أ.د علاء الدين الغرايبة
سلام عليكم وأنتم روحُ الحرفِ أيها المناضلون لنشر الإنسانيّة وسماع دندنة الكلمة، سلام عليكما أيها الرفيقان الجميلان ورداً وتقديراً وحناناً من لدنكما، د.فادي المواج وأنثاك الافتراضية في قلبي تورد، والأستاذ سامر المعاني صاحب الهمس وخالق نغمة الحبّ فينا…
سلام عليكِ عنان محروس وأهلها، وأنتِ ابنة آدم الإحساس، ومن سلالة الأنقياء، وريحانةِ العشق الآكد بعد الأربعين (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) فهذا عملك الصالح، وهو يندى بالمساكين والإحسان وقلب رحيم، وحقوق الطفولة، والحيرة من العالم المخادع، الخاطفِ لذّة شربةِ الماء التي لا تسد رمقَ الحرف، في هيئة ظِلِّ رجل انتصف العمر؛ كي يقول قولتَه في الحياة والموت، في القلب والجمر، وقد غزا الشيب مفاصلَ تكوينةِ مِفرقِه.
سلام على (خُلِقَ إنساناً) ولملمة معاني الإنسانيّة العصيّة على النسيان، في محاولة لصهر الواقع في بوتقة تنهيدة، حتى إذا تعثر الأمرُ عاد إلى لحظة الوعي بالذات، تلك اللحظة التي تتساوى فيها الجراحاتُ وزهوةُ العينين الخضراوين، وعيدُ ميلاد بيد ممسحةٍ قذرة لابن الست سنوات، وبيتٌ رث وغطاءٌ عديم الفائدة، وأنصافُ أناس لا يُرى منها إلا لهاثَها وراء لقمةِ العيش، وفي الجوار بيتٌ متهالك ويتيمان، وحضن (آه) يتراءى للإحباط من كلِّ محيط .
وتباً لنضجٍ سريع تتطلبه مهام البحث والغرابة لأم مستعارة غادرت دفء بيتها المخادع مغادرةً إلى العمل، وأيّ عمل؛ سوى بيع الهوى لأيّ مُشترٍ؟ ومتانة المكان تُغرق كلَّ حلم أو تساؤل نتيجة إهمال الأمانة لواجبها المقدّس في لملمةِ القمامة، من أحياء الفقراء والمعاناة ما زالت تطول.. هنا عتبةُ مطبخ تآكل من الصدأ، وحمامٌ لا يتسع لصنبور ماء يزيح عنهم وجهَ الحزن وملامحَ الفقر، وهناك قصرٌ وطعامٌ فاخر وسياراتٌ فارهة، وشوارع كالمرايا نرى فيها قبحَ التفاوت الطبقي.
وفي الأفق ملامحُ سمرة ووجهٌ جميل، هي الأخت الأكبر سناً والأحن قدراً، مقابل وجهٍ عبوس خطف اليتمُ منه زهوةَ الابتسامة، وراح يتكوّن في ملامح قهرٍ؛ إنه اليتم يا سادة، الذي حوّل كلَّ الملامح لوحوش مفترسة تنتظر الانقضاض على فريستها…إنهم مشغولون بالعمل (تشرّداً وتسوّلاً) ولا يعودون إلا مع عقارب ساعة الليل، تلدغهم فيناموا، وربما علت سطوة الحزام الجلدي المخصص للضرب تلال أجسادهم ساعة هم يخطيئون.
كلُّ من في البيت لا يجمعهم جامع، حتى ربّة البيت (أمهم المزعومة) تصيّرت من جينات مختلة عن كلّ نساء الحيّ، فهي الأقسى والأشرس، والجميع بما فيهم الأب يخاف بطشها، لا تؤمن بشرعيّة (الجوع كافر) فكل من يخالف القوانين بما فيه التمرّد على وجبة طعام واحدة يكون مصيره التعذيب بالحرق بالضرب بالحرمان. وفي غابة الجوع والفقر يظهر جاسوس يشئ بكل تمرّد كي تُرمى له فتات مكافأته على وهج من صرير البطن. الجوع كافر وجاسوس وابن النخاسة.
