• اسلوبها
حسب لجنة التحكيم جائزة مان بوكر الدولية، نجحت الكاتبة في إظهار التلاحم الطريف بين الجمال والرعب عبر قصة مركزة ودقيقة ومروعة وفي عام 2024 حصلت هان على جائزة نوبل في الأدب من الأكاديمية السويدية عن “نثرها الشعري المكثف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويكشف هشاشة الحياة البشرية وقال السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية ماتس مالم، خلال الحفل، «تتمتع هان بوعي فريد حول الروابط بين الجسد والروح، وبين الأحياء والأموات، وتتميز بأسلوبها الشعري والتجريبي الذي جعلها رائدة في النثر المعاصر.
ومن الأقوال الأخرى التي قيلت في رواية ” النباتية”
ليس هذا فحسب، بل إن الرواية أيضًا تظهر طبيعة المجتمع الكوري الجنوني الذي تنقصه قيم التقبّل تقبل اختلاف الآخر، واختلاف توجهاته وأنماطه في ممارسة حياته كما يحلو له؛ كمعظم المجتمعات الأوربية التي قطعت أشواطًا هائلة لتمديد مساحات الحريات الشخصية كحق إنساني، ومنطلق حقيقي نحو مستقبل أكثر انفتاحًا. (ملحوظة : المقياس هنا هو قيم الحداثة الغربية )
الرواية هي فضح ورفع للغشاوة عن مجتمع محدود الأفق، وقاسٍ، وينقصه الكثير لتتعادل فيه حداثة الآلات مع حداثة العقول البشرية!
“النباتية” رواية صادمة، فجّة، سوداوية، صاخبة، إيروتيكية، جنسانية، تُسقط أوراق التين عن المجتمع بتهميشه الفردانية وإخضاع المرأة للسلطة البطريركية، وتُعرّي الذات وتكشف هواجسها الدفينة وما يعتريها من قلق وخواء وتساؤلات حول جدوى وجودها.
ثانيا : قراءة نقدية في رواية ” النباتية ” لهان كانج
رغم الضجة التي اثيرت حول الكاتبة الكورية هان كانج وروايتها الأشهر ( النباتية)
فكتبت ذا تايمز الأمريكية:
بإجماع اعتبرت هذه الرواية الحائزة على جائزة مان بوكر الدولية 2016، واحدة من أفضل كتب العام. مثيرة للدهشة فعلا، لا توجد فيها كلمة واحدة مهدورة مكتوبة بدقة عالية وباختصار بليغ، وبلا تلاعب بالسرد… قصة عن التعامل الفج والقاسي مع النساء، وتأمل في المعاناة والحزن. عن الهروب من الواقع وعن الخواء الداخلي وعن غضبنا المتفجر عندما نكتشف أن لا شيء يمكن فعله.. النباتية رواية يكمن جمالها في همجيتها وضراوتها.
وفي الببلشرز ويكلي:
رواية مرعبة في تصوير جهلنا بالآخر، تحفر عميقا في جوانب مظلمة في النفس البشرية، متمردة ومستفزة وذكية ولا يمكن نسيانها.
وكتبت الجارديان البريطانية:
أحلام سوداوية.. مشاعر مهتاجة.. عفوية مؤثرة.. ألوان مدهشة وأسئلة محيرة …. تأخذنا في هذه الرواية جملة بعد جملة إلى تجربة فريدة سيكون من الصعب منافستها.
