الشاعرة اليمنية “عائشة المحرابي”  وإشراقة الأمل  في ” سلامًا أيها الفجر  “

قراءة :أحلام حسين غانم

مدخل

” أكثر الأفراح حزنًا، أن تكون شاعرًا. كل الأحزان الأخرى لا قيمة لها حتى الموت”

-لوركا-

يرفع مصطفى صادق الرافعي من قيمة القوى الداخلية التي تمنع الأسوأ أن يكون أسوأ مما هو  حيث يقول : “سرّ السعادة أن تكونَ فيك القوى الداخلية التي تجعل الأحسنَ أحسن ممّا هو، وتمنعَ الأسوأ أن يكون أسوأ مما هو”..

يحمل لنا   “طائر المساء ” الذي يلاحق الشاعرة اليمنية ” عائشة المحرابي ”  في كتابها الموسوم :” سلامًا أيها الفجر”  سرّ القوى الداخلية.. هل  تصدق رؤية “الرافعي”.. ؟

” سلامًا أيها الفجر”

بين  صراع القوى الداخلية  وإشراقة الفجر  بحر من المعنى يوقظ فينا هديل القلب، ويعطينا الوعد الصريح بأننا سنظفر بمطلع الفجر في طيات المجموعة الشعرية  الموسومة “سلامًا أيها الفجر” الصادرة عن مؤسسة أبرار للنشر والتوزيع – اليمن / 1440 هـ- 2019 مـ

ينتمي القسم الأول من المجموعة إلى قصيدة النثر، والقسم الآخر ، قد جنحت نحو القصيدة القصيرة   الشديدة الشبه بفن التوقيعة؛ لتكثيفها، وإيجازها، ولوحة الغلاف من إنجاز وتصميم المصمم الجزائري / كمال النجار.

أفق روحي:

ترحل بنا الشاعرة “عائشة المحرابي ” قاب جرحين في ركب الغواية ،و تقطع مسافات  ضوئية  نحو أفق روحي ،تصطاد المعنى على أشجار عدة مرجعيات: فكرية، وفلسفية، وصوفية؛ لتصيغ عليه من المجاز وتمنحه أبعادّا   ،وتخطَّ فوق أسطر الزمان  صورة لطائر الخراب ،وتقبض  على ذاتها الشعرية الشريدة، التي لا تنأى عن سؤال الحداثة الشعرية ومزالقها وغواياتها  لتبعثها من هذا الغياب – المَوات  على مدى 125 صفحة  من القطع الوسط وهذا تماهٍ عميق  بالشعر والبوح والكلمات .

يظهر لنا من بداية العنوان أن المتلقي لن يدرك معنى الفجر إلا بوجود واتصاله مع  تناص /فجر آخر، أي أن كل صورة أو فكرة أو حدث له إما دلالة ما أو اتصال مع شيء آخر.

من حيث كون العنوان جزءاً من “مجموعة من الدلائل اللغوية التي يمكنُ أن تُوضع على رأس النصّ لأجل تعيينه، وتحديد مضمونه العام، ولأجل جذب الجمهور المستهدف”(1)، كما يذهب في ذلك الرائد في علم العنونة ليو هوك.

القوى الداخلية:

ومن هذا المنطلق ،يُعتبر العنوان “سلامًا أيها الفجر”  مدخلًا لغويًّا واستشراقًا فكريًّا ، يحملُ ومضاتٍ دلاليّةٍ تُنير مداخل المحتوى /  القوى الداخلية وتتجلّى من خلالها فحوى وآفاق  الفجر /النّص  لتُتيحَ للقارئ التخيّل والإبحار في المضمون وفقَ منظوره الثقافيّ ومشاربه الأدبيّة وأبعاده التّحليليّة.

نجمة القُطْب :

من هنا  تشكل دلالة العنوان بمثابة نجمة القُطْب التي نستدل على هديها لاستكشافه، ذلك أن اختيار العنوان “سلامًا أيها الفجر ” ليس عملاً شكلياً معزولاً عن  “يوميات هديل القلب / فضاء النصوص، بل يشكل علامة أيقونة فارقة منتزعة من صميم  إبداع الشاعرة “عائشة المحرابي، إنه وإن كان يقدم نفسه بصفته عتبة رئيسية كما يعرف ذلك السيميائيون.

