٠كتب: علي أحمد عبد قاسم ( اليمن)
أولا النص:
وين بدنا نروح …؟
قصة قصيرة / منى عز الدين
==================
شقّت صرختُها جلباب المخيّم المهترئ و الفضاء وصدري.
لمستُ قلبي المرتعش على تواتر نبضه، ضبطت الرّوح؛ ستستيقظ رقصة الموت هناك…
_لا نملك الوقت، بسرعة إلى السّيّارة …يومان فقط ونعود
_وجبةٌ ثانيةٌ للأولاد فقط!
_ بسرع…
تناثر الصّوت مع الحصى والأتربة، حتّت ريح القذائف البيوت وإرادَتنا، انحشرت خطواتنا في الرّكام مجاهدةً لمسابقة الحرائق حتى السّيّارة، وهناك بدأنا أخرى مع الموت الذي يتربّص في منحنيات الطّرق.
_إلى أين سنذهب؟!
_لا أعرف…
حطّت بنا الرّحال في بلدةٍ مجاورةٍ آمنةٍ. تناثرنا في طرقاتٍ فرشها الجليد. بردٌ يزوي الوجوه، يسيل الأنوف، يحجر العيون. صقيعٌ يقشف الأبدان، يدقّ مساميره في الأعضاء، فتنتفض الأحشاء.
لم أعد أسمع بكاء صغاري؛ بدوا كالتّماثيل، تجمّدت الدّموع في المآق، ويبست الأشداق.
سكونٌ كالموت رافق خطواتنا المرتجفة الباحثة عن مأوى.
في بيتٍ كبيرٍ، كان قد خصّصه أصحابه للتّصييف، اجتمعنا مع عائلاتنا، تغطّت أرضه الجرداء بأجسادنا وأقاربنا…
في الظّلام نتحسّس أيّ قطعة قماش، أيّ بساطٍ، أيّ وسيلةٍ ندفع عنهم بها لحاف البرد. لا ماء، لا كهرباء، لا كلمةً يجود بها الّلسان فتكسر الوجوم. لا أدري أهو وجوم الحزن، أم الخوف، أم التّرقب، أم كلُّ ما سبق.
كلّ صباحٍ نكسر الجليد في البحيرة، ونكسر ضلعاً في الأمل، وتستعصي أضلاع الإرادة واالعزم، تنتفخ الأيدي، تحمرّ، تتخدّر حتى ننتهي من الغسل ..
مرّ يومان… شهران… سنةٌ… سنتان …
مرّ زوجي مهاجراً أيضاً.
مرّت الأيّام بعده …
مرّت على حوافّ الانتظار، انتظار الفرج، انتظارٌ لمّ الشّمل؛ انتظارٌ مبهمٌ ختمته تأشيرة سفر .. .
على باب المطار تأمّلت صورة بيتي الذي لم أودّعه من قبل”
ثانيا القراءة:
المكان في القصة القصيرة ” وين بدنا نروح ” للقاصة السورية ” منى عز الدين
أولا العنوان: جاء العنوان بصيغة السؤال وباللهجة العامية ” وين بدنا نروح” ليشير إلى ضيق المكان المتسع والحيرة والعلاقة المتنافرة بين الإنسان والمكان ويشير إلى هوية النص أنه من أدب الحرب ومعاناة الإنسان المتشرد في ظل الحرب ويشير لهوية القاص سورية وبرغم أن العنوان جاء طويلا وباللهجة إلا كان محترفا كثيرا لأنه ارتبط بالمكان وتناغم مع الفكرة وهي رسم مكان المشرد عن وطنه والباحث عن وطن والمتنقل من موت إلى موت
بدأ القاص بتمهيد ناحج جاذب” شقت صرختها جلباب المخيم المهترئ والفضاء وصدري”
البداية مدهشة جدا فقد صوت المكان بأن بال قديم ومهمل ليدل على المعاناة الإنسانية التي يعيشها الإنسان المشرد أو النازح ويصور علاقة الإنسان بالمكان بأنها علاقة غير آمنة ناهيك عن القصور الإنساني تجاه ذلك النازح في ظل الحرب والكوارث فالمخيم مهترئ أي غير صالح للعيش وللحياة الإنسانية.
