الشاعرة الجزائرية
مختـــــارية بن غالم
“عون إدارة رئيسية متقاعدة” بدأت الكتابة بالنثر وأنا طالبة في الثانوي وقد نُشرت لي حينها عددا من النصوص في جريدة المساء الجزائرية واعتبرتها بداية موفقة . أكتب الشعر العمودي منذ 2013 أي منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ولي قصائد في بعض الدواوين التي شملت مجموعة من الشعراء العرب عبر الوطن العربي ..( ديوان حب الله من إصدارات مجموعة صحيفة ذي المجاز .. ديوان نعلين في عيون الشعراء العرب (فلسطين )، ديوان العرب من إصدارات المجموعة الدولية للشعراء العرب باسطنبول ، الديوان العمري وديوان الشعراء الألف من إصدارات نخبة شعراء العرب .
و لي ديوان واحد بعنوان ” رسائل لا تصل ” من إصدار نخبة شعراء العرب في مصر
شاركت بالعديد من الأمسيات الأدبية
نشرت لها العديد من المجلات الورقية والمواقع الإلكترونية ..
كان لنا معها هذا الحوار القيم الثري ..
** متى اكتشفتِ موهبتكِ الشعرية ؟ وهل كان للظروف التي عشتِها دورها في ظهور هذه الموهبة ومن كان له الفضل في اكتشاف موهبتكِ الشعرية ؟
لم أبدأ بالشعر كانت بداياتي مع النثر وأنا طالبة في الثانوي كنتُ أبحث عن أيّ شيء يُتمّمُ ما نقُص لطالبِ العلم وبما أنّ دراستي كانت الأدب العربي ساعدني ذلك كثيرا على مواجهة النصوص والمفردات بكلّ أريحية .
للموهبة شرارة ما قبلها وهي أني ورثتُ الشعر عن جدي الشهيد كان بارعا في قول وكتابة الشعر الشعبي الجزائري وقد لُقِّب بشاعر الثورة .
كان لأستاذ الأدب الذي درّسني في الثانوي الفضل في اكتشاف موهبتي عندما صحّح لي أول نصّ نثري بعنوان ” معركة الحياة” وكان يتوقع لي مستقبلا أدبيا كما كان يقول لي دائما .
**الشعر الحقيقي هو انعكاس لموهبة ولكن ذلك لا يكفي لإنتاج ما نصبوا إليه من إبداع ماهي العوامل التي تسهم في تشكيل هذه التجربة ؟
طبعا لا يوجد هناك شاعر بالصدفة ، الشعر موهبة ربانية ، جوهرة تلمعُ كلما حرّكتها أيادٍ تبحث عن الجمال في اللغة وهذا الجمال لا تُحدّده الموهبة فقط بل يجب أن تصقله التجارب الشعرية في محاولة محاكاة الشعراء الكبار والسجال والارتجال والقراءة الدائمة لكل ما يتعلق بالشعر حديثا كان أو قديما .
** كثيرٌ من الشعراء لديهم الحظ ولكن ليس لديهم المعجم اللغوي كيف تُفسر ذلك ؟
إذا كان القصد “بالحظ” هو انتشارهم في الساحة الأدبية بسرعة الضوء فهذا ليس بغريب فنحن في زمن انعكست فيه المفاهيم وأصبح الرديء سبيلا لكل من أراد الظهور بسرعة وإن كان القصد عجزهم عن صناعة القصيدة وهم لا يملكون أدواتها الفنية ويملكون الموهبة فقط فهنا يجب التصدي لهذا العجز بالقراءة ومخالطة من يستطيع أن يُمدّهم بقواعدها وأسُسِها حتى يكون بناؤها متينا لا عِوَج فيه .
** ما رأيك بالحركة الأدبية حاليا خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي السريعة ؟
في الحقيقة لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورين مختلفين أحدها إيجابي والآخر سلبي . ساهمت في التعرف على شعراء لم نكن لنقرأ لهم أو لنعرفهم لولا وسائل التواصل هذا العالم “الافتراضي” الذي أصبح يعرف به بعضنا بعضا وكانت معرفتنا لشعراء من كل تراب الوطن العربي وغير العربي دافعا لنزيد من رصيدنا اللغوي والأدبي المتين ومن جهةٍ ثانية ساهمت في ظهور من يدّعون الشعر وكما نعلم جميعا لا رقابةَ على من يرصُّ الحروفَ رصّا ويُسميها شعرا وتنهال عليه أوسمة الفخر والتميز والشعر وبذلك تكون هذه الوسيلة نقمةً على الشعر والشعراء والأدب بصفةٍ عامة .