غياب الشفقة معادلة الألم بل أبوها وأمها وابن بنات الجوع، وسارق البهجة الخضراء من العينين، ونتائج احتساب الغنج إن علَ الموت جانبي آدم بقهقهة أنثوية لجأش الذكورة في نفس الأب، (تعال نوصي على غيرة إن مات تحسباً) في صفقة اللإنسانية، لتغيبَ كلُّ الأحلام الجميلة هرباً من الواقع في حلم حضن أم تحمل ذات الملامح، لكنها تعود لتظهر متوحشةً في واقع عيون صهباء، ومسحِ زجاج بيت جار مقابلَ وجبة غداء، لقد صار النوم ملاذَ الأحلام بسرير تفوح منه رائحة الأم وعطر حنيتها، (ويبقى الحلم شهوة المحروم)…
سلام على آدم الذي يعيش الحلم بالشوكلا الفاخرة ويصحو على واقع مرير ببيع العلكة على أرصفة الطرقات متلحفاً محارم من ورق رخيص للبيع، في الشوارع الفارهة وإشارات المرور وليس الخوف من أن يلتقطه بعض الشرطة ببعيد؛ ليكون عقابه ساعتها نكران الذات وسلخه عن تلك العائلة والحبل والحزام، ولهذا ليس لأدم أن يعترض أو يتساءل أو يناقش، بل إنّ كلَّ ما عليه فعله البيع والرجوع الى تلك الخرابة بلا إحساس أو تقلّد لمعاني الإنسانية التي ترعرعت فيه.
الكراهيّة تحوم في المكان في مرايا السيارات في قلوب الطيبين حتى، لا فرق بين مُحسِن عليه وشاتم له، الكلُّ سواء في ضنك العيش الذي رباه، موجعاتٌ هي تلك الأصابع التي غمرته من برد، موجعاتٌ تلك الأشعة التي تلقفته في حر؛ إنه الشعورُ بالعوز والجوع والذل، وعقاب (بهيّة) التي لا ترحم.
المنطق يقول الجوع يتشاركه أصحابُ الحاجة إلا (بهية) وزوجها يتقاسمون جراح الأيتام بنَهَمٍ ثم يتسامرون بضحكاتهم على موقد ألم بطون الباعة المتسولين الأيتام، ثم ينامون وقد علا شخيرهم مغتال الرحمة، أما هم فيتهامسون بالشبع كمتعة جسدية رائعة تنسيهم سوط العذاب، وتدفع آدم كي يحتسي دجاجة مطهيّة في الأحلام.
الحرمانُ يغرق المكان، لا مجال للمرض أو التفكير فيه، وسلمى وسط هذا تنال الأجرَ، فتنام إلى وقتما تشاء،ـ مدلّلة بين أوساط التفكير بما حصل لها وما الذي تبيعه من جسدها كي تنال هذا الرضا، وآدم يشعر بالبلوغ لكنه لايفقه ما بلله، والغريب أن سلمى أدركت ما أصابه مطلقةً ردة فعل غريبة بضحكتها العالية، تحولاتٌ جسديّة بارزة والجهل يعصف بآدم ما الذي حصل؟ وحركشات بدت غريبة عليه، والجنس رغبة الوحوش التائهة.
معاناة الفقر وعوزه تقود إلى ما يحمد عقباه، والشفق يلوح بفارق الطبقات الاجتماعية، واستغلال الفاقة دليل انحطاط المجتمعات، فيسكت القلم ويتكلم فم الطعام، وتغيب النصيحة ويعلو صوت الهرب من الجوع، وتكثر المشاوير المشبوهة الخاصة لبنات الفقر في جوف الليل، وتمنح الألقاب الوردية غير المستحقة لأصحاب الثراء، وقناصي الفرص النتنة، ومنتهكي الأجساد اليانعة، ويباع على مائدة الحاجة الخوف من الله والانصياع لأوامر الشيطان؛ فيختلط الحرام بالحلال ويشوّه قيمه المثلى.
