أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيف حلقة الاسبوع الشاعر المصطفى ملح
1كيف تعرف نفسك في سطرين؟
مصطفى مَلَح، من مواليد مدينة برشيد المغربية سنة 1971، أكتب الشعر والرواية والقصة وأدب الطفل. أول إصدار شعري لي كان سنة 2006 وهو ديوان (دم الشاعر) الذي نشر ضمن منشورات وزارة الثقافة المغربية، غير أنني كتبت الشعر ونشرته منذ بداية التسعينيات داخل المغرب وخارجه. وكنت يومئذ منخرطا فيما أسميته بخلق تعالق نصّي شعري مع النصوص الدينية، وربما استمر هذا الانشغال الشعري ردحا من الزمن، فأثمر ديوانا ثانيا حمل عنوان (بين الكاف والنون) غير أنه لم ينشر إلا متأخرا.
أنا واحد من المحكوم عليهم بالانتصار للعصفور ضد السكين، والوقوف –شعرياء ضد كل محاولات الغزو التي تطال الجمال والعاطفة والفطرة والطيور. كنت، وما زلت، أدافع في قصيدتي، قدر المستطاع، عن حق النهر في مصافحة المصبّ، وعن حقّ قوس قزح في التمدد عاريا فوق فراش السماء، وعن الطموح في تحويل النبال إلى نايات..
2ماذا تقرأ الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
يصعب على المرء تحديد أجمل كتاب قرأه، ولكنه يمكن أن ينتقي بعضا من أجمل ما قرأ، ويمكنني أن أختار بعض الكتب التي أثرت خيالي، وحفزت حواسي على الانطلاق، ومن أهمها: خريف البطريق لغارسيا ماركيز، وثلاثية نجيب محفوظ، والسحرة لإبراهيم الكوني، وأحد عشر كوكبا لمحمود درويش، والنبي لجبران خليل جبران.
أما الآن فأنا لا أقرأ شيئا بسبب حالات الاكتئاب التي اكتسحتني منذ أكثر من سنة؛ وهي حالة ناجمة عن الاختلال الحاصل في نسق القيم المجتمعية الذي أفرزته كورونا. لا أستطيع القراءة ولا التأمل ولا إضافة اللون القرمزي إلى السواد المعتم الذي يخضّب حياتي. أنا أكتب الآن وأطفال فلسطين يتحولون إلى أشلاء، وزيتون فلسطين وحمامها يتحول إلى أنقاض تحت قذائف الكيان الصهيوني الذي يصرّ إصرارا ساديا على أن يشكل امتدادا لكورونا..
3متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟
بدأت الكتابة في وقت مبكر بفضل مقروأتي. ولعل أول ما أثار إعجابي وشدني كثيرا هو الملحمة الشعبية الشهيرة (سيف بن ذي يزن) وهي من أربعة مجلدات. كان اكتشافي لهذا العمل لا يقل ثراء من اكتشاف قارة جديدة مسكونة بالدرر والحلي والجواهر الثمينة النادرة، ففيها سرد مشوق وشعر جميل وأحداث يتقاطعها الواقعي والسوريالي لتفرز عوالم فيها سحر ومغامرات وإثارة لا حدود لها.
بعد ذلك تعرفت على المتون السردية الأولى: جبران ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وغيرهم، وعلى أشعار الرومانسيين مثل علي محمود طه وإبراهيم ناجي وأبو القاسم الشابي وإيليا أبو ماضي وغيرهم. حصل هذا قبل الانفتاح على الشعر الحر المعاصر كما تجلى في كامل عنفوانه مع السياب والبياتي وأمل دنقل وأدونيس والماغوط وسعدي يوسف ومحمود درويش..
