تحولات الرواية وتحديات النقد في كتاب “دينامية الأشكال والموضوعات في الرواية العربية” لإبراهيم أزوغ

بقلم:حسن لمين

   تعيش الرواية العربية في العقود الأخيرة دينامية لافتة على مستوى الشكل والمضمون، حيث تفاعلت مع التحولات المجتمعية والثقافية التي يشهدها العالم العربي، كما انفتحت على تجارب وأساليب سردية جديدة. في هذا السياق، يندرج كتاب “دينامية الأشكال والموضوعات في الرواية العربية” للباحث إبراهيم أزوغ، الصادر عن منشورات السرديات بالدار البيضاء، كإسهام نقدي نوعي يسعى إلى رصد هذه التحولات وتحليلها، انطلاقًا من منظور مزدوج يوازن بين الاشتغال على الأبعاد الفنية للرواية، واستكشاف القضايا التي تعبر عن انشغالات الإنسان العربي في لحظته الراهنة.

   يمتاز الكتاب برؤية نقدية تنفتح على التحولات المتسارعة التي عرفتها الرواية بين سنتي 2003 و2021، حيث اختار المؤلف التركيز على كيفية تفاعل الروائيين مع القضايا الذاتية والاجتماعية، وكذا استثمارهم للتقنيات السردية الحديثة سواء من خلال استلهام التراث أو الاقتراب من تجارب روائية عالمية. ويأتي هذا العمل ضمن مشروع أوسع لمنشورات السرديات التي أطلقت مؤخرًا سلسلة من الكتب النقدية، بدعم من وزارة الثقافة، تهدف إلى إثراء النقاش حول السرد العربي وتجديد أدوات قراءته.

   إن هذا الكتاب لا يكتفي برصد المنجز الروائي، بل يسعى كذلك إلى مساءلة أفق التلقي، وفتح النقاش حول مدى قدرة الرواية العربية على تمثل تحولات الواقع، وإعادة تشكيله بلغة فنية قادرة على الإدهاش والتأثير. ومن هنا، تتجلى أهمية الكتاب كمرجع نقدي يساعد القارئ والباحث على فهم تعقيدات المشهد الروائي العربي المعاصر، من خلال عدسة تحليلية دقيقة تستوعب التعدد وتحتفي بالتجريب.

   تعدد المضامين وتحوّل الرؤى

ينطلق إبراهيم أزوغ في كتابه من فرضية أن الرواية العربية، منذ مطلع الألفية الثالثة، لم تعد تحافظ على ثوابتها التقليدية، بل انخرطت في مسارات جديدة من حيث التيمات والأساليب. لقد أصبحت الذات الفردية بمخاوفها وهواجسها، والمجتمع بتحولاته وصراعاته، يحتلان مركز الاهتمام السردي، مما أفرز نصوصًا تُعيد النظر في قضايا الهوية والانتماء، والحرية، والعلاقات الاجتماعية، من منظور ذاتي تأملي في كثير من الأحيان.

   يركز المؤلف في الفصلين الأولين على هذه التيمات، حيث يُظهر كيف انتقلت الرواية من الاهتمام بالهمّ الجماعي والإيديولوجي إلى الانشغال بأسئلة الذات، النفس، والجسد. ويبيّن كيف أن بعض الروايات أصبحت تُخاطب هشاشة الإنسان العربي، لا بوصفه رمزًا لقضية كبرى، بل ككائن يبحث عن ذاته في واقع متغير.

التجريب الشكلي وتوسيع الأفق السردي

   أما في الفصل الثالث، فيُعالج الكاتب مظهرًا آخر من مظاهر التحوّل الروائي، ويتمثل في التجريب الشكلي. هنا يُبرز أزوغ كيف استعادت الرواية العربية بعض أدوات السرد التراثي (كالمقامة والسيرة وألف ليلة وليلة)، ليس بوصفها حنينًا إلى الماضي، بل كمخزون جمالي يُمكن توظيفه لتجديد الخطاب السردي. في الآن ذاته، تفاعل عدد من الروائيين مع التجارب الروائية الغربية الحديثة، فاعتمدوا على تقنيات مثل تعدد الأصوات، كسر الزمن الخطي، التداخل بين الأجناس الأدبية، وغيرها.

   يرى المؤلف أن هذا التجريب لم يكن مجرد نزوة شكلية، بل كان استجابة فنية لحاجة ملحّة إلى التعبير عن واقع معقد. ومن ثم، فالتجريب، في هذا السياق، لا يُقصي المعنى، بل يُعيد تشكيله.

الرواية كمرآة للتحولات الثقافية

   يستنتج الكاتب أن الرواية العربية، من خلال هذه الدينامية الشكلية والموضوعية، استطاعت أن تعكس التحولات العميقة التي شهدها العالم العربي في العقدين الأخيرين، بدءًا من التحولات النفسية والاجتماعية الفردية، وصولًا إلى التغيرات الثقافية الكبرى التي أعادت ترتيب أولويات الخطاب الفني.

   وفي ضوء هذا المعطى، يُعد كتاب إبراهيم أزوغ دعوة لفهم الرواية العربية المعاصرة باعتبارها مختبرًا لفحص التغيرات التي تطال بنية المجتمع والذات، كما أنه يمثل خطوة نحو بناء خطاب نقدي قادر على ملاحقة هذه التحولات وتفسيرها بوعي منهجي ورؤية منفتحة.

 

خاتمة

   إن “دينامية الأشكال والموضوعات في الرواية العربية” ليس مجرد كتاب يُتابع تحولات الرواية العربية، بل هو أيضًا مشروع نقدي يروم مساءلة الراهن الثقافي العربي من خلال النصوص الروائية. إنه دعوة لإعادة النظر في المفاهيم النقدية السائدة، وإعمال قراءة جديدة للنصوص الأدبية بما يعكس تعقيد الواقع وتشظّي الرؤية المعاصرة.

   بهذا المعنى، يُشكّل الكتاب مرجعًا هامًا لكل باحث ودارس في حقل النقد والسرديات، وهو إضافة حقيقية للنقاش الثقافي حول الرواية العربية وآفاقها المستقبلية.

 

عن محمد صوالحة

من مواليد ديرعلا ( الصوالحة) صدر له : كتاب مذكرات مجنون في مدن مجنونة عام 2018 كتاب كلمات مبتورة عام 2019 مؤسس ورئيس تحرير موقع آفاق حرة الثقافي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!