كتب: علي أحمد عبده قاسم. اليمن
أولا:
الثنائية الضدية تتضج من خلال:
– الحركة والسكون :
( أسلة) حركة سكون
( عقيقة بارق) حركة سكون
( أضاءت ) حركة سكون
( حركة البرق) حركة سكون
( لوى الركب!) حركة سكون
( زفرة محزون ) حركة سكون
( نظرة وامق) حركة سكون
– حركة الظهور والاختفاء : وتتضح من خلال الثنائية السابقة فسلة السيف ظهور واختفاء وزفرة المحزون ظهور واختفاء
وكذلك ضوء العقيقة ظهور واختفاء
– ثنائية الأرض الجامدة والسماء المتحركة فتحرك لها الركب .
ومن تلك الثنائية يعبر الشاعر عما يحس من قوة وضعف وبروز للأمل وأختفاء له خاصة وأنه البرق والبارق علامة للأمل وسط اليأس وتحول من اليأس للأمل ومن الضعف للقوة ويبشر بتحول الوضع من حالة لأخرى خاصة وهو يقول :” وفي حركات البرق للشوق آية” كأن ماأجده تعبر عنه السماء ويقول” : لوى الركب” ولم يضف ذلك لنفسه لأنه يرسم مشهدا للعودة وسط ثنائية الضعف والقوة واليأس والأمل والحركة والسكون لذلك حضر الضوء والسماء في وسط الصورة الشعرية المتكاملة ليحرك أو ليتحرك الراكد بعد سنوات من اليأس خاصة وجود الانسجام الفكري في البنية التي ترسم مشهدا للتحول من الثنائيات فإذا كان للأرض حكم فللسماء أحكام فحاول الشاعر أن يخلق الحياة من الموت والأمل من اليأس ومن الحزن فرحا برسم
الحسيات بمشهد حي وحزين
وربما يكرر تجربة الشاعر الجاهلي مع الموت حين يوجد الحياة من الموت والفناء والعودة من وسط الغياب.
( وكأن مجر الرامسات ذيولها
عليها حصير نمقته الصوانع)
عظمة الصورة وعمقها هي التي تقوم على المتناقضات
فامرؤ القيس في البيت السابق خلق من الحزن فرحا ومن الموت حياة حين رسم
وصور الرمل بعد أن تركت عليه الريح خطوطا كأنها زخرفة زينتها يد فنان وصانع ماهر ومبدع
والشاعر البارودي استطاع أن يخلق من الصورة حياة قمن التناقضات ” زفرة محزون” كأنه تنفس الصعداء وكأنه عاد” نظرة وامق” نظرة للوطن ونظرة للأحبة والنظرة فيها فرح فيها عتاب
ناهيك عن تسلسل الصورة
( سلة سيف، إلى عقيقة البرق، وتنتهي بتخيل العودة( لوى الركب)
التناقضات أيضا مابين الحزن والفرح والنفي وتخيل العودة .
– المزواجة مابين
– ( زفرة محزون + نظرة وامق) مابين الظاهر والخفي مابين اللامرئي والمرئي
ناهيك عن التوازي ” نظرة = زفرة + سلة)
– ( عقيقة بارق، سماوة بارق”
في التجانس والوزن
– أما الحضور والغياب فقد غابت الذات وتماهت بالتغير والصورة التي يحدث بها نفسه فغابت الأنا وبرز ضمير الغائب في الصورة الجديدة التي تلتحم بالجماعة” أضاءت هي + تدل هي + لوى هو)
لتمتزج بالجماعة ” لنا + الركب”
والحديث عن الذات بضمير الممتزج بالجماعة فيها دلالة الانفراج والبعد عن الانفراد
زاوج النص
مابين الإنشاء والخبر ” أسلة سيف أم عقيقة بارق”
ليأتي الخبر والتفصيل (أضاءت لنا)
وكذلك لوى الركب ويفصل بعد(( بزفرة محزون))
فالأبيات الثلاثة مابين الحركة والجمود من الجمل الفعلية والخبرية ليعكس حالة من التغير والتبدل .
ثانيا الانزياح والتوازي:
وإذا تأملنا الانزياح والمزاوجة خاصة والشعر يتميز بالمزاوجة والتوازي لتتناسب العاطفة مع التأثير الموسيقي الداخلي والخارجي
ممكن أن نستدل على الانزياح التركيبي النحوي في البيت الذي يقول فيه ـ وقل أن نجد مثيلا له ـ يمكن أن نستشهد به عن الانزياح والتوازي لما فيه من توازن صوتي وصرفي وعدول من التركيب للمجاز .
(( تفض جفونا عن دموع سوائل
وتفري صدور عن قلوب حوافق.))