وكانت جاذبة بوصف القاص رسم المخيم بإنسان مسكين متعب فضلا عن أنه صور ” صرختها” بإنسان فهذه فجوة سردية جاذبة كثيرا تجعل المتلقي يتسائل عن الصرخة هل هي امرأة أم هي شئ آخر
ليرتبط المكان في النص بالزمان فكان الزمن النفسي الكئيب الممزوج بالخوف والموت هو المسيطر ” لمست قلبي ستسيقيظ رقصة الموت”
الملفت في النص أن القاصة اتخذت من الأمكنة فجوات سردية تجذب القارئ ليكمل القراءة ” السيارة هناك يومان … ونعود ” ويوضح تلك الفجوات من تصوير المكان فيمابعد” تناثر الصوت مع الحصى والأتربة ، حتت ريح القذائف البيوت” فكانت الصرخة بمثابة قذيفة أصابت المخيم” انحشرت خطواتنا في الركام مجاهدة لمسابقة الحرائق حتى السيارة.”
فالنص يصور المعاناة للإنسان المشرد أو النازح من خلال صورة المخيم المهترئ الذي لم يسلم من صراع المتحاربين ناهيك علاقته بالحياة فهو غير صالح لحياة إنسانية
وإذا كان النص يرسم المعاناة فإنه يرسم حالة من التحدي لذلك الإنسان الذي يخلق حياة من وسط الموت برغم محاصرة الموت له” بدانا خطوة أخرى مع الموت الذي يتربص بنا في منحنيات الطرق” فتحول الموت إلى رفيق ملازم للإنسان في مكان حتى في المكان الآمن واللا إنساني ” في بيت كبير خصصه أصحابه للتصييف اجتمعت عائلاتنا في أرضه الجرداء، في الظلام نتحسس أي قطعة قماش أي وسيلة تدفع عنا لحاف البرد ، لاماء لاكهرباء ”
إن النص يصور المعاناة الإنسانية للإنسان النازح أو المشرد عن وطنه بدقه ليتعاطف المتلقي مع النص والحالة الإنسانية ” اجتمعت عائلاتنا على أرضه الجرداء ، لاماء ،ولاكهرباء.”
ركز النص على تصوير مكان المشرد عن وطنه ورسم تفاصيل المعاناة” برد بزوي الوجوه، يسيل الأنوف، صقيع يقشف الأبدان يدق مساميره فيةالأعضاء فتنتفض الأحشاء.”
وكل ذلك التصوير للمكان جاء مترابط مع الزمن بوحدة زمكنية ملفتة ليرسم المأساة في كل مكان وكل فصل ولحظة” في الظلام نتحسس، في كل نكسر جليد البحيرة ونكسر ضلعا للأمل”
وليس دلالة كسر الأمل انعدامه بل ثمة أرادة وعزيمة بعودة الوطن وعودة كل معان لوطنه” كل صباح نكسر الجليد في البحيرة ونكسر ضلعا للأمل، وتستعصي أضلاع الإدارة والعزيمة ”
ليختم النص بنهاية مدهشة مرتبطة بالمكان الوطن الآمن
” مرت حواف الانتظار ، انتظار الفرج ختمت بتاشيرة على باب المطار… تأملت صورة بيتي الذي لم أودعه”
خاتمة:
– العنوان جاء مرتبطا بالمكان رغم عاميته موضحا لهوية وهوية المبدع
– البداية كانت جاذبة وجاءت بفجوة سردية تخدم فكرة النص
– التنقلات والتصاعد مدهش رغم اختزال النص إلانه أدى رسالة النص بكل اقتدار
– ابتعد عن النص عن وصف الشخصيات لأن المكان هو المهيمن
– النهاية مدهشة وآن سبقها بعض الحشو وجاء بعدها حشوا
– لم يكثر النص من الوصف والحوارات التي لاتخدم الفكرة وتثقل النص.
– لغة مؤثرة شعرية وغير خطابية نقريرية.