إلا أني آراها رواية عادية لكاتبة لم تتجاوز أعمالها ٣ روايات ومجموعة قصصية وبعض النصوص الشعرية ( حسب ويكبيديا) في عمرها الأدبي الذي بدء فى اوائل تسعينات القرن الماضي أي تجاوز ٣٠ سنة وهي فترة كافية لإظهار أصالة موهبة أي كاتب ومدي استحقاقه للجوائز العالمية الكبري كالبوكر ونوبل، في الحقيقة كنت أنوي إعداد تقرير مختصر عن الكاتبة وأهم أعمالها إلا أنني فوجئت بكم المدح والإطراء من النخب الأدبية والثقافية في العالم الغربي وتحميلها مضامين كبيرة وكأنها سابقة عصرها وآوانها، بالإضافة للعبارة الغامضة التي أشارت إليها لجنة تحكيم نوبل وهي إظهارها لهشاشة الحياة الإنسانية في النباتية. كل هذا جعلني أشرع في قراءة اهم أعمالها وهي رواية النباتية التي ترجمها للعربية محمود عبد الغفار عن الأصل المكتوب بالكورية وصدرت طبعتها الأولى سنة ٢٠١٨ عن دار التنوير للطباعة والنشر القاهرة بيروت تونس. في الحقيقة حاولت إبعاد أي فكرة مسبقة حاولت الصحافة العالمية ترسيخها عن الكاتبة الفائزة بنوبل والبوكر، وكلما تقدمت في القراءة وحتى نهاية الرواية لم أجد سوى كاتبة جيدة مجتهدة تحاول التعبير عن هموم وقضايا مجتمعها المحلي في كوريا الجنوبية، كحال كل كتاب العالم. إلا انها أقل بكثير من أن تحصل في اربع سنوات على أعلى جائزتين عالميتين في الأدب! ردة الفعل تلك من النخب الأدبية في العالم الغربي جعلتني اشك في نفسي وأتساءل أين الخلل هل يكمن في أم في الكاتبة أم لجنة التحيكم أم النخب الأدبية والنقاد حول العالم ، لكن سرعان ما قفز إلى ذهني عام ١٩٨٢ حين فاز جبرائيل جارسيا ماركيز بالجائزة نفسها مصحوبا بدعاية كبيرة ما جعلنا نبحث عن رواياته لنقرأها ولنعرف الأسباب التي أهلته لمثل هذه الجائزة المرموقة، فإذا بكاتب فذ أصيل من كولمبيا بأمريكا اللاتينية ذو تاريخ عريض وعميق من الكتابات التي نحتت وبلورت لإتجاه جديد فى الرواية هو الواقعية السحرية التي عدت من أهم ملامح أدب مابعد الحداثة. ما جعلنا نثق في عدالة جائزة نوبل في الأدب وأنها تذهب دائما لمن يستحقها، كما عادت بي الذاكرة القريبة لعام ٢٠٢٢ حيث فازت الكاتبة الفرنسية آنى أرنو بجائزة نوبل في الأدب رغم محدودية موهبتها، لتعود معها ومع هان كانج لتفقد الجائزة عدالتها ومصدقيتها من جديد، وليطرح السؤال المطروح طوال الوقت ماهي المعايير والمقاييس التي على أساسها تمنح جائزة نوبل في الأدب وهل هناك آجندة خاصة مخفية!
نعود بعد هذه المقدمة لرواية ” النباتية”
يوحي لك العنوان المعرف بالألف واللام ( النباتية ) أن الرواية ستطرح قضية معاصرة تعتبر هي وقضايا آخرى مثل المثلية والجندرية والنسوية من ملامح الثقافة الحداثية الجديدة التي تطرح بقوة هذه الأيام، النباتية كنمط للعيش يعتمد علي نبذ أكل اللحوم من منطلق أنساني أخلاقي بيئي أحيانا وأحيانا أخرى ديني متعاطف مع الحيوانات باعتبارهم شركاء لنا في الكوكب ويجب التوقف عن قتلهم وأكلهم تحت شعار stop killing animals ، أو لأسباب صحية تعتقد أن لأكل اللحوم أثر سيئ على صحة الإنسان. إلا أن الكاتبة لم تنطلق من أي من تلك المنطلقات من أجل تبرير تحول بطلة الرواية (يونج هيه) فجأة إلى نباتية متطرفة، وأنما انطلقت من حلم رأته ذات ليلة فتجد نفسها واقفة بذهول أمام الثلاجة الفائضة بأنواع متعددة من اللحوم، ما يجعلها تُخرِج كل تلك اللحوم من الثلاجة وتضعها في أكياس القمامة لترميها بعيدًا من بيتها، مما يشكِّل مشكلة للزوج