الناجمة عن مياه السيول والأمطار.
خامسا: اعتماد محطات الصرف الصحى على طلمبات بقوة معينة يمكن من خلالها التعامل مع مياه الصرف الصحى فحسب. الأمر الذى استوجب التنبيه لقطع المياه عن أحياء ومدن كاملة لوقف تزايد مياه الصرف الصحى، ومن ثم عجز طلمبات تلك المحطات عن التعامل مع تلك المياه من ناحية، وكذلك عجزها عن التعامل فى استيعابها لمياه الأمطار مما جعل تلك المحطات بطلمباتها فى حالة شبه تعطل نجم عنه إعادة المياه مرة أخرى من شبكة الصرف الصحى إلى داخل المساكن والأحياء.
سادسا: وجوب عدم حصر الاستعدادات الناجمة عن حسن التنبؤ بالحالة الطقسية فى زيادة عدد سيارات الشفط، أو فتح البالوعات الخاصة بالصرف الصحى، أو تكثيف أعداد عمال النظافة والبلدية، باعتبار أن كافة تلك الوسائل هى وسائل تعجز تماما عن إمكان التعامل مع أزمات السيول والأعاصير. ومن ثم يلزم ضرورة فتح مخرات للمياه، والسيول، ليست من خلال المخرات الموجودة بالفعل، أو المنشأة فى أسفل الجبال. وإنما المخرات بمعنى القنوات الصغيرة التى يمكن أن تساهم فى تصريف المياه إلى أية مساحات أرضية فضاء قريبة من الطرق أو من الأماكن المحتمل تجمع المياه فيها، أو إلى القنوات، والترع، ومسطاح النيل. خاصة وأن منسوب الطرق غالبا ما يسير فى مستويات صعودا وهبوطا وبشكل يساعد على نشوء تلك البحيرات المائية التى تحول دون سلامة المواطنين ووسائل النقل والمواصلات.
سابعا: وجوب البدء وعلى الفور بتغيير طلمبات محطات الصرف الصحى، بطلمبات أخرى ذات قوة مضاعفة فى السحب، والضخ، باعتبار أن تلك الطلمبات هى جوهر عمل محطات الصرف الصحى، والتى بدونها تكون تلك المحطات وشبكاتها دون مستوى الكفاءة الواجبة فى التعامل مع تلك الكميات الهائلة من المياه والناجمة عن السيول والأعاصير. ولعل تلك الطلمبات حال مضاعفتها واستبدالها بأخرى ذات قوى مناسبة- بالرغم مما تمثله من تكلفة عالية- لا تمثل عبئا يستحيل الوفاء ماليا بتكاليفه لمواجهة مثل تلك الأزمات والكوارث.
ثامنا: أن كافة الوسائل المذكورة- فيما عدا استبدال الطلمبات- لا يمكن إطلاقا أن تساهم فى مواجهة تلك السيول التى يمكن أن تتكرر خارج نطاق التوقع الجغرافى لفصول السنة، وذلك بسبب أنها تصب فى النهاية فى شبكة الصرف الصحى التى تعجز طلمباتها عن سحب ما زاد عن طاقاتها من مياه نتيجة انهمار السيول والأمطار. خاصة فى ظل تلك الفورة المناخية التى أصبح يتعرض لها العالم بأسره، والتى فرضت عليه وعلى بلدانه ضرورة الدعوى لانعقاد مؤتمرات دولية لمناقشة التغيرات المناخية.
تاسعا: أن الإشكالية الحقيقية يظهر بعض جوانبها فى تلك العشوائية الناجمة عن سهولة الحصول على تراخيص بهدم عدد هائل من العقارات، بل والأحياء الكاملة، السابق تصميمها بارتفاعات لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة طوابق. ثم الحصول بعد ذلك على تراخيص البناء لكل قطعة من تلك القطع والعقارات، للبدء على الفور فى إقامة أبراج بدلا منها ترتفع فى حدها الأدنى إلى أكثر من عشرة طوابق فى كل طابق ما لا يقل عن أربع شقق ليكون ذلك كله فى النهاية عبئا غير محسوب على شبكة الصرف الصحى وطلمبات تشغيل محطاتها. ومن ثم ليكون المستفيد من ذلك كله فى النهاية حفنة من المضاربين، والسماسرة، ومحترفى البناء، وماصى الدماء، لتحقيق أموال هائلة من الأرباح بصفة سنوية ودورية نتيجة قيامهم بشراء مثل تلك العقارات والبدء فى هدمها وإقامة أبرج كبديل لها فى غفلة من الأجهزة، بل وفى إطار من مباركتها لانتشار مثل تلك الفوضى، والتى لا يغنم من ورائها إلا حفنة من الناهبين.
