بقلم:ثابت القوطاري (صنعاء _اليمن)
نادي القصة اليمني – إل مقة
______
أصدرت القاصة (هدى جعفر) مجموعتها القصصية (اليد التي علقت المرآة) عن منشورات جدل، الكويت_ 2023م، وتقع هذه المجموعة القصصية في (132صفحة) من القطع المتوسط، وتحوي (7 قصص).
في هذه المجموعة بدء بعتباتها الأولى: العنوان ولوحة الغلاف والتمهيد/المدخل، ما يشير_ بالضرورة_ إلى أننا أما قصص وتجارب واقعية واجتماعية لشخصيات القصص، وسنلاحظ أن عنوان المجموعة(اليد التي علقت المرآة) ليس ما اعتدنا عليه في الكتابات الحديثة للشباب، فقد درج الأكثرية على تسمية (الكل/المجموعة) باسم (الجزء/قصة)، بحيث يختار القاص عنوان قصة ما في المجموعة، ويضعه عنوانا عاما للمجموعة، فالأمر في هذه المجموعة مختلف تماما، حيث أن العنوان ليس لقصة من قصص المجموعة.
وبالضرورة هناك علاقة بين العنوان العام للمجموعة، وبين القصص، وسنجد أن تلك العلاقة تشترك في (المرآة)، (المرآة) التي نعلقها في بيوتنا، والموجودة في سياراتنا، وأحيانا في مكان أعمالنا هي التي من خلالها نرى ذواتنا، بشكلها الخارجي، ونحرص كل صباح على التحديق فيها جيدا.
وسنلاحظ أن التمهيد أو ما يمكن أن نسميه الخطاب المقدماتي قد كشف شيئا من طبيعة النصوص، ولنا أن نكتشف ذلك من خلال مفاتيح واضحة وضعتها الكاتبة مثل: (الأطفال…بلوغهم…عالم غير مرئي…مكان واسع وساحر…منه تأتي كل الأفكار…وإليه تذهب عقول المجانين) (ص6).
أما عناوين القصص السبع فمكون من عدد من الكلمات، اعتمدت فيها القاصة على بناء الجملة وتركيبها، مبتعدة عن العناوين المفردة، المكونة من كلمة واحدة، فأقصر العناوين لديها مكون من شقين اثنين:
نصف بصلة، صلاة مسعود.
وسأحاول هنا أن أضع مقاربة بسيطة وأولية في قصة (نصف بصلة 13)، وأحاول قراءتها.
في هذه القصة تقاطع واضح، وعلاقة وشيجة بينها وبين عنوان المجموعة، فشخصية القصة تقول: ” وجدوا أنفسهم هناك، كمن يدخل بيت المرايا، ويستمرئ صورته المتعددة، والمتشظية، والمشوهة، فلا يكف عن الدخول، لكم أغلقت الباب دون بعضهم” (ص14)، سنجد أن البحث عن الذات، وصورة النفس هي ما تشغل الشخصية هنا، وسنجد أن القاصة قد وضعت أمامنا_ من خلال السرد_ مفاتيح ومفردات كاشفة، من خلالها يمكننا محاولة معرفة ما أرادت أن تقوله، وإن لم تفصح عنه صراحة، ولم تطرقه بشكل مباشر، بل خاتلت في حديثها عنه وواربت، تاركة للمتلقي أن يشاركها صناعة النص من خلال ما سينتجه من تأويلات وتفسيرات عدة، ومن هذه المفاتيح والمفردات: (العقاربان الأسودان…أحدهما فوق ظهر الآخر…دكان بائع الحلوى…بخلع ملابسه…رأينا ما لا يجب علينا رؤيته…ركضنا بأسرع ما تعرفه أقدامنا…نصف بصلة)، فمن خلال هذه المفاتيح ندرك أن الشخصية قد تعرضت لاعتداء جنسي، أخرجها وحولها من نسق إنساني طبيعي طفولي، إلى نسق إنساني آخر يملأه الكره والحقد والانتقام حتى من أقرب الأشخاص إليها:”أنا أكره أخي” (ص13)، هذا التحول جعلها تحاول رؤية ذاتها، والبحث عنها، تماما كمن ينظر في المرآة.
كما وضعت القاصة مقابلة رائعة بين (الجد) و(الأخوين)، وبين (الرصاصة) التي خطفت أذن الجد في الحرب، و(بائع الحلوى) الذي خطف براءة الطفولة في الدكان، وبين(الشجرة) التي علقت بها أذن الجد، و(الشجرة) التي تسلقها الطفل/الأخ، بين هروب الجد من واقع الحرب، وهروب الأخوين من بائع الحلوى، هذه المقابلة والإيحاءات التي تولدت خلال السرد والاسترجاع هي جميعها ركض نحو الذات، ومحاولة معرفة طبيعتها من خلال النظر في مرآة الروح المسلوبة والمعتدى عليها، والتي حولت بفعل فاعل (الحرب) و(بائع الحلوى) إلى شخصية ناقمة كارهة لما حولها، إلى درجة أنها تبخل (بنصف بصلة) متهالكة على أقرب الناس إليها، وما هذه (النصف بصلة) إلى رمز واضح للشيء التافه والمبتذل، والذي قد يشكل قيمة ما؛ حين تخرج الذات من نسق طبيعي طفولي بريء إلى نسخ آخر مختلف.
جاء أسلوب القاصة جميلا وسهلا، اعتمدت فيه السرد والوصف، والاسترجاع، كما كتبت القصة بضمير المتكلم/السارد المشارك، بعيدة عن التعقيد اللفظي للمفردة، والتركيبي للجملة.
هي تحية عطرة من خلال هذه القراءة المتوضعة، أقدمها للكاتبة، على إصدارها الجديد، ودعوة لقراءة هذا النتاج والاحتفاء به.