** هل يمكن القول أن المعلم هو الأساس لإطلاق أي موهبة أدبية ؟
ليس بالضرورة أن يكون المعلم من يُطلق الموهبة الأدبية ربما يُطلقها الأهل أو صديق أو المحيط وغالبا تكون وسائل التواصل هي من تنبَشُ تربةَ الموهبة لتزرع فيها بذرة الظهور والانتشار الواسع للشاعر .
** ما رأيك بالنقد ؟
هناك نقدٌ بنّاء يُقوّمُ اللغةَ إذا اعوجّت ويُرشدُ الشاعرَ إذا ضلّ ويُسرجُ على ظهر القصيدة متاعَ النفعِ وإن كان موجعًا بحمله وهناك نقدٌ يُرجع الشاعر أو الموهوب إلى نقطة الصفر فيمحي أثرَه . كثُر النّقاد في الساحة الأدبية اليوم وكلٌّ يُدلي بدلوه وقليلٌ من تجبُ فيه صفةَ الناقد الحقيقي .
غيمة حبٍّ عقيم
كانا بقربِ الماءِ لحظةَ غيمةٍ …. يتودّدان لكي تُقلُّهما معا
.
يتقاربانِ ولا مسافةَ تنتهي ….لهما فكيف تُراه يبلغُ من سعى؟
.
مَرّ الشتاءُ ومعصراتُهما رُؤىً ….ما حمّلتْ غير الرّجاءِ لمن دعا
.
مرّا كأُغنيةٌ تثاءبَ نايُهـا …. ويكادُ يُنشدُ للمُريدِ تمنُّعا
.
هذي المسافاتُ ارتجالُ مُراهنِ ….من ذا يُلقّنهُ المُحالَ ليقنعا !!
.
صدِئتْ على جُملِ اللّقاءِ خُطاهما …. والشّعرُ ينتعلُ الحديثَ مُشبَّعا
.
هل كان يشفعُ في الرُّواةِ بُكاهما ….ليكون حِبرُ العاشقَينِ مُشفِّعا
.
ليكون للقِصص الغريقةِ زورقٌ ….يرسو على جوديِّ من حُبًّا رعى
.
يُغريكَ يا بن الوقتِ يا بنةَ أرضِها ….زهوُ القصائدِ حين تَبسُطُ أذرُعا
.
تندى الحقيقةُ في يديها غَصّةً ….ليصيرَ معنى الحبِّ لونًا مُفزعا
.
ليعود للصوتِ الملاذُ مُخضَّبا ….بدم الخطيئةِ حين أذعنَ مُسرعا
.
فلأنّ أوجاعَ التصبُّرِ قُربةٌ ….كان الترقّبُ دون شيءِ موجِعا
.
كفراشةٍ أهدتْ رقائقَ جنْبِها ….للضوءِ تحسبُ أن تنالَ ترفُّعا
.
كانت تُدثّرُها القصائدُ رغبةً ….فيجيءُ معناه العليلُ مُرقّعا
.
وهنا يُعاتِبُ كلُّ قلبٍ عُرفَهُ ….ليعودَ أدراجَ الحروفِ مودِّعا
** هل ترى أن الشعر العربي حاليا يمر بحالة تقهقر ؟
كثرةُ الشعراء تُفنّد ذلك فلا نكاد نجد شاعرا على الأقل في كل حيّ وكل من راح يُدندن بكلمات مبعثرة أصبح يُسمى شاعرا مقابل ذلك ليس هناك رقابة على كلّ ما يُسمى شعرا والشاعر الحقيقي مغيّب غالبا ربما لأسباب مادية كعجزه عن طبع دواوينه أو قلة متابعيه .
** ألا تشعر أن هناك تباينا بين الشعر المعاصر والشعر القديم ؟
نعم هناك تباين شاسع بين ما قرأناه لشعراء درسنا عنهم وبين ما نقرأه اليوم إلا ما قلّ منه ، لم تعد هناك مفردات تستعصي على القارئ كما كانت في الشعر الجاهلي . لا نستطيع القول أن الشعرَ ترهّل أو أصابته الشيخوخة إنما لكل عصرٍ أهله .
ثم إن الشاعر المعاصر بقضايا أمته السياسية والاجتماعية جعله أكثر نضوجا واستمرارية مما درج عليه شعراء العصر الحديث حيث تفلت من جاذبية الرومانسية التي شدت الشاعر لعواطفه وخلجات نفسه وبالتالي فالشاعر هنا قد تغلب على نفسه واستقل بذاته وأثبت شاعريتَه .