أما فيما يتعلق بدوافع الكتابة فأن المرء يجد صعوبة في حصرها، ويمكن جرد بعضها:
أكتب لأنني جبان ولا أستطيع حمل البندقية، لذلك ألفيتُ القلم أكثر أمنا وأمانا، ورأيتُ بأن مصافحة الورقة ومداعبة بياضها هو أسهل من لمس قاذفة أو جرّافة؛
أكتب لأقول للآخرين بأنني ما زلت حيا، وأخبر الأعداء بأن الرماح وإن أصابتني فإنها لم تُمِتْني بعدُ؛
أكتب لأكتشف أسرار اللغة وأصير جزأ منها، وتصير هي الأخرى جزأ مني، حتى إذا انهزمت في معارك الحياة احتميت بمتاريسها ودسست جسدي، أو جثتي في أكواخها لأقيم داخلها بعيدا عن أنظار الزمن؛
أكتب لأنني أحب اللعب، ومن المؤكد أنني حرمتُ منه في صغري، لذلك فأنني أسعى إلى إعادة ترميم حياتي بأن أجد فسحة ما لخلق توازن سيكلوجي محتمل؛
أكتب لأنني لا أتقن غير الكتابة، وإذا ما تورطت في عمل آخر فإن مصيري يكون الفشل الذريع لا محالة؛
أكتب لأعلن بأن الطيور يحقّ لها التحليق دون مخافة من الرصاصة، وبأن أطفال فلسطين يحقّ لهم الوجود دون الخوف من التتار الجدد الذين يصرّون على تغيير الخريطة والتاريخ بسلطة الحديد والنار؛
أكتب لأعيش؛ لأن الحياة خارج الكتابة هي موت محقّق، وكل كلمة أرقنها هي شهادة ميلاد..
4ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
مدينة الجديدة، حيث البحر ذو الزرقة الأليفة والملاّح ذو الأسوار العتيقة ورائحة الطحلب بالميناء، والليل الأكثر ليلا، والقصائد التي كنت أكتبها في مقهى (الكورنيش) في منتصف التسعينيات. في هذه المدينة تشكّل وعيي، وصرت قادرا على وضع قدم أولى فوق الأرض وقدم ثانية فوق جبال الروح، بحثا عن تماسّ ممكن، أو مستحيل، مع الاستعارة. الاستعارة، بنورها ونارها، هي ما جمعني بهذه المدينة، وجعل أنفاسي تستنشق من أنفاسها عبير الاتصال الذي لا سبيل إلى انفصامه. في هذه المدينة وُلِدْتُ ولادة ثانية، ورأيتُ بعين قلبي، أسرار الحياة والحب والشعر وغيرها. وحين غادرتها بعد إقامتي بها ستّ سنوات آمنتُ بأنّ الداخل إليها مولود والخارج منها مفقود!
5هل أنت راضٍ على إنتاجاتك؟ وما هي أعمالك المقبلة؟
أعتقد أنني كتبت ما آمنت به دون إملاء خارجي أو تحريض إيديولوجي. كتبت عن حمار جدي، وعن جسدي المثخن بالزمن، وعن الحبيبات اللاتي غرقن في السماء، وعن محاريث الفلاحين، وعن السمان والغراب والصقر، وعن فلسطين والأندلس والشام، وعن علي ومعاوية والخوارج، وعن التاريخ والجغرافيا ودموع الوطن، وعن سيرتي الذاتية، وعن سيرة حبل أو حجر أو أتان أو تمثال.. كتبتُ ما رأيته يستحق أن يكتب، من غير اتّباع لأب شعري، أو خضوع لشيخ زاوية يصنع البلاغة على مقاس تفكيره. كتبتُ وانتقلت من تيمة إلى أخرى: التناص مع النص الديني، ثم السيرة الذاتية، ثم أشعار القبيلة، ثم سيرة الأشياء المهملة، ثم التأمل…
ربما أشعر ببعض الرضا، أو بكثير منه. لكن المشكلة تكمن في جانب آخر؛ من يقرأ قصيدتي؟ بل هل وُزِّعتْ أصلا؟ إن مكمن الجرح يكمن في سوء توزيع كتبي الشعرية، والسردية، بل في انعدام ذلك التوزيع والتداول.
أما فيما يتعلق بجديدي، فقد كتبت مجموعة شعرية عنوانها (ما زلتُ حيا)، وهي أشعار مختلفة تماما عما سبقها من حيث النسق التعبيري والمناخ الرؤيوي. كما أنني كتبت رواية بعنوان (أسرار العتمة) سترى النور في بداية السنة المقبلة ضمن منشورات دار الحوار بالأردن.