إيحاءات دلالية :

لننظر إلى عتبة العنوان  ما نظر إليه “رولان بارت “فإنه ينظر إلى العنوانات بأنها “أنظمة دلالية سيمولوجية تحمل في طياتها قيمًا أخلاقية ،واجتماعية ،وأيديولوجية “(2)

إذ تسبقُ إهداءَها  عتباتُ  سلام من كل امرئ، فتنفتح  نصوصها  على إيحاءات دلالية متنوعة،  ففي استقرائنا  لهذه العتبات ، نجد  اثرَ القرآن الكريم  كبيرًا وواضحاً  بجلاء من خلال التناصّ مع الآية الكريمة :  ﴿ سَلامٌ هيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ ،[ سورة القدر: 5]

بهذا التقاطع ، يحدث التفاعل الروحي المتلاحم والمتقاطع مع دلالة العنوان الذي حمل اسم المجموعة  “سلاماً ايها الفجر”

المفاتيح السّحريّة :

وإذا كان العنوانُ عتبةً مهمةً على مشارف  الفجر /النّص ودرجة أوليّة للولوج إلى أعماق الذات، فإن العتبات الأخرى من استهلال وإهداء   ومطالع النصوص هي المفاتيح السّحريّة لأصفاد الجوهر، لها جاذبيتها وإثارتها واستهلالها على المتلقّي.

تقول الشاعرة في الاستهلال الذي سبق الاهداء معبرة عن هذا  التمزّق الداخلي  العنيف الذي يصيّر الذات  بلا هدف أو جدوى: “لم يكن ما كتبتُه فيكَ /أضغاثَ أقلام /  فأنت الحقيقة لقلبي ، ووطن الأحلام ْ. “ص-1

هنا الاستهلال يمزج بين المرئي من الحياة وما فيها من أحداث تمر على الشاعرة والتي أدت لكتابة هذه  الحقيقة /الصورة وبين اللامرئي من أضغاث أحلام التي تكون مختزنة في وعيها.

مكامن القوى الداخلية :

لا شك أن الأمل هو دواء الأرواح إذا خامرها داء اليأس، فنرصد بهذا التقاطع تداخل العوالم وتمازج الألوان وبروز عناصر التفاؤل وإشراقة فجر الأمل كسبيل للخروج من الظلم والظلام، الى مكامن القوى الداخلية حيث المحبّة والسّلام.

إن الدعم القصدي واضحٌ في هذه المجموعة الشعرية من قبل الشاعرة، فالعنوان الرئيس _ هو عنوان الإهداء نفسه-، وبهذا يتمازج التناص القرآني مع الإهداء والعنوان الرئيس  إذ تقول : “إلى شقيقتي الراحلة ( زينب ) توأم الروح ، وندى الحياة  وفجرها التي رحلت وتركتني دون حياة ، سلاماً عند مطلع كل فجر !!” ص-2

هروب معنوي :

إن هذا التمازج  بمثابة  الصلاة  التي تمنح  البوح هيبته ،وإن جاءت  الصورة هنا دلالة على الهروب من الواقع ومن فكرة الموت / موت الأخت / زينب هو هروب معنوي يغلّف  ضآلة  الشعور والإحساس بالنفس بعد فقد الأخت التي هي بمقام الأم .

وكم هو قوي وجه الشبه بين الأمل / الفجر  والموت ؛ فالأمل هو مفتاح الحياة الدنيا ، والموت هو مفتاح الحياة الآخرة .

الطاقة الشعرية:

ولا يمكن الوصول إلى تلك الفكرة / المعرفة الوجدانية  الموت / الحياة /” الشعر ”  والدخول إليه إلا بعد رحلة طويلة تنزف  فيها الروح ،لكي تكتب  بنزيفها ” نُقطة حُبٍّ “ونجد ذلك  من خلال انعكاس صورة الفقد  والصور المقابلة لها في تفعيل الطاقة الشعرية في النصوص.