عاشرا: البدء وعلى الفور فى استحداث تعديل تشريعى يلزم أجهزة الحكم المحلى بضرورة الالتزام بذات الارتفاعات الواردة فى رخص الهدم، حال الترخيص برخص البناء فى ذات المواقع المراد هدمهما. وذلك لتجنب ما ينجم عن الفارق الهائل والعشوائى بين الارتفاعات الواردة فى رخص الهدم حال مقارنتها برخص البناء فى ذات المواقع والأحياء، وذلك أيضا لتوقى ما ينجم عن ذلك الفارق الهائل والعشوائى فى كميات المياه الناجمة عن الصرف الصحى، والتى يتم ضخها فى ذات الشبكات بذات القدرات دون إدخال التعديلات اللازمة على الشبكات القديمة بطلمباتها ذات القوى المحدودة نتيجة لهذا التوسع الفوضوى.
حادى عشر: وجوب تضمين ذلك التعديل التشريعى لإجراءات حاسمة ينجم عنها فى النهاية تعديل أخر فى قانون العقوبات لمواجهة ذلك الإهمال الجسيم والمتكرر فى التعامل مع مصادر التيار الكهربائى فى الشوارع والطرقات، واستمرار كشف كوابل وأسلاك تلك المصادر دون اتخاذ إجراءات الحماية الوقائية من أخطارها. الأمر الذى يتسبب بصفة دائمة فى حدوث صعقات كهربائية تؤدى إلى الموت وإلى أضرار جسيمة، دون إمكان المساءلة الكاملة جنائيا أو مدنيا عن تلك التداعيات، والناجمة فى النهاية عن الإهمال الجسيم فى إحاطة تلك المصادر بأقصى قدر من التأمين من الأخطار الناجمة عن تلامسها للمياه، وحدوث صعقات تتكرر بصفة دائمة ومستمر دون حماية واجبة. بالرغم من أن مواجهة مثل ذلك الإهمال لا يكلف أعباء مالية حقيقية أو جسيمة.
ثانى عشر: وجوب التنبه إلى عدم الانسياق وراء الشائعات، والترديدات، والتى نصبت من خلال منصات التواصل الاجتماعى العديد من الناقمين، والحاقدين والمتربصين، والمتآمرين، والمأجورين، ليتبوءوا مناصب وهمية فى مجال الصحافة والإعلام. الأمر الذى أصبح يجسد سلوكا إجراميا مستجدا على الساحة الاجتماعية والقانونية، وذلك بخلق ما يمكن تسميته بالإرهاب الإعلامى، والإرهاب الشائعى، والإرهاب البيولوجى، والإرهاب النفسى. وهى كلها صور مستجدة من السلوك الإرهابى تستوجب التدخل التشريعى للعقاب بشكل مباشر على كافة صوره، ومرتكبيها دون الاعتماد فى ذلك على صدور أى توجيه من أية سلطة بضرورة التعامل مع تلك الصور المستجدة دون تدخل تشريعى حقيقى وفعال.
ثالث عشر: وجوب التعامل مع وباء الكورونا المستجد فى إطار من التوازن الحقيقى، والعقلانى، بين مصالح عدة تستوجبها حياة المواطنين والدولة تتمثل فى جملتها بين ضرورة تحقيق أقصى قدر من حساب التبعات الضارة فى النهاية بكافة المصالح الحقيقية للوطن والمواطنين. تلك المصالح التى تتمثل فى حماية المواطن والحفاظ على صحته من ناحية، وكذلك إعلاء مصلحة الوطن فى ضرورة استمراره، والحفاظ على استقراره، وصيانة مقدراته، ودعم موارد اقتصادياته. خاصة وأن ذلك الوباء قبل تأجيجه إعلاميا كان يقينا موجودا فى حياة الأمم من خلال معدلات الوفاة بعد الإصابة بالالتهاب الرئوى، وهو النتيجة النهائية للإصابة بوباء كورونا. والفارق الحقيقى يتمثل فى أن الوفاة بالالتهاب الرئوى كانت دوما تشخص من خلال المعرفة المسبوقة بالنتائج الخطيرة لذلك الالتهاب، بينما الإصابة بوباء الكوليرا تعطى جرسا للإنذار بأن المصاب بها سائر لا محالة إلى الوفاة الناجمة عن تداعيات ذلك المرض.
رابع عشر: ملاءمة النظر إلى وباء كورونا المستجد من خلال منظوره الحقيقى ذات المردود الاقتصادى، والمؤدى فى النهاية إلى إحداث شلل قد يكون مقصودا لهدم اقتصاديات بعينها لدول بذاتها، وقد يكون غير مقصودا. الأمر الذى يستوجب من الكافة ضرورة التنبؤ بذلك المردود الخطير، باعتبار ذلك الوباء أحد مظاهر الحروب البيولوجية كأحد أهم صور التطور الرهيب التقنى فى وسائل المواجهة العسكرية.
تلك أهم ما يمكن اعتباره بمثابة حقائق، أو دلائل، أو مؤشرات، أو حتى قراءات فى ملفى الوباء، ووجوب تكثيف الدعاء مع العمل الجاد والمخلص لمواجهة ذلك الإعصار المستجد أيضا على الساحة المناخية لمصرنا الغالية.

عن ناصر ميسر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!