** ما نوع الشعر المفضل لديك ؟
شعر الغزل بدأتُ به وكتبتُ فيه كثيرا ولي ديوان يحوي 40 قصيدة كلها شعر غزل وأحاول اليوم أن أطرقَ أبواب شعر مغايرة كالوطنيات وشعر الثورة والدين ومواضيع تتنوع فيها هموم الإنسان العربي .
الشعر هو الإحساس وليس تعبيرا عنه فحسب وإن لم يكن الشاعر حساسا ومؤثّرا ومتأثرا بكل من حوله وما حوله فلن يستطيع فتح قلوب متابعيه والدخول إلى عالمهم وكأنه من يتحدث بلسان حالهم .
** هل الشعر صناعة ؟
الشعر رحلة إلى حيث لا نهاية والإبداع صنعته ومطيته.
جنّةُ البدء
وما كتمتُ الذي بي بات يُسمعني … أجراس خوفٍ تمادتْ في تآويلي
.
ألاحقُ الصوتَ أين المنتهى ..زمنٌ … مُغمغمَ القصدِ معلولَ التفاصيلِ
.
كوِجهةٍ تكْتُمُ المشّاءَ شدّتَها … أرى المسافةَ تُدني ما تعلّى لي
.
كجنّةٍ لم تزل كالبدءِ فتنتُها … تُفّاحةً تقطفُ الجوعى كـ “قابيلِ”
.
كرشفةٍ أمهلتْ شُرّابَها سكَرًا … فإن ترنّحتُ شطّتْ في الأضاليلِ
.
هذي الحياةُ هي المعنى الذي رقصتْ … له الجراحُ على وقعِ الخلاخيلِ
.
يغرورقُ السّحرُ في أحداقها أسَفًا … يا فتنةَ الأرضِ يا روّادها ميلي
.
آتيكِ دوني ولا وجهٌ ليحملَني … وإن زهدتُ تجلّى في تهاليلي
**ما رأيكِ بقصيدة النثر التي تحررت من القافية والتفعيلة والوزن وزاحمت القصيدة التقليدية ؟ وهل أنتِ مع تصنيفها تحت خانة الشعر ؟
النثرُ هو النثر والقصيدة هي القصيدة لا أدري كيف يسمي البعض النثر بقصيدة النثر وهي لا تخضع لمعايير القصيدة العمودية التي تقيدها قوانين البحر والقافية والأوزان وانسلخت من الشكل التقليدي للقصيدة العمودية ؟ إن كانت قد تحررت من هذه القيود فقد رُفع عنها اسم قصيدة .
الثورة التي أقامها النثر أو ما يسمى قصيدة النثر أو الشعر الحر على حساب القصيدة العمودية لم ينجح في تطوير أو التأثير على القصيدة العمودية من قيودها القديمة ( ظهور الموشحات في الأندلس مثلا لتحرير القصيدة من أوزانها وقافيتها وظهور المدارس الشعرية الجديدة كلها باءت بالفشل في قلب مفهوم القصيدة أو تحريرها من قبضة الوزن والقافية )
**كيف ترى الوطن في شعرك ؟
الوطن قصيدة لم نعطها حقَها بعد فكيف لمن يعيش تحت سمائه ويفترش ترابَه أن لا يكون همَّه الأبدي ؟ أثبت شعر الوطن وجوده في قصائدي في المدة الأخيرة لأسباب قد تعود لما تشهده الساحة العربية من أحداث تُحرّك وجدان كل شاعر أو تنصُّلا من شعر الغزل الذي اعتلى صهوةَ حرفي لمدة طويلة وكان لابد أن يترجّل .
** ماهي العوامل التي أدت إلى الحد من انتشار الكتاب الورقي في عالمنا العربي وهل تعتقد بان وسائل الاتصال الحديثة سهلت الحصول على النسخ المجانية إحدى هذه العوامل ؟
مازال للكتاب الورقي نكهته الخاصة ومكانته الأولى ولا أرى أن الكتب أو الدواوين الإلكترونية تفي بالغرض وإن كانت في متناول الجميع ، الكتاب الورقي خالد وملموس وحسّيّ والمؤسف حقا أن يلجأ الشاعر الحقيقي لحفظ دواوينه عبر النت وبالمجان لظروفه المادية الصعبة ويُفتح الباب واسعا أمام من هم دونه للطباعة الورقية وقد كثُرت الدواوين وقلّت الجودة .
** كيف تجدين المرأة كشاعرة ؟
المرأة تنافس الرجل على منابر الشعر وهي لا تقل شاعريةً ولا إبداعا عنه ويكفي بيت الشعر الذي قالته ولادة تباهيا بها : ” أنا والله أصلح للمعالي ..وأمشي مشيتي وأتيه تيها “
أخيِلةٌ ظمأى
نكّرتُ عَرشيَ حتّى تهتدي لُغتي … وعُدْتُ سَعيًا على أعْتابِ بوصَلتي
.
