القاهرة _ آفاق حرة
عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدر كتاب « تاريخ مصر والشام في ألف عام»، للباحث والمؤرخ السوري المقيم في الإمارات العربية المتحدة “علي يعرب”.
الكتاب الذي يقع في مجلد من 800 صفحة من القطع الكبير، هو قراءة جديدة لحقبة طويلة من التاريخ الوسيط تمتد لألف عام، بهدف تصويب العديد من المفاهيم والحقائق التاريخية لمرحلة تمتد منذ القرن الخامس الهجري وحتى القرن الثالث عشر الهجري/ القرن العشرين الميلادي، طغى فيها الترك على بلاد مصر والشام، فيما تراجع العرب، حتى انتهاء هذه الحقبة بزوال الدولة العثمانية عام 1918م.
يستهل الكتاب بتقديم لمحة تاريخية عن الغزوات المتوالية على سوريا ومصر، ومن ثم الفتح العربي، وما تلا ذلك من ظهور لبعض الدول والإمارات المستقلة مثل الدولة الطولونية، وإمارات بني حمدان وبني كلاب وبني عقيل والتي شملت مساحات بين شمال سوريا حتى الموصل في العراق.
وكان السلاجقة الترك قد بدأوا يتحركون من براري منغوليا في مطلع القرن الخامس الهجري ونجحوا في القضاء على الدولتين: التركية الغزنوية، والدولة البويهية، وتسللوا إلى سوريا وبلاد فلسطين التي كانت بيد الدولة الفاطمية، عبر هجمات كان أعنفها تلك التي قام بها أتسز بن أوق الخوارزمي، بتفويض من السلطان السلجوقي ملك شاه، وتمكن من الاستيلاء على القدس واللد والرملة عام 464هـ، وتابع هجومه على دمشق حتى استولى عليها عام 468هـ. وفي الوقت عينه كانت حلب واقعة تحت هجمات الترك حتى أخذها السلطان ملك شاه عام 478هـ بعد مقتل الأمير مسلم بن قريش بن بدران.
ومنذ أن حدث الفتح العربي للقدس تسامح الحُكام العرب، ومنهم الفاطميون، مع الحُجاج المسيحيين القادمين من أوروبا لزيارة القبر المقدس في هذه المدينة، لكن عندما فرض الترك حكمهم على القدس بدأوا يمنعون أي حاج من الدخول إليها دون أن يدفع لهم قطعة ذهبية كما أنهم كانوا يحقّرون ويشتمون هؤلاء الحجاج دون مراعاة لمشاعرهم ولكراماتهم. ومع توالي الأيام والسنين على هذه المعاملة السيئة، فقد أوصل بعض هؤلاء الحجاج صوتهم إلى البابا أوربان الثاني الذي دعا إلى عقد مجمع كنسي في مدينة ” كليرمونت” بفرنسا، حضره الرهبان والقساوسة وبعض الملوك والأمراء، وفي هذا المجمع تقرر القيام بحرب صليبية لاستخلاص الشرق والقدس من أيدي الترك، فبدأت الحروب الصليبية منذ عام 492هـ واستولى الصليبيون على مدن الساحل من أنطاكيا حتى عسقلان من دون أن يلقوا أية مقاومة من الترك، وللأسف لم يذكر أي مؤرخ شرقي، أرّخ لتلك المرحلة، السبب الذي دفع ملوك غرب أوروبا إلى مهاجمة الشرق بتلك الوحشية الكبيرة التي حدثت، ربما لعدم رغبة أولئك المؤرخين، في إحراج الترك الحاكمين. لكن المؤرخين الغربيين وعلى رأسهم وليم الصوري، قد تحدثوا عن السبب الذي أثار تلك الحرب وهو سيطرة الترك على القدس، وقد دخل الصليبيون، بعد أن استقروا في المدن التي سيطروا عليها ومنها القدس، في صراع طويل مع الفاطميين في مصر، وأيضًا مع الترك في سوريا، ونجح الترك أخيرًا في التسلل إلى مصر والقضاء على الدولة الفاطمية فيها عام 567 للهجرة، وانحصر الصراع بين الترك والصليبيين، والذي انتهى في مرحلته الأولى بتحرير القدس، ومن ثم بالهدنة بين صلاح الدين والملك الإنجليزي ريتشارد عام 588هـ.
ومن ثم تجدد الصراع بعد نحو ثمانين سنة في العهد المملوكي، على يد الملك الظاهر الذي استغل الظروف الدولية آنذاك، مع تهديد المغول لغرب أوروبا، فبدأ حربه ضد الصليبيين فاسترد أرسوف ويافا على ساحل فلسطين عام 663، ومن ثم صفد واسترد انطاكيا والحصون التابعة لها واسترد جبلة والحصون التابعة لها واسترد صافيتا وحصن ابن عكار وحصن الأكراد وقلعة صهيون. وأكمل من بعده الملك قلاوون فاستردّ اللاذقية وطرابلس وحصن المرقب وبانياس. واسترد ولده خليل عكا وصور وصيدا وبيروت وطرطوس وجبيل وكان آخر حصن يسترده هو جزيرة أرواد عام 1307 للميلاد. وانتهى الوجود الصليبي من ذلك الوقت من الساحل.
وقد استقى الترك منذ العهد الأيوبي، الحكم الإقطاعي من الصليبيين وطبقوه على العرب في البلاد الواقعة تحت حكمهم، حتى أنهم، في فترة المماليك، لم يتركوا أرضًا من الأراضي السهلية والخصبة في سوريا ومصر دون أن يُقطعوها لأمير من أمرائهم، وأصبح العرب عبيدًا عند هؤلاء، وقد ورث العثمانيون بعد استيلائهم على سوريا ومصر هذا النظام وتابعوا فيه.
ورغم أن الدولة العثمانية قد بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بتحديث النظام الإداري والقوانين وافتتاح المدارس ونشر التعليم فيها، لكن هذا التحديث قد فشل بسبب عوامل متعددة أهمها الإبقاء على نظام الإقطاع من دون تغيير، وكان سقوط هذه الدولة هو ولادة جديدة للعرب بعد غيبة عن مسرح الأحداث دامت ألف عام.
وقد شملت أبحاث الكتاب كل تلك المراحل مع شرح وافٍ لكل مرحلة وبما يحقق الفائدة الكبيرة للقارئ.
ومن دون شك فإن القراءة الصحيحة للتاريخ هي الخطوة الأولى لبناء الذات، ومنها هذا الحكم التركي الطويل والذي تخفى تحت عناوين دينية، حتى أنه يمكن القول بكونه هو السبب الأساسي لتخلف الأمتين العربية والإسلامية حتى يومنا هذا