كتب إبراهيم موسى النحَّاس:
في ديوانه الشعري الجديد”جُوَّه التَمَط” يقدِّم لنا الشاعر أحمد شعبان رؤية تقوم على روح تمرُّد الشاب البِكر على سلبيات الواقع رغبة من تلك الذات في حقها الطبيعي في الوجود والتحقق والوصول للطموحات المشروعة, في قصيدة تقوم على التجديد في الصورة الشعرية والمعجم الخاص باللهجة العامية داخل النص,تلك السلبيات التي جعلت الذات الشاعرة تشعر باغترابها داخل مجتمعها, فيقول في قصيدة “انعكاس” : ((بَصْ في مرايته\ بغباوة\ هو شبهه\ بس تاه\ حاجة ناقصة\ فِ الانعكاس\ فانفزع\ باصص وراه\ شد حزام الجوع\ الكافر\ ضرب السهم لفوق\ ع الآخِر\ لملم حزنه جُوَّه جيوبه)).كما نلمس تشظي الذات الشاعرة لتحمل ما تحمله من تناقضات عبَّرَتْ عنها قصيدة”حالة سُكْر” التي يقول فيها: ((أوقات تبقى\ زي العابد\ وقت الشكر\ أوقات تانية\ زي البنت\ في لحظة عُهْر\ حالة غريبة\ ما بين الاتنين\حالة سُكْر\ زي البحر\وسط هدوؤه\ يطلع منُّه\مَد وجذْر)).وتصل الحالة لذروتها لنرى تشاؤم الذات الشاعرة ونظرتها الكافكاوية في قصيدة “بطل العَرْض” حيث يقول: ((والباب مقفول ومتربس\ يجي 100 ترباس\ والكل محزِّم أوجاعه\ وشايلها في جيب\ والهَم\ وخييبتك سابقينك\ واقفين حُرَّاس\ للحلم\ اللي بيجلد ضَهْرك\ فِ إديه كرباج\ والحظ معاند في الدنيا\ كما رمية نَرْد)).
لكن رغم كل هذا تواجه الذات الشاعرة قسوة واقعها ببعض الحلول والملاذات منها المرأة التي كان لها الحضور البارز داخل الديوان,ولعل قصيدة “حكاية عِشْق” هي خير شاهد على هذا الحضور حيث يقول: ((عارفة لمَّا بتوحشيني\بفتح قلبي وابص لك\ أصله حالف ميت يمين\ كل ليلة يحضنك\ افتح بيبان الفرح\ وأقول لها خُشّي\ وأتوضَّى لجل الأمل\ يطرح على وِشّي\ وانسج لحاف الدفا\ من نظرة من عينها\ ترسم عينيها طريق\ أبني هناك عِشّي)).
ولأنَّ الديوان تعبير عن تمرُّد الشباب وثورته ورغبته المشروعة في الوجود والتحقق, نجد رغم معانة الذات الشاعرة من سلبيات واقعها وجود ما نسميه الذات الفاعلة, تلك الذات المؤمنة بنفسها وقدراتها على تحقيق أهدافها بما تحمله من أمل في المستقبل المشرق, فيقول في قصيدة “عِشق صوفي”: ((فوق كتاف الحلم حلم\ بيزيد المواجع\ فوق جبين الصبر قلب\ للذل مش راجع\ قلب يكابر\ وإيد تعافر\ لجل أشوف\ الحلم واقع)).
وعلى المستوى الفني اعتمد الشاعر على القصيدة التي تتكون من الجُمَل القصيرة التي تعطي إيقاعًا صوتيًّا سريعًا يتناسب مع روح التمرُّد ويعوِّض ما يُحدِثه تنوُّع الوزن العروضي الذي يستخدمه الشاعر داخل القصيدة الواحدة, نرى هذا الملمح في معظم قصائد الديوان منها قصيدة “بتأسِّف”و قصيدة “عِشْق صوفي”.
استخدام المجاز للتعبير عن الرؤية بعيدًا عن التقريرية والمباشرة فنلمس تتابع التشبيهات في قصيدة “نُقطة على السطر” منذ بدايتها وبداية الديوان حيث يقول: ((عامل قلبك\ زي الليل\ لمَّا يكون\ سهران بالأمس\ زي الرمل\ وهو وحيد\ فِ صحرة يأس\ زي الحلم\ لمَّا يموت\ بكسرة نِفس\ وانت تحاول\ تحفر نفقك)). أو تلك الصور الجديدة في قصيدة “خارج التغطية” وقصيدة”نزلة برد” التي يقول فيها: ((نزلة برد\ عطس\زكام\ بتسخَّن قلب\ وحيد\ عريان\ محمومة الروح\ لسَّاك\ عندان\ والوصفة علاج\ وقف\ الرعشان\ شوب كبير\ كوكتيل\ مليان\ كباية دفا\ وعصير أحضان)).
كما يعكس الديوان صورة الشاعر المثقف في أكثر من ملمح منها توظيف التفاصيل الصغيرة المأخوذة من إلمامه بفن الرواية, وتوظيف الجانب الفكري الفلسفي في بعض القصائد, والاستفادة من الفنون البصرية وبعض العلوم أيضًا, فنجد البُعد الفلسفي الظاهر في تعريفه للحُب ورؤيته الخاصة له في قصيدة “اسأليهم” التي يقول فيها: ((مكنتش اعرَف إنِّي لازم\ أقول بحبِّك\ كنت فاكر\ الحُب مش لازمة كلام\ الحُب فِعْل\ والفعل مش محتاج علام\ لمَّا إيدي بترتعش وقت السلام\ لمَّا كنت بمد إيدي باحترام\ كل ده مكنش حُب؟)).
جانب آخر مرتبط بالبُعْد المعرفي والبُعْد الجمالي هو الاستفادة من العلوم والفنون الأخرى في التعبير عن رؤية الشاعر, مثل قصيدة “تضاريس الخريطة” التي يقول في بدايتها: ((زي\ تضاريس الخريطة\ رسومات عبيطة\ وحاجات كتير\ متداخلة\ وسِكّة بين\ وَهْم وسراب\ حلم وكتاب\ وأماني\ لسَّه ممكنة\ وصورة بنت\ تضحك وتحكي لك\ تمد إيديها\ على جرحك\ وتشكي لك)).
ومن عالم الرواية يستفيد الشاعر من التفاصيل الصغيرة ليخلق منها عالمًا شعريًّا, وها هي قصيدته “حمرا يا….” توظف تلك التفاصيل بما تحمله من يومي هامشي يتحوَّل إلى متن شعري حيث يقول: ((دوران العَجَلة\ على الفاضي\ يشبه أحلامك\ كده بالظبط\ وحكاوي\ من عتمة ماضي\ تخاريف\ أيام سجايره الفرْط\ جمب الكوميدينو\ غلاف مركون\ وف وسط العلبة\ يمين مرهون\ وحصان بيخطي\ يُدُك حصون)).