تقول : تتكاثر الأشواقُ  في كُلِّ ضياءْ  مِنْ نهارْ / أحقاً ( زينبُ)  رحلَتْ ؟؟؟!/ وفي كل زوايا القلب / رسْمُ ابتسامتها،/ ورجعُ صدىً  لصوت همسها /”. ص-47

تستدعي الشاعرة “طائر المساء ” بلغة درامية لتجسيد التوتر من خلال مقابلة الصور  المرسومة على بئر الماضي التي تقول فيها :يحمل تحت جناحيه / زهرةً وخنجراً / ودمعةً في بئر الماضي لا تجفْ “ص- 33

روح الشاعرة  تحاول اقتلاع  النصال من قلبها الحزين ، تحارب قدرها  مع الحب  والحياة والموت ، وتتداخل بأبعادها الدلالية  مع الزمن  وهذا التداخل  اللانهائي هو جمالية من جماليات الحداثة الشعرية .

تحاول أن تُقدّم مشهداً عاماً مكثفاً مختصِراً لجزيئات مشهدها الشعري الموزع عبر مفردات “اغتيال الشوق “، وتفتح الطريق أمام رزنامة الليل / التلقي للدلالات القابلة للانزياح حسب درجة الصدمة التي يخلفها ذلك السؤال المندهش في الذات المتلقية للسؤال ومشهده:

” عبثًا يبحث / عن سرّ الغيابْ/ ويُفتّشُ  في غُموضِ الكلماتُ،/ يسألُ الأحرفَ: / مَنْ يغتالُ ومضَ الشَّوق ِ،/مَنْ ينزعُ رباطَ  العهْدِ / من رزنامة الليل المُثير ْ / فالمساء متعبٌ / لا نجومٌ ولا قمر ، لا عِشق / لا أحلام  ! / ص- 25

لم تقف استراتيجية تكثيف المشهد الشعري في هذا المقطع عند سؤال الدهشة وحسب،  لكنها- وقبل الولوج  في سؤالها المندهش قدمت لهذا السؤال بعلامتي استفهام وعلامتي تعجب تقاربان – بشدة –  لحظة الحيرة والقلق والألم والتحسر التي تقود المشهد:  ” يبقى السؤال مُعذّباً / ينوح ُ في ذيل السؤالْ :/ هل يصدأ الحُبُّ ؟ وكيف تموتُ أزهارُ اللقاء ؟!/ولماذا / يُورِقُ البُعْدُ/ بأغصان الغياب ؟؟/ لا شيءَ  مفهومٌ هنا / غيرُ سؤاليَ  المصلوبِ :في  وجع الشفاه /( لمااااااذا)؟؟!!/ ص26

نلاحظ أن  الشاعرة تكثر من علامات التعجب والاستفهام  وهي علامة التأثر  وهي من علامات الترقيم: ! تستخدم لنقل مشاعر قوية مثل: (الفرح والبهجة أو الحزن أو الغضب )!! تدل على الغضب أو التعجب والاندهاش .

تعْبُر عائشة المحرابي  الدهشة  في كل سجدة شوق ،وهي تمسك  بأيدينا  لنعبرها معاً ،وبكثير من اللاوعي  باللغة الجمالية  ترتّل  آيات الرجاء علّها تدرك قلقها الوجودي..

تقول :أحتضنُ العلمَ في صوتك،/ ارتّله للفرح قصيدْ/ يا سّجْدةَ ضوءٍ، يا واحةَ أمنٍ/ قل لي : / كيف ألملم هَمْسَكَ،/ نبرتَكَ/ آهاتٍ تُبحرُ  عبرَ مداكْ؟!!/ ص-83

تنتقل بنا إلى دهاليز النصوص  ومضامينها  التي تبدو كقطعة شعرية تتغنى بالحب والموت معًا ،وتقتات  الذات الشاعرة  الوحدة والغربة والحزن  والموت والتلاشي ،وترتفع أوتار العزف  الصوفي ،و  تحاول الإقلاع بأرواحنا إلى برزخ  من الصور والمعاني  لتعطي الشعر  مفهومًا آخر  قبل أن تستلقي على عرش الفَيْروز كملكة  مراياها :العطر ُ ،والكلماتُ ، والصبوات .”