كأنّها ..ثمّ ألْقتْ سِحرَ بُردتِها …على دمائي فجَلّتْ كُلَّ أسئلتي
.
تُعيذُني من شَتاتِ الرّوحِ لو سَجدتْ … كلُّ المعاني على أوهامِ أخْيِلتي
.
تمدَّدَ الشِّبهُ مُذ أطلقتُ صَرختَها … هذي الحروفُ فأهْدتْ شِبْهَ أُمنيةِ
.
أمضي تُصفّدُني أسماءُ من تركوا … لي الأُمنياتِ ترى في البدءِ خاتِمتي
.
على جناحي حملتُ البوحَ مُتّقدا … فأحرقَ الضوءُ حينَ البوحِ أجْنحتي
.
وكنتُ أبعدَ من رِيحٍ يَرقُّ لها … دمعُ السّحابِ إذا سارتْ بلا جِهةِ
.,
تضُجُّ بي المُفرداتُ الخُضْر سابِحةً … على فصولٍ تصُبُّ الشّهدَ في شَفتي
.
دعي الشّكوكَ وغوصي دون أسئلةٍ … قالتْ: إليكِ !!وشقّتْ كُلَّ أشرعتي
.
ركضتُ مشيًا على أقدامِ فِتنتِها … فابْتلّ كفّي بوزرٍ دون مغفرةِ
.
كمن تفلّتَ من حبلِ النجاةِ هَوَتْ … بي القافياتُ على أطرافِ هائمةِ
.
فيقفزُ الوقتُ مكتظًّا بفِتنتهِ … ليُصبحَ العمرُ في كفّي بلا زِنةِ
.
لم ألتفتْ لي فكلُّ المُغرياتِ فمٌ … وكلّما يبسَتْ أهرقتُ محْبرتي
.
تقولُ : عُدّي على الأيّامِ ما انْفرطتْ … منها ، فيعقِدُ لي الإرباكُ مسْبحتي
.
كأنني في بلاطِ الأُنسِ مفردةٌ … كأنّ “ولاّدةَ ” الإيحاءِ لم تمُتِ
.
من يجمع الفرقَ دون النّقصِ مُكتملاً … حتى يعودَ تَمامي بي ..على صِلةِ !!
.
من يُرجعُ البدءَ مُختالا على فرسٍ … ويطبعُ الصوتَ في الخُطواتِ بالثّقةِ
ويُسرجُ القصدَ لو يمّمتُ جانِبَها … طُهرا يزينُ كمالَ الرَّسمِ في لُغتي
.
كأنّ لونَ المجازِ اليومَ منتبهٌ … يُغري بياضَ الهُدى المخبوءِ في صِفتي
.
أنا المعلَّقُ كلُّ الخوفِ في يدها … متى أضعتُ سدادي صارَ منسأتي
** هل توافق على مقولة إن إصدار الدواوين هو إثبات للذات أولا وأخيرا ؟
لا ليس دائما فكم من قصائد تنام في صدور الشعراء ولم تُطبع وخُلّدت في أذهان القرّاء وبات يتغنى بها الكثير وفي المقابل كم من دواوين تعجّ بها الرفوف ولا صوتَ لها يُسمع وقد تكون لعنةً على الشاعر لأنه تسرّع في أن يجعلها ترى النورَ قبل تمامها .
** ما سر نجاح الشاعر ؟
التواضع وتقبل النقد
** لمن تودع أسرارك وأراءك الشخصية :
لمن يستحق الثقة.
** لو جلست وتساءلت حول ما أنجزته فماذا تقول ؟
لم أنجز شيئا بعد وما زلتُ على أعتاب الحرف أحبو ومازال الشعر يميل بي حيث أميل رضىً واستياءً.
**ماهي كلمتك لجيل اليوم ؟
كلمتي أن يحبوا الشعر ويحبّوا ما يكتبون وان يتجنبوا التقليد وإن كان شعرا يستحق وأن يأخذوا بمشورة من هم أكثر منهم شعرا وتجربةً وإبداعا.
** كلمة تحب توجيهها إلى القرّاء
بكم نكون أو لا نكون فلولا متابعاتكم وقراءاتكم لكل ما نقدمه ما كنا لنُتوّج بهذا الاسم “شاعر” أنتم المرآة التي يرى الشاعر فيها نفسَه إن كان قبيحا أو كامل الحسنِ والبيان .