حبالُ الشيطان طويلة، والبحث عن لذة التعويض لموعد فائت قد تكون غريزة الحيونة في شهوتنا الدنيئة، فما أن تخطيء خطأ واحداً حتى تجدك فريسة مغرياته التي لا تنتهي، وربما يظهر لك الشيطان بجسد امرأة باعت من قبلُ الحب لكلّ عابر سرير، حتى لو كان ذلك بنداً من بنود المحارم، لينتهي الموقف بالانتقام ذبحاً بسلاح أبيض يطهر المكان، ويسيل الدم.
الحروب الأهليّة ويلات الشعوب وموائد طعامها المشبع بالدم والقهر، وذكريات لا تمنحك إلا الألم، والهرب ملاذ الحيارى، والأسئلة خناجر تسكن خاصرة العقل، وعبودية الجوع تمنعك من التلذذ بالطبيعة، وبعض الأعطيات مصدر للمعطي لا الموهوب صدقة، والانتحار فكرة الحائر الفقير من أنياب الحياة، وقد تأتيك رسائل الله على هيئة هبات تنبيهيّة، لكن الجوع كافر والحاويات دفء المعدة للفقراء الصعاليك المترفين بالانتقام من الأغنياء.
ومع ذلك؛ فمهما استبد الألم لابد أن يرسل الله لك رسولا لينقذك من حمّى موتِ الأحياء (الشيخ عماد) رسالة الحب في الحياة، وفتح باب الأمل، وكي يفتح هذا الباب علينا غلق باب الشيطان، إنه ذاك الصوت اللعين من دواخلنا، والإنسان ابن بيئته، وعنوان رقيها أو هدمها (لقد نجح آدم في التوجيهي) بمساعدة الشيخ عماد، فنبا في عقله سيف صلاح الدين وعدل عمر، فلولا الظلم ما هاجت بطون من جوع.
إذا فقدتَ بوصلتك في الحياة فعُد إلى الله حيث تكون نقطة التوازن، وتعلّم أن الدينَ المعاملة ولا فرق بين الأديان ما دمنا نحب رباً واحداً، ونعبده بلا فرق ألوان أو شعور سقيم بفرق الطبقات، فالاختلاف رحمة يا ولدي، وإنما المحاسِب على الخطايا هو الله ، الله وحده، والله غفور رحيم….
نحن ننفصل عن آلامنا وذكرياتنا بقرار داخلي، نحن نعيش ما نحسّ به تأكيداً لمقولة السعادة قرار. فاجعل روحك منفصلة عن كلّ ألم. وتذكر أن الحب ليس لنا عليه من سلطان، لكنّ الفروق الطبقية ما تزال تنهش بآدم حتى بالحبّ، وهل آمن يوما الحبُّ بالطبقة وعنجهيتها ؟! هل يؤمن الحب بفوارق الأديان، حب ينهيه اختلاف المذهب والدين هذه هي الحقيقة التي تشربها آدم، وما زال الموت هو الفجيعة الكبرى التي يتلقاها البشر؛ لتهدم كل أمل في الحياة، الموت نهاية البداية للخير والشر على السواء… ولله حكمته التي لن يفقه سرها البشر…
وبعد؛ لقد كنتِ يا عنان فوق مستوى الإنسانيّة بهذه الطروحات العملاقة معنىً وتكويناً، بلغة غاية في الرشاقة ومعانٍ تنساق إلى حبرك طوعاً وحباً، وصوراً تتراءى لنا في مشهد نعيشه كل يوم، نتنفسه عند كل إشارة مرور، ونبلعه مع كل لقمة علقت في حلق الرحمة…. أتمنى من كل قلبي لك التوفيق في قابل أعمالك ما دام للحرف حياة …. شكراً لك عنان وشكراً لكم أيها السادة.