هذه  المقابلة / المرايا / الصبوات/ العطر /الكلمات  تتماوج في ثنايا  العين ،و توقظ في المتلقي عواطفه وتجعله يشارك الشاعرة في انفعالاتها وأفكارها ويضع مقارنات تعمل علي نقل الإحساس بدرجة أكبر وتقوم بالإشارة إلي عناصر مختلفة متقابلة مما يؤدي إلى نقل الفكرة والإحساس بدرجة أكبر وهي  تعلقها  كلوحة شوق على ثغر  الفجر القادم ،وتضعها جدائلَ من نور  على  مِعْصَمِ الرَّجاء حيث  يسوّرُ تفاصيل حركية  ونفسية وشعورية ، وهذا الصدى المتكرر  يسهم في إغناء  نسق الصورة الشعرية  وما هو  إلا صدى للآهات الموجعة  و الانكسار الذاتي  وعبر صوت مكلوم  تنادي الفجر القادم:”أيها القادم من فرح الأمنيات ،هَاكَها ..

اغرسها زهرةً  بكفك ، علقها لوحةَ شوق على تغركَ ،..” ص-6

وعلى تخوم  الصمت وبخوف شديد ترسم الشاعرة ” عائشة المحرابي ” ملامحها الذاتية ، كما رسمت قسماتها الفيزيولوجية  وخصائصها النفسية ورؤاها الذهنية  وتستند  على خارطةِ  صبرٍ زينبي ، لتدخل في دوامةٍ شجيِّةٍ من  جداول الحقيقة الصّافية، والسلام الداخلي .

تقول : أخاف عليك من الاحتراقْ،/ فغول الأسى والنَّدمْ/ يَ شُبُ حرائقَهُ/ عِندَ تُخُمِكَ منذُ ألفِ صمتٍ وصمت ..!/ أخاف من الآه وهي تجوب الشوارعَ../ ص 95

وإذا حركنا حرف العين من شوارع تصبح شواعر لنجد أنا الشاعرة   تتوحد بالكل لتصور لنا  بلغة الفقد مطاردتها للخوف  الذي يعشش داخل الذات  من يدور في فلكها و يوحي بوجع مضاعف وهي تسافر بالمتلقي عبر دروب المتاهة تقول : فتشْ في مواقد الليل/ على فحم الذكرى / اطمسْ شمسََ الأمس ،/ مزق عصب الضوء ،/ مارس طقس جنونك ،/ لملم شتاتك ،/ وشظايا  زَهْوك ، / ابحث عن صورة  حطَّمها الألم ..!” ص- 6

تقرع “عائشة المحرابي” جرس الشكّ لتصبح الكتابة  ألذ الذنوب  ،  وسلوكًا  صوفياً ينقلها على مستوى الحياة  المعيشة  وتتوغل بعيدًا لكشف الغطاء عن أعمق ما في مشاعر الإنسان العربي من خصال ومثالب  وهنا يتجسد العبور الصوفي تقول :  دعني وديعةً بين  حناياك ْ،/  جمّلني/ بأشيائك السندسيّةْ،/ خذني على ضوع عطرك / محمولةً كفراشة ْ! ” ص- 100

يعتبر سؤال الغياب من بين الاسئلة  المحورية التي تتناولها النصوص  وتكشف عن طبيعة   العلاقة بين الشاعرة  والذات الإلهية باعتباره صلاتها الأولى  وكطيف تراه ولا تراه  ،ونقطة لقاء سقطت  من شفاه السطر .. تقول :” أحبّك ، وأتعلق بأحلامي  كتعلّق فجري بالندى ، فلا تخبر الأزهار َ بما جرى “. ص-114

تبدو قدرة  الذات الشاعرة   على تحويل مظاهر الحياة وقضايا الوجود  إلى لغة إيحائية  ورمزية ،  تتوسل بالأخيلة والصور ،  والمجازات ،  واستنادها  إلى المعاني  الممتدة والمفتوحة  على الاحتمالات الممكنة  واللاممكنة ..والذات الشاعرة  أحبت الإنسانية فاتحدت بها  بالكون  لذا يأتي اعترافها بالحب  ، من بوابة الكشف عمَّا يشكل  هوية الإنسان الوجودية ، إذ بدونها ، لا يعود هناك معنى  للحياة .