الذي يُفاجَأ بسلوك زوجته الغريب، المرأة الهادئة، العادية، الزوجة المنصتة المستكينة، تتحول بين يوم وليلة إلى كائن يتصرف بغرابة، فلا تطيق اللحوم بل لا تطيق لمساته كزوج؛ لأن مسامَّه تفوح برائحة اللحوم المقرفة! تمضي بنا الكاتبة على هذا النحو في سرد دقيق لتفاصيل حياة البطلة يونج هيه ، أختارت سرد هذا الفصل، من فصول الرواية الثلاثة، من وجهة نظر زوج بطلة الرواية وعلى لسانه، فجاء السرد دقيقا سلسا دون تكلف وكانت ذروة سنامه مشهد إجتماع أسرة يانغ هيه عليها لإثنائها عن المضي قدما فى الامتناع التام عن أكل اللحوم ومايتعلق بها، وفي مشهد مثير يحاول أبوها إرغامها على أكل اللحم بدس قطعة منه في فمها عنوة بينما تقيد أختها وأخوها ذراعيها لمنعها من المقاومة لينتهي المشهد بلفظ يانج هيه اللحم ثم محاولتها لقطع شريانها بالسكين لينتهي بها المطاف في المستشفى ليتم انقاذها. هذا المشهد كثرت تأويلاته فى الصحافة العالمية، فهو يعني حرية الفرد في الإختيار مقابل سلطة المجتمع ممثلة في أسرتها وخاصة الأب العنيف ذي الخلفية العسكرية فى إسقاط واضح السلطة البطريركية للمجتمع ، فهنا الفرد في مواجهة المجتمع ، والحاضر في مواجهة الماضي والموروث!
في الفصل الثاني الذي كان تحت عنوان (البقعة المنغولية) غيرت هنا الكاتبة اتجاه السرد دون مبرر واضح لتلجأ للسرد من وجهة نظر زوج شقيقتها الكبرى ولكن علي لسان الراوي العليم ما أحدث إزدواجية نفت الحميمية والصدق الذي لمسناه في الفصل الأول، ومع ذلك رآه البعض الفصل الأكثر ثراءً وحيوية في الرواية من حيث تناولها للتفاصيل، زوج الشقيقة الكبرى الذي يرى أن شقيقة زوجته الصغرى امرأة مثيرة، سرعان ما يستغل حالتها الغريبة ليطرح عليها فكرته المجنونة، وهي أن يرسم (وهو الفنان المغمور) على كامل جسدها حديقة زهور ملونة، ثم يستغلها لمآربه الجنسية في تماهٍ مع فكرته الفنية ورغباته أيضًا، لكن الشقيقة الكبرى تقف له بالمرصاد وتنهي حياتها معه، بل تدخله مع اختها مصحة نفسيّة متهمة إيهما بالجنون، وبذلك تنتهي حياته المهنية كفنان، وحياته كزوج وأب أيضًا!
أما الفصل الأخير من الرواية فأتكأ السرد فيه على صوت الشقيقة الكبرى (أيضا على لسان الرواي العليم) وهى المضحية بالمعنى الدقيق، التي يشعر القارئ باندفاعاتها، ويتجاوب مع معاناتها كامرأة عاملة وأم وزوجة وشقيقة كبرى، وتغدو في الرواية أكثر شخصية يتعاطف معها القارئ، في حين تكاد نظرة القارئ للبطلة النباتية يشوبها نوع من القلق، بل تكاد تكون نظرة محايدة مشْبَعة بنوع من الهلع حول مصيرها الغامض خلف لهاثها تجاه حلم غامض! أما الشقيقة الكبرى فهي برّ الأمان في الرواية، المرأة الحنون، هي الأخت الكبرى فعلًا، التي بدورها تتماهى مع ما تعايشه شقيقتها الصغرى التي تتخيل نفسها شجرة، فتتخلى كليًّا عن الطعام حتى النباتي منه، وتكتفي بالماء؛ فالأشجار تكتفي بالماء وضوء الشمس لتكون وارفة، فائضة بالحياة! في حالة واضحة ومتقدمة من الفصام الكتاتوني وهو مرض عقلي – ذهاني – يؤدي إلى عدم انتظام الشخصية ، وإلى تدهورها التدريجي . ومن خصائصه الانفصام عن العالم الواقعي الخارجي ، وانفصام الوصلات النفسية العادية في السلوك . والمريض يعيش في عالم خاص بعيدا عن الواقع ، وكأنه في حلم مستمر. إذن نحن بصدد حالة مرضية خاصة ومحددة تمر بها إمرأة شابة في ظروف خاصة جدا لا يمكن تعميمها وتحميلها مضامين اجتماعية وابعاد فلسفية أكثر بكتير مما تحتمل.
