لصحيفة آفاق حرة:
تقديم لكتاب “حداثة النصّ – قراءات في النص القصير جدًا” للأديب والناقد “علي أحمد قاسم”. اليمن
بقلم الروائي: محمد فتحي المقداد. سوريا.
(غلاف الكتاب. تحت الطبع. وسيصدر قريبا في القاهرة)
….
“لكلّ مُجتهد نصيب” ، كما يُقال: الاجتهاد وحده لا يكفى، إلَّا إذا كان مُقترنًا بالموهبة، ولا يتكرّس ذلك واقعًا ملموسًا ذي أثَر، كما رأيتُ وتابعتُ الصّديق “علي أحمد قاسم“، خطوة بخطوة، رغم وُعُورة وصُعوبة الطريق، إلَّا أنّ إصراره على الوصول، هو ما أثلج القلب، وأنا أرى بين يديّ كتابه “حداثة النصّ – قراءات في النص القصير جدًا“.
هذا الجهد المميّز للكاتب واضح من خلال المادّة النقدية التي قدّمها؛ فهو بهذا يكون قد أرّخ لجانب مُهمٍّ من الحركة الثقافيَّة على السّاحة العربيّة عُمومًا، بمبادرته الذاتيّة الذكيّة، قام بانتقاء النُّصوص ذات الجوْدة الأدبيّة العالية، من دون تحيُّزه لأحد تربطه به علاقة شخصيّة.
ذائقته الأدبيَّة من طراز رفيع؛ أخذته إلى محطّات بعيدة، وغاص في دواخل النُّصوص؛ لتتكشّف للقارئ والمُتابِع عُمق ثقافته، ودرايته في إنتاج نصوص نقديَّة جديدة تُضارع جودة النُّصوص التي اشتغل على دراستها، وفي أحيان تفوّقت.
النَّقد أساس الإصلاح؛ فالنّقد والنقد الذاتيّ، حوله تتمحور أفكار التطوير والتحديث بشكل عامٍّ. بالمقابل سيكون مُحبِطًا، ومُيَئِّسًا، ومُدمِّرًا. النقد سيف ذو حدَّيْن، وهو مطلوب تطبيقه في كافّة مجالات الحياة؛ لرؤية الخطأ، والزَّلل، والوَهَن، ومحاولة ابتكار العلاج المُناسب لكلّ حالة على حِدَة.
جميع المُستويات الحياتيَّة بحاجة للحوار والنَّقد، وفي مجال الأدب؛ تَساوَقت الحركة النقديّة للنُّصوص مع مسيرة الأدب بأنواعه وأجناسه، وابتُكِرت النظريّات العديدة، واستخدُمت لاستخراج جماليّات القصيدة بأنواعها، والقصَّة القصيرة، والرواية…. إلخ. أيضًا لم يتوان النُقَّاد عن إبداء آرائهم فيما يُقدَّم لهم من موادٍّ، أو يُطلب منهم إبداء رأيهم النقديِّ فيها.
وربّما سبقت مسيرة الحركة الثقافيَّة خُطى النَّقد البطيئة بمسافات، ولكنّها بحاجة إلى تقويم وتقييم، وبغياب النُّقَّاد عمَّا يجري من سُيولٍ تحمل الغثّ والسّمين، وذلك في ظلِّ انتشار وسائل التواصل الاجتماعيِّ، وأصبح العالم قرية صغيرة.
ولا أزعُم أنَّ النّقد غائب تمامًا، والرُّؤية الأسلَم بموضوعيَّتها هي عدم القُدرة على مُتابعة هذا السَّيْل الجارف. حيث أنَّ عمليّة النّقد مُعقّدة بكثرة طُرُقها ووسائلها، واختلافاتها، ومذاهبها الفكريّة، ومرجعيّاتها، وسّعت الهُوّة بين الأديب والنَّاقد، وربّما تولّدت علاقة كراهيّة، وحقد دفين بينهما. هذه الجدليّة عميقة التأصُّل في شخصيَّة الأديب الذي لم يعْتَد إلَّا الألسنة المادحة، وعدم قُدرته على الاستماع للرأي والرأي الآخر؛ أيْ الحوار الهادف والبنّاء. كما أنّ بعض النُقّاد تُحرِّكهم دوافع الغيرة للانتقام من أحدهم؛ لتدمير نصِّه الأدبي، وإسقاطه، وتسفيه وتسطيح أفكاره. هذا مُشاهَد ومنظور بوضوح تامٍّ.
بينما الطّموح بتوالُف وتآلُف حركة النّقد مع المُنتَج الإبداعيِّ؛ لتكوين المجتمع الثقافي الرَّاقي المنشود الفاعل على مسرح الثقافة العالميّة. وهو ما لمستُه عند الأديب والنَّاقد “علي أحمد قاسم“، الذي اِمْتلك أدواته المؤهِّلة للنظر في أيّ نص بالتحليل وإعادة التركيب، واستخراج جماليَّاته، وعمل مُزاوجة تأويليّة، واستنباط رُؤى جديدة تتخفَّى بين طيّات التعبير والصّورة الأدبية والمُحسّنات البديعيَّة، وبذلك كان هو.. هو بالذات.
مع أطيب أمنياتي بالتوفيق، والمتابعة المستمرَّة لتوثيق وتأريخ هذه الفترة على الأقلِّ.
عمّان – الأردن
25/ 12/ ٢٠٢١