بقلم : حمزة شيوب /المغرب
يحمل الأدب أهمية كبيرة داخل أي مجتمع ، لما له من دور في عكس الواقع الإجتماعي داخل المجتمع ، وقُدرته على وصف الواقع وتحليله ، غير أنه تأخرت بوادر ظهوره في بعض المجتمعات ، نظراً للمجموعة من العوامل السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، في مقالنا هذا سنتطرق إلى الحديث عن الأدب المغرب أُنموذجاً ، في المغرب يتميز الأدب بكونه أدبُ كفاح وأدب معركة وأدب أصالة، على اعتبار أنه منذ الاستعمار ، لم يجد المفكرون من سلاح لمكافحة ومواجهة المستعمر غير سلاح الكلمة، فبات الأدب المغربي، منذ ذلك الحين، أدب حرية وفكر ومقاومة . فقـبل استقلال المغرب (1956)، كان الأدب التقليدي العربي الفصيح يضطلع بـدورٍ أيديولوجي لإسنادِ سـلطة «المخزن»، الـملكيّة المتهاوية ، التي فـقدتْ وضعها الاعـتباري بعد اسـتسلامها وخضوعها لجيش الاحتلال الفرنسي والإسباني ولحمايتهما (1912). وحدَهـا ثقافة شعبية، بِلغاتٍ متعددة، شفـوية في معظمها، استطاعت أن تؤثث فـضاءَ مجتمع مُـنـهك، يعاني من وطأة «المخزن» التيوقراطي ومن الحماية الاستعمارية… خلال أربعينات الـقرن الماضي، بدأ نـشـرُ نصـوص شعرية وروائية، بالعربية والفرنسية، لـكل من التهامي الوزاني، وعـلال الفاسي، وعـــبدالمـــجـــيد بنجـــلون، وعبدالكــريم بن ثـــابت؛ وبالفرنسية: أحمد الصفريوي، وإدريس الشـرايبي… وكشفت تلك النصوص المحدودة الـعدد، بـصماتٍ جمالية مـتـأثـرة بـمـصدريْـن: أحدهما يُحيل على الـشـرق العربي الذي كان قطع أشواطاً على طريق التـجديد الأدبي؛ والثاني يسـتمد جماليته من الغرب المتوافـر على أشكال عدة في الإبداع. غير ان الأدب المغربي لم يتم نهوضه بشكل تام إلا بعد الإستقلال من المستعمرين الفرنسي والإسباني سنة 1956 ، حينما جاء الإستقلال تحرر المغرب من كثير من العراقيل ، تحررت الصحيفة والمجلة والكتاب، مما ساهم في ظهور عدة مواهب جديدة في ساحة الأدب ، فأولى العقبات التي أدت بالأدب المغربي نحو النهوض كانت الحرية ، الحرية التي افتقدها الفكر في المغرب نتيجة للحرية التي افتقدها المغرب في الميدان السياسي منذ بداية القرن الماضي. ولعل المغرب يضرب أروع مثل في اتصال الحرية بالفكر، وفي قيمة الحرية كمتنفس للأدب ومجال لازدهاره ويقظته. فإن الظروف السياسية التي عاشها المغرب طوال نصف قرن كانت بمثابة خناقة تخنق كل متنفسات الفكر والأدب. وكان الأستاذ والروائي المغربي محمد التازي، قد قال خلال كلمة ألقاها في مؤتمر الأدباء العرب عام 1969 إنه “لا فكر بدون حرية، و لا أدب بدون حرية، ولا تاريخ بدون أدب”. فإنعدام الحرية كان سبب رئيسياً في تأخر ظهور الأدب في المغرب ، وقد ازدهر الأدب المغربي الحديث مع مجموعة من الكتاب من بينهم” محمد شكري ، محمد زفزاف ، ادريس الشرايبي ، محمد برادة ، وادريس الخوري ..” هؤلاء الروائيون والكتاب كانو مجرد بداية ، أتى من بعدهم العديد من الروائيون والشعراء وكتاب المسرحيات ، يعتبر محمد شكري من بين الأدباء المغاربة الكبارة الذي خلف رصيدا أدبيا يتضمن مجموعة من الروايات والقصص والمسرحيات، أشهرها روايته المثيرة للجدل “الخبز الحافي” التي تُرجمت إلى أكثر من 40 لغة ، بالإضافة الى صديقه محمد زفزاف القاص والروائي الذي سجل حضورا مميزا في المشهد الأدبي المغربي والعربي ، وعرف بشاعر الرواية المغربية ولقب بالكاتب الكبير. يُعد من بين أكثر الأدباء المغاربة قراءة في العالم العربي، وقد ترجمت مجموعة من أعماله إلى لغات أجنبية ، فلا يمكننا الحديث عن أدبٍ مغربي دون العودة إلى أعمال محمد شكري ومحمد زفراف ، اللذان يعتبران قيمة أدبية وثقافية ثمينة ، خلفا أثرا ثقافياً كبيراً ،
آفاق حرة للثقافة
نشكرك على مراسلتنا. . سنرد عليك في أقرب وقت.
