لصحيفة آفاق حرة:
تقديم
لديوان “قحط على شفاه الغيم”
للشاعرة “فضيلة معيرش”. الجزائر.
بقلم- الروائي محمد فتحي المقداد. سوريا.
“قحطٌ على شفاه الغيم“، عبارة طويلة نسبيًّا كعنوان لكتاب، ربّما لا ترسخ في ذهن القارئ. لكنّها بجدليّتها الدلاليّة إذا أُخِذ منها الجانب التأويليِّ؛ فصدمة البداية تجلّت في كلمة” قحط“.
ولتأكيد الصدمة لا بدّ من التثبُّت مع معناها قاموسيًّا؛ فتكون في معجم المعاني:
“قحط: جَدْب، مصاب بالمجاعة، وجفاف بسبب احتباس المطر، ويبس الشيء، وقلّة خير الشيء“؛ فالقحط معلوم أنّه يُصيب البلاد والأماكن، ليُحيل حياة الناس إلى ضَنَك، وشدّة وقلّة حاجة.
أمّا أن يُصيب القحط شفاه الغيم؛ فكأنّنا أمام تشبيه بليغ؛ فحذف المُشبّه به وهو: الإنسان، وأبقى الشّفاه: وهي من لوازم الإنسان، فكان تشبيه الإنسان الخيّر بالغيْمة الماطرة حاملة أسباب الحياة للإنسان.
وإثارة جدليّة التفكير؛ لتذهب في اتّجاهات البحث والنبش خلف المعاني، والذهاب في دروب التأويل؛ لاستخلاص ما ورائيَّة الفكرة، وإنتاج قراءة جديدة خاصّة بها.
خلال التِطواف بين قصائد ديوان “قحطٌ على شفاه الغيم“، تكشّفت إشكالية الشاعر والمُتلقّي، وإشكاليّة ذات الشّاعرة التي احتّلت معظم أبيات قصائدها، وتبدّت هذه النقطة عن اغتصاب ذات الشاعرة لمعظم أبيات قصائدها، وتبيّنت قصديّة هذا المنحى من فم الشَّاعرة، وباللُّجوء إلى مدارات التأويل؛ فيمكن استنتاج تكريس الشاعرة ذاتها من خلال الشِّعر، وهو ما ينحو وجهة السيرة الذاتيّة، وهذا ممكن وجائز في مناخات حريّة التعبير الإبداعيِّ؛ فيجوز تذويت السِّيرة شِعرًا، هذا مقبول إذا بقي ضمن حدود مُلتزمة بجوهر وروح القصيدة، ولا تطغى على شعريّتها التصويريَّة، وصيغتها البنائيّة.
فكانت “الأنا” هي الظاهرة بحكاية الذات بصيغة ضميرها المنفرد المُتكلِّم، ومرّة بطريقة استخدام الضمائر المُضمَرة في الأفعال المُضارعة الدالّة على المُستقبل قريبه وبعيده إذا اتصلت به “سين”. إضافة ل”سَوْف”، وقليل منها جاءت بصيغة الماضي، كما ترافقت وُرودًا بأسماء تحمل صيغة دالّة على الأنا المُتكلِّم.
وللاستدلال على هذا المنحى، تأتي الإجابة من القصائد كما يلي:
- الصيغة الأولى “الأنا” بضمير المُتكلم عن نفسه:
“أنا فيافي جفّت غدران حيرتها/ أنا أماسي دموع/ أنا هنا زورق الأحلام/ أنا في كتاب الضيم/إني عاشق متيم/ إني تشوّقت يا نفحة/ أني عابد متصوف/ أني إليك الآن أعترف/ إني وحدي من الوجد أرتجف”
- الصيغة الثانية “الضمير المُضمَر” الدالّ على “الأنا“:
“سارت قوافلُ حلمي/ أغفو على جفن صبري/ أسكبُ النار/ تُسعدني/ أمضي مسالك نزفي/ تسير أمنيتي/ بكت مهجتي/أصافح الغيث/ النجم يرقبنا/ أستعجل البوح والأشواق تحملني/ سحابة تُمطرني/ أهيمُ في مدحك/ أعتقتُ جرح الهجر/ صمتي أنقشه/ زورق الأحلام يحملني/ جروب الحزن تعرفني/ الأوجاع تشبهني/ أكتُبُني/ نسجتُ من أمنيات الأمس/ ترتاح نفثة زفرتي“. هذه طائفة من الأمثلة جاءت تدليلًا على ظاهرة الضمير الدالّ على المتكلم.
كما إنَّ إشكاليَّة ذات الإنسان تلتبِس بالذات الشَّاعرة في محاولة الهَيْمنة عليها لإثبات نفسها. بينما الشاعر يكفيه أنّه شاعر، ولا حاجة له بسلوك هذا الطريق.
لكنّ “ فضيلة معيرش” الشّاعرة؛ انطلقت بأفكارها؛ سابحة عبر قصائدها الوجدانيَّة مُحمَّلة برؤًى جماليّة؛ تُحاكي النفس وخواطرها، ومخاوفها، وهواجسها، وأفراحها وأحزانها، بروحانيَّة شفيفة التعاطي مع الهمّ اليوميّ، والواقع المحيط محليًّا وعربيًّا؛ معلوم أنّ فرح وغضب الشّاعر، ما هو للتعبير علنًا بانعكاسات مرايا واقعه، وبصوت مسموع للدنيا بأجمعها، ليكون لسان مجتمعه وأمّته.
وهذا ما عبّر عنه العنوان الرّئيس للمجموعة الشعريّة “قحط على شفاه الغيم“، لتفتح آفاق الرّؤى الجماهيريّة للانتباه لتجاعيد الواقع والمحيط، في محاولة النُّهوض للخروج من عنق الزجاجة.
……
عمان. الأردن
١/١٢/ ٢٠٢١