6متى ستحرق أوراقك الإبداعية بشكل نهائي وتعتزل الكتابة؟
يمكنني اعتزال الكتابة في حالة واحدة وهي عندما أنجح في الحياة دون حاجة إلى الماء والهواء. لقد بتّ متأكدا أكثر من أي وقت مضى بأن الكتابة ليستْ، بالنسبة إلي، ترفا أو لعبا بلاغيا، وإنما هي شرط وجود وعنوان حياة ومؤشر على ولادات تتجدد باستمرار. إن ما فشلت في تحقيقه بفضل شروط الواقع، فإنني مستطيع تحقيقه بفضل آليات المجاز.
يوما عن يوم أكتشف بأن الحياة ليست منظومة ذات تشاكل وانسجام، بقدر ما هي اختلالات تحدث في الكينونة، هي النّشاز العالي، وهي الفوضى السالبة الممقوتة، وهي انكسارات السيوف على السيوف بتعبير الشاعر العربي القديم. وما دامت الحياة كما وصفتُ فلابد من تمارين وجودية لترميمها ولو جزئيا، ولم أجد أفضل من المجاز لزرع قليل من البياض في عتمات الحياة الشائكة، ولا بد من مجازات أخرى أشدّ إضاءة ووهجا ليستضيء بها العابرون فوق الجسور العالية؛ جسور الوجود المكسور..
إذن، لا فكاك من الكتابة، ولا أعتقد بأنه يأتي يوم فأطلّق الكتابة بالثلاث، وربّما يحدث صمت ثقيل قد يستمر سنوات، ثلاثا أو أربعا، ثم يتحرّك المخاض ويكبر الجنون ويخرج الكائن اللغوي من رحم الرّوح أو من فوّهة التخييل لينتصب مكتملا على صورة قصيدة أو فصل من رواية أو قصة للأطفال..
7ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
أومن أن لكل يد بصماتها، ولكل كائن جيناته، ولا يمكن لأحد أن يستعير إحساس الآخر أو أن يرتدي قناعه ولو إعجابا. لقد أُعجبت بكتابات كثيرة نجحتْ في أن تحفر في وجداني أخاديد عميقة بفضل ما تمتلكه من عمق وقدرة على التماهي مع خصوصيتي، غير أنني كنت دائما أنظر إلى تلك الكتابات على اعتبار أنها ثمرة لتفاعل مجموعة من العناصر والدوافع والمنطلقات التي أسهمتْ في إنتاجها؛ بمعنى أنها خلاصة تجربة خاصة عاشها الكاتب، فلا يمكنني أن أكتب مثلها لأنني بكل بساطة لم أعش التجربة ولم أكن جزأ منها ولا طرفا فيها، ولا أستطيع النجاح في كتابتها.
أشعر بإعجاب كبير بريتسوس اليوناني والماغوط السوري وديستوفسكسي الروسي وغيرهم كثير؛ فكل واحد يختصّ بفضاء متفرّد، ويتفرّد ببلاغة لا يملكها غيره، لكنني عاجز تماما عن مجاراتهم والاقتراب من قاراتهم ولمس مناراتهم، ليس انتقاصا من موهبتي ولكنني لم أعش ظروفهم، ولم أتكلم لسانهم، ولم تطأ قدماي أراضيهم، ولم أستنشق هواءهم، ولم أبكِ بدموعهم، ولم أفكر بعقولهم. أومن بأن كل كاتب هو ثمرة لجملة من الاشتباكات التاريخية، ونتيجة لتداخل العقل والوهم واللغة والإحساس والقدرة والموهبة..
أفضل أن أكتب ما كتبته على علاته على أن أكتب ما كتب الآخرون على إشراقاته، فثمرة واحدة أملكها خير من غابة كبيرة يملكها الآخرون..