استعمل الفعل مقابل الفعل
– تفض، تفري
– جفونا ، صدورا ( اسمين منصوبين )
– (عن عن) ( حرفا جر)
– (دموع ، قلوب)( اسمين مجرورين)
– (سوائل ، خوافق)( صفتين)
وهذا الانزياح التركيبي ليس مبنيا عبثا بل لأغراض :
– الانتقال من الحقيقة للمجاز والعدول والخرق في الاستعارتين ليظهر مدى الأشواق والألم في( تفض جفونا، تفري صدورا)
– مراعاة الموسيقى الداخلية من حيث الوزن الصرفي والصوتي (تفري ، تفض” ( تفعل”
جفونا وصدورا( فعولا
وسوائل وخوافق ( فواعل)
والتوازي الصوتي” سوائل، (خوافق) فواعل
وحين استعمل الجمع مكان المفرد ليبالغ أكثر في
( جفونا، صدورا)
فالمتلكم يتحدث عن نفسه والمفترض أن يقول:( جفنا وصدرا) ولكن تحول الصدر لصدور من الأشواق
وتحول القلب إلى قلوب
فلم ينبض بخفقة واحدة بل أصبحت له خوافق
وتلك العيون لم تعد تذرف دمعات بل سوائل
فالانزياح من خلال استعمال الجمع بمكان المفرد ليبالغ أكثر وكي يتعاطف مع القارئ والمتلقي.
وينقل من خلال التركيب الانزياحي التأتير والصورة للذات المشتاقة للخلاص.
فالبيت من خلال المزاوجة التركيبية ينم عن شاعرية وقدرة لغوية تعي ماتكتب ليس في هذا النص فحسب بل معظم نصوصه ومنها هذا النص
استطاع الشاعر أن يستهل النص بصورة ضوئية من السيف ومن السماء والبرق والركب العائد ويعود للإنشاء
ويمكن أن نستخلص من النص التالي:
– جاء الإنشاء مرتين ” أسلة سيف عقيقة بارق” والذي غرضه التقرير وفي ” وكيف يعي سر غير أهله” غرضه النفي والاستغراب.
– سيطر الفعل الماضي ” لوى الركب ، أضاءت ، شفني النوى ، كفى بمقامي ، ومن رام” ارتبط الفعل الماضي بالأسلوب الخبري ليشير للحزن ولمعاني الحنين والأشواق والفعل الماضي يدل على الثبات والجمود مثله مثل الجملة الاسمية ولم يأت الفعل المضارع إلا في( تفض جنونا ، تفري صدورا، كيف) والفعل المضارع دل على استمرارية المعاناة ليتناقض مع ثبات الأمل بالعودة والخلاص.
– الموسيقى الخارجية تمثلت ب.
1- الوزن والقافية والتصريع فالبحر الطويل ” فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن) والتصريع في بداية البيت الأول ( عقيقة بارق، سماوة بارق.) والجناس
– الموسيقي الداخلية
– الموسيقى الداخلية تمثلت ب :
1- التوازي مثل ” زفرة ، سلة ، نظرة،”
– التوازي الصرفي والصوتي مثل ” زفرة ، نظرة سلة” فالصرفي جاءت على وزن واحد أما الصوتي فجاءت الألفاظ على حركات وسكنات واحدة ومثلها” تفري ، تفض، جفونا ، صدورا،
– تكرار حرف القاف خاصة في الأبيات الثلاثة ( بارق، بارق، البرق، الشوق خوافق)
نأهيك عن تكرار السين
– الشاعر يأمل بالخلاص فجاءت المؤكدات سواء بالقصر ( وفي حركات البرق للشوق آيه) وجاءت في البيتين :
لعمر الهوى أني لدن شفني النوى
لفي وله من سورة الوجد ماحق
كفى بمقامي في سرنديت غربة نزعت بها عني ثياب العلائق.)
جاءت المؤكدات في:
– القسم ( لعمر الهوى)
– إن واللام في: ( أني لفي)
– حرف الجر الزائد في( كفى بمقامي)
وكل هذه المؤكدات تعكس دلالات التضجر من المكان والرغبة في الخلاص.
ارتبطت الحكمة التي أوردها الشاعر بالأساليب سواء أكانت شرطية أو أساليب قسم أو
تأتي من بعده الحكمة أو كانت أساليب إنشائية وهذا الارتباط يعكس لنا معرفة الشاعر بالحياة وتغيراتها وتبدل أحوالها فهو قد خبرها وخبر تغيراتها وكأنه يقرأ الغد سواء بالأمل أوالتحول فقد حان الوقت للخلاص والتحول من واقع لآخر.
(( وكيف يعي سر الهوى غير أهله
ويعرف منى الشوق من لم يفارق
ومن رام نيل العز فليصطبر على
لقاء المنايا واقتحام المضائق
فإن تكن الأيام ساءت صروفها
فإني بحمد الله أول واثق.))