في السرد أيضا الكثير من الحشو والتكرار، ومشاهد وفقرات يمكن حذفها دون أن تضر بالسياق العام، بل كانت ستزيده رشاقة ورهافة،
مثال- الإطالة في السرد :
( في النهاية، أنزل الفاكهة التي يحملها، ثم فتح طية الهاتف وضغط رقم هاتفها. حتى الدقة العاشرة لم تكن قد ردت على اتصاله، فحمل الفاكهة وبدأ الصعود على السلالم، وصل إلى الطابق الثالث وبلغ الغرفة التي عليها رقم ستة عشرة عند الزاوية، ثم بارتعاشة خفيفة دق جرس الباب. وظن أنه لا إجابة، فحاول تحريك مقبض الباب لكي يفتحه فوجده مفتوحًا. أحس بأن شعره يتصبب عرقا، فرفع قبعة البيسبول ثم وضعها ثانية. عدل هندامه
بسرعة، ثم أخذ نفسًا عميقا، وأخيرًا فتح الباب.)
في النهاية الكاتبة الكورية هان كانج كاتبة جيدة واعدة لها قدرة في وصف المشاعر الإنسانية والأبعاد النفسانية للشخصيات، ورواية النباتية رواية جوانية تبحث في دوافع النفس البشرية وتحفر عميقا فيها، في السرد أرادت الكاتبة أن يكون صوت الشخصية المحورية ” يونج هيه” خافتا باهتا، فلم نسمع صوتها إلا من خلال سردها للأحلام أو الكوابيس التي تطاردها طوال الوقت، لم تتبن الكاتبة السرد على لسان الشخصية المحورية ومن منظورها ، لصعوبة ذلك ! ربما ، أو لتبدو طوال الوقت مفعولا بها، لبتعاطف القارئ معها أكثر ، وقد كان.
..
• يتضمن هذا التقرير
1- تعريف مختصر بالكاتبة الفائزة بنوبل ٢٠٢٤
2- قراءة في أهم أعمالها وهي رواية ” النباتية ”
أولا: من هي هان كانج
• هان كانج مواليد ٢٧ نوفمبر ١٩٧٠ كوريا الجنوبية كاتبة صحفية
• مؤلفاتها
صدر لها في مجال الكتابة الروائية والقصصية ٣ روايات ومجموعة قصصية
1- النباتية، رواية،صدرت في 2007 ، ترجمها للعربية محمود عبد الغفار، دار التنوير سنة 2018.
2- أفعال بشرية، رواية، ترجمة محمد نجيب عن دار التنوير سنة 2020.
3- الكتاب الأبيض، رواية ترجمت للعربية سنة 2019.
4- دروس اليونانية. مجموعة قصصية.
• الجوائز الأدبية التي حصلت عليها “هان كانج”
1- جائزة سيول شينمون الأدبية الربيعية.
2- جائزة يي سانغ الأدبية (2005).
3- جائزة الفنان الشاب اليوم.
4- جائزة رواية الأدب الكوري.
5- جائزة مان بوكر الدولية 2016.
6- جائزة نوبل في الأدب٢٠٢٤
……
مصطفي الخطيب. مصر
٨ نوفمبر ٢٠٢٤
الأستاذ الفنان الأديب مصطفى الخطيب لديه رؤية تحليلية فاحصة لما أحاط رواية النباتية للكاتبة هان كان من طقوس اجتماعية و نفسية ، ويتوافق مع شروط الاشتراك في الجوائز العالمية وسيلسة الدول ..
مما يضع أصبع الإبداع العربي تحت ضرس مافيا السياسة ، فهناك فنون و إبداعات عربية تستحق الجوائز لكنها معظمها يقبع في الظل تحت وطأة لجان التحكيم 🦋