8هل للمبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
يتغير مفهوم المبدع وعلاقته بالمجتمع من وقت لآخر بتغيّر المفاهيم والرؤى التي تسود في المجتمع. لا أعتقد أنه ما زال من الممكن الحديث عن المبدع السلبي المقيم في البرج العاجي، ولا عن المثقف العضوي بالمفهوم الغرامشي. نحن نعيش اليوم عصر الصورة التي تسيطر بأيقوناتها وتشكيلاتها على البصر والبصيرة، وهي آلية فريدة تعتمدها الشركات الرأسمالية الجشعة للترويج للسلعة مقابل الفكرة، ولتداول المواد مقابل النصوص. هنا يتحول الكائن، مقهورا، إلى دمى متحرّكة تجتاحها الرغبات ويمكن التحكم فيها عن بعد بواسطة الصورة. أين يقيم المبدع داخل هذه العلاقات المضطربة المميتة؟ كيف ينجح في إقناع (الآخر) بالإنصات إليه وهو لا يستطيع أن ينصت إلى نفسه حتى؟
أرى أن هناك جهات ذات سلطة ونفوذ ومكانة داخل المجتمع تسعى بكل ما أوتيتْ من قوية وجبروت إلى إقبار المبدع وإعدام دوره التنويري، فإذا كان المبدع منشغلا، من قبلُ، بزرع القيم وتغيير المفاهيم والمساهمة في البناء الجمالي والفكري للمجتمع، فإنه الآن، داخل العلاقات السابق ذكرها، قد صار يحتضر لافظا ما تبقى من الأنفاس الذابلة، إنه يكتب مرثاة شخصية له أو يُقيم تأبينا لجسده الآيل للسقوط.
9ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
العزلة إحساس داخلي لا يمكن مشاركته مع الآخرين. المبدع في نظري ليس كائنا نزل من الفضاء، وليس مخلوقا مختلف البنية والطموح والرغبة. هو كائن مثل الآخرين يولد من رحم امرأة ويرضع ثديها ويحبو كما يحبو الآخرون وينمو ويترعرع كما يترعرع الآخرون، ثم يجد نفسه فريسة، مثل الآخرين، لمجموعة من الرغبات الجماعية والفردية. وحين يشبّ عن الطّوق تتقاذفه الإيديولوجيا وترسّبات الطفولة وجنون اللاوعي والمشاعر ما ابيضّ منها وما اسودّ.. ثم يبحث في خضم هذه الزوابع الوجودية عن ملاذ أو ترياق أو منارة، ولا شك أن كل كائن يجد بعض الراحة والسلوان فيما يختاره مرغما أو راضيا، ومن هنا تتعدد الطرق وتختلف الغايات، فإذا كان عمرو قد اختار المحاماة أو القانون فإن زيدا قد اختار القصيدة أو اللوحة أو الأغنية..
بعد ذلك يمكن الوقوف قليلا عند المبدع كواحد من هؤلاء: إنه منخرط في المحيط، كرها أو عن رضا وقناعة، ومشارك في بناء أسرة، وعامل في ورشة أو إدارة، غير أن عالمه الباطني لا يملكه أحد سواه؛ هو عالمه الخاص التي تنمو فيه العزلة ويربيها كما يُرَبّى زوج حمام داخل إناء طيني فوق السطح..
10شخصية في الماضي ترغب لقاءها ولماذا؟
أود لو ألتقي، سفرا في الزمن البعيد، بعمر بن الخطاب. أليس القائل: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟). كان خليفة للمسلمين وكان لا يملك إلا ثوبا واحدا ما عدا الثوب الثاني الذي أهداه له ابنه الصحابي الجليل عبد الله بن عمر. وكان حين دُعِيَ يوما إلى وليمة من قِبَلِ أحد أمرائه فقدم له الدجاج، فقام منتفضا ورفض الأكل قائلا: (أيأكل جميع فقراء المسلمين الدجاج؟). وكان يفصل بين الحق والباطل بقلب جسور وعقل متفتح وإيمان منقطع النظير..
عمر بن الخطاب رمز للرجل الشجاع، والمؤمن الصادق، والحاكم العادل، والمجتهد في الفقه، والبار بالرعية. وهناك شخصيات أخرى أحبها وأكبرها وأرجو لوألتقيها مثل عمر بن العزيز ومحمد الفاتح ويوسف بن تاشفين فاطمة الفهرية وزينب النفزاوية..
11ماذا كنت ستغير في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
أغير كل شيء:
أولا: لا أكتب حرفا واحدا، ولا أنتسب إلى الشعراء أبدا.