مسار تصوفيّ:

بمسار  روحي  مشرع على التعابير الإنسانية ومنفتح على اليومي والعابر   ، ومسار تصوفيّ رمزي متّسع  الاتجاهات  متشعب الآفاق والرؤى  ومتوحد  مع العالم اللامرئيّ وتبحث عن طريقة احتضانه واحتضان  واحاته بحميمية  ..إذ تقول :” احتضنُ العالمَ في صوتِك/ أرتّله للفرحِ قصيدْ/ يا سجدة ضوء ،/ يا واحةَ أمنٍ / قُلْ لي : /كيف ألملمُ همسكَ ،/ نبرتكَ/آهاتٍ تُبحِرُ  عبرَ مَداك ّّ!! ص- 83

لعبة الأسئلة:

من نصٍ لآخر  ومن توقيعة لأخرى تعود  ” عائشة المحرابي “إلى لعبة الأسئلة المتبوعة بعلامات التعجب التي تقيها وهج الدهشة وتفتح التوقيع ذاته على مزيدٍ من الدهشة ذاتها لدى التلقي، ليتحول المشهد الشعري برمته  إلى لوحةٍ يشرع  الفجر /المتلقي في رسمها.

تقول  في توقيعة: “أينما تكونُ أعرجُ إليك / على بُراق الشوق  روحاً وصلاة “./ ص- 107

وتقول : قلبُهُ محراب شعري ، فكيف لا أغنِّي”./ ص- 109

تمتطي صهوة الكلمات وتقود رسن الأمنيات   على أملٍ أن تمنحها قصيدة التوقيعة   سرّ تلك القوى  الداخلية لمتلاكها لمولد داخلي يشحن جسد القصيدة بالتوتر القائم على بلورة المفارقة وصياغتها وقذفها الى ذهنية المتلقي عبر مسار المفاجأة المصحوبة بإشراقات  الدهشة..

ما يميز هذه التوقيعات الوحدة العضوية بين اللغة والفكرة ، المبنى والمعنى ، وما يميز هذه الوحدة امتلاكها جذوة النار / الشعر بين طرفين متجانسين ومتلاحمين يشكلان الإطار والمضمون ، وما يميز هذه الجذوة  إنها كتبت بنقاء وصفاء بعيدًا عن حالة الغلبة لطرف على طرف ، فلا اللغة حاولت التقرب من جرف المعنى ، ولا المعنى حاول السيطرة على البناء اللغوي . تقول :” حبُّكَ جذوةُ النَّار في دمي، فكيف تتجاهلُ الحرائقُ لظى أشواقي”.  ص- 113

نلاحظ أن هذه التوقيعات حاملة للخصائص التي تتمتع بها قصيدة التوقيعة من حيث الحذف الفني وازالة العوائق اللغوية والابتعاد عن التوصيف المترهل والايحاء الصادم الى غيرها من الخصائص .

قدرة الشاعرة ومهارتها في التقاط المهمل من الظاهر وتوظيفها وتقديمها لنا بشكل مدهش ، فهي تلتقط المألوف لتقدمه للمتلقي بطريقة غير مألوفة وهذا وجه من وجوه الابداع الحقيقي.

عصارة القول :

النصوص الواردة في مجموعة  الشاعرة ” عائشة المحرابي “سلاماً أيها الفجر ” هي نصوص خرجت من رحم التجريب والحداثة ولم تهمل التراث ولم تتجافى مع التغيير الحاصل في هذا العالم ، وهي تتوافق مع حالات التغيير الذي اتسم بالسرعة الهائلة .

و تغدو  الكتابة الشعرية  على حد راي رولان بارت  ليست سوى إيقاع القراءة نفسها وهي خطابات  اخترقت الذات الشعرية اختراقًا بعد  أن تشبعت  بها فسكبت في لحظة  أو لحظات على  الورق ،  فالكتابة الشعرية  هي فتح الذات  لكل ما يأتي  من الآخرين .” أي النفاذ إلى حقيقة الوجود المتجدّدة  باستمرار.

ويبقى السلام الداخلي أقرب الطرق إلى مكامن القوى الداخلية في  الإنسان، كما هي أيضًا طرق القدر، وللشاعر ة ” عائشة المحرابي” طرقها الداخلية المزدحمة بالعبور.. ومن تِرحالها الموزّع النّفس فيها إلى الأعمق و الأرحب والأبعد و الأرقى.

 

ــــــــــــ

هوامش:

(1) ـ نبيل منصر: الخطاب الموازي للقصيدة العربية المعاصرة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء ـ المغرب، الطبعة الأولى 2007، ص45.

(2)- السيمولوجيا والعنونة ،د. جميل حمداوي، مجلة عالم الفكر، م 25،ع3/1997 :96

 

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!