في قرية منسية سُمِّيت قديمًا بِـ إغَشَّامَانْ ، في سنوات التسعينات رأيتُ نُور الحياة المظلمة لأول مرة في هذه القرية ، بجَبَل إشَطِّبانْ ، هناك ولدت وكبرت ثم رحلت حين وصلت الثاني عشر من عمري ، إلى بلدة بودينار التي كُنْتُ أسمع عنها فقط ، رحلت لأدرس هناك في المدرسة الإعدادية ، لم أكن حينها سوى طفل بريئ لم يرى مرارة الشارع بعد ، على باب المنزل الذي إستأجرته وقف أبي يودعني ، تنهّد بجملة نقشت نفسها في جدار الذاكرة : – يا إبني أنت الأن وحدك لا أمك ولا أبوك سيراقبونك ، كن أو لا تكون .. ثم رحل أبي وتركني وحدي داخل جدران البيت الأربع ، لا حنين ولا رحيم ، لا أملك سوى بعض الدراهيم القليلة في جيبي ، أقضي بها بعض الأيام ، ذُقت في ذلك البيت مرارة الحياة وقساوتها ، كبرت هناك وحدي في الغرفة المهجورة بين أحضان الجدران ، طيلة السنوات السبع التي قضيتها هناك لم أشبع فيها الخبز . سئمت من تلك الحياة فهربت تاركا ورائي الدراسة ، هربت إلى مدينة لم أسمع بها يوماً ، لأبحث عن الخلاصة من عبئ الحياة ، عملت حمالا وماسح أحذية ، ثم إنتقلت لبيع الجرائد في المقاهي وعلى الأرصفة .. مضى رهطا من الزمن الصبي صار رجلا وما زلت أقاتل ، لا أعرف ضد من ؟ لا شك اني أقاتل ضد الزمن نفسه ، أنتقم لشقاء طفولتي ، حيث كان الزمن يدقُّ دقَّاته ويمضي ، وكنت أنـا الـصّبـيّ المتشرد الخادم النّـائم على الدرج ، أستعجل الزمن واقول له إمضِ، وها قد مضى ، كبرت ،صرت رجلا وما زالت أنام على الدرج وأصحو صباحا لأبيع الجرائد في المقاهي والأرصفة . بعد خمس سنوات من الغياب إشتادني حنين إلى الريف إلى مدشري “إغشامان” فرميت الجرائد وغدوت إليه ، حين وطأت قدمي في أرضه ، أخذني إشتياق كبير لرحاب منزلنا الطني الكبير ، وسياج القصب الذي لم يكن بينه وبين باب منزلنا سوى خطوات قصار ، وإلى البئر الذي طالما تسارعنا إليه أنا وأطفال حارتنا لنغسل أيدينا وأرجلنا حين ننتهي من اللّعب في التراب .. وصلت قرب منزلنا ، فلم أجد سياج القصب الذي كان يُحيط بمنزلنا ، ولم يكن منزلنا الطيني هو نفسه ، لقد تغير وأصبح منزل مُعد بالإسمنت والياجور ، هذا التحول وقع منذ ستة عشر سنة ، لكن ما زالت ذاكرتي حين أكون عائدا إلى الريف تُصوِّر لي صورة المنزل الطيني وفناؤه الشاسع ، كأنه ما يزال هناك .. وتصور لي أيضا ذكرياتي معه كشريط سنيمائي . فإذا أوَت الشمس إلى كهفها ، والناس إلى مضاجعهم ، وأطفئت السُّرُج ، وهدأت الأصوات ، تأخذني أمي وتَعْدُو بي إلى زاوية في حجرة صغيرة ،فتُنيمني على حصيرة قد بُسِط عليها لِحاف ، وتلقِي عليَّ لِحافًا آخر ، فتعود أمي مسرعة لتأخذ أخوتي الأخرين الذين غلبهم النعاس في فناء المنزل ، وتضع كل واحد منهم في مكانه داخل الحجرة الصغيرة التي تجمعنا جميعا .. كنت أستيقظ مبكراً مع تجاوب الدِّيَكة وتصايح الدجاج ، فأبقى متكئا حتى أسمع أزِيز المِرجَل يغلي على النار ، فأقوم لأغسل وجهي لأستعدّ للفطور ، لكي أذهب مع أخي الكبير للرعي .. ننطلق مع شروق الشمس ونعود في غربها ، نمر عبر التلال والجبال نبحث عن هضبة ما يزالُ فيها العشب نابتا . فنترك الأغنام هناك تلتهم العشب، ونسوح نحن في إتباع الطيور والأرانب البرية لِإصطيادها بالجبّاد ومِجداف زَوْرقٍ صغير يشبه الهراوة … بينما كنت غارقا في ذكرياتي شعرت بتمسح قطة بساقاي ، فإنغمست عائدا إلى ذكرياتي حيث كنت أجرجر ذيل قطتي ، وأقطف من عريشتها ، وأحلق شواربها .. فجأة سمعت صوت جدتي : هل هذا أنت يا إبني ؟ مرحبا بعودتك .. لا تقف خارجا تفضل بالدخول .. قبلت جدتي وعانقتها ، ثم دخلت وتركت ذكرياتي تتصارع خارجا ..