ثانيا: أن أحفظ القرآن الكريم مراعيا في ذلك أحكام التلاوة.
ثالثا: أن أواصل تعليمي العالي وأقرأ كثيرا وأسافر كثيرا وأزور مختلف بلدان العالم.
رابعا: ألا أصدّق بأن القصيدة يمكنها أن تغيّر العالم، وأنها تستطيع أن تهزم الرصاصة.
خامسا: أن أومن بأنه لا وجود للمطلق، في الفكر والحب والعلاقات مع الآخرين.
سادسا: أن أقول لعمتي بأنني أحبها قبل موتها، لأنني الآن بعدما ماتتْ لا أستطيع أن أُسْمِعَها كلمة الحب، على الرغم من القصائد التي كتبتها فيها.
سابعا: أن أعيش طفولتي التي اغتصبت مني.
ثامنا: أن أحافظ على عنفوان جسدي ولا أدخن السيجارة الأولى.
تاسعا: أن أشارك في معركة ما لاستعادة الفراشات لعروشها المنهارة.
عاشرا: أن أتحالف مع كل حامل للضوء ضد كل حامل للعتمة..
12صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لا بد من وجود محركات مكانية وزمانية. حدثنا عن ديوانك الأخير (لا أوبخ أحدا)، كيف كتب وفي أي ظرف؟
ديوان (لا أوبخ أحدا) صدر عن مؤسسة مقاربات التي يديرها القاص والناقد الصديق د. جمال بوطيب، يضم خمسة فصول وهي كالآتي: (تمارين لا بد منها) و(لا أوبخ تفكير الغابة) و(أتوسد حقل نجوم) و(غبار لا يغادر المزهرية) و(كأنني أرى شيئا يدنو). كما أنه مدعم بقراءتين نقديتين للشاعرين الصديقين د. أحمد بلحاج آية وارهام ود. مصطفى الشليح. والديوان هو امتداد لديوانين شعريين سابقين وهما (أمواج في اليابسة) و(سماء لا تسع السرب)، فهو يشكل خاتمة لثلاثية شعرية تنفرد بطموحها في كتابة بلغة شعرية تدنو من اليومي والبسيط، غير أنه لا تنقله على الورق نقلا مجانيا، وإنما تسعى عن وعي مسبق إلى تعميقه بضخ دم التأمل في شرايينه البيانية.
كتبتُ الديوان في 2018 وحظي بجائزة المغرب فرع الشعر موسم 2019. وهو من أهم إنتاجاتي الشعرية لأنني قلتُ فيه ما كنتُ آمل قوله بدون عجرفة لغوية ولا غنائية مسرفة في جَرْسِها الموسيقي الثقيل، بل إنني كنتُ أطمح، بتواضع لا مراء فيه، إلى خلق انسجام وتشاكل بين الإيقاع والرؤية الحداثية والتفكير واستثمار عناصر العالم من غابات وأدغال وبحار وحيوانات وحشرات وغيرها.
13. كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
بالنسبة للنشر الإلكتروني فهو سلاح ذو حدين؛ لأنه من جهة يشكّل مساحة عمومية ينشر فيها الجميع دون رقابة من الكاتب والقارئ، وبدون إعمال الجهد في تطوير الجملة الشعرية والاقتراب من وجع العالم. وهو من جهة أخرى يمثّل نوعا من الديمقراطية في النشر والتداول للوصول إلى أكبر عدد من القراء. غير أنني أعتقد أن هذه الوسائط الإلكترونية، الفايسبوك نموذجا، لا تصنع شاعرا حقيقيا، وإنما تساهم بقدر كبير في نشر النصوص وانفتاحها على جغرافيات قرائية أخرى..
14. كلمة أخيرة او شيء ترغب الحديث عنه؟
ختاما، أريد التوجه بالشكر العميق للمبدع الصديق رضوان بن شيكار على إتاحته الفرصة لوجداني ليتدفق ببعض ماء اليقين بخصوص قضايا وأمور تتصل جوهريا بالشعر؛ كتابته وتداوله وعلاقته بالذات والآخر والمجتمع.