رؤية الشاعر الناقد د. ياسر عبد الرحمن
السؤال الأول الذى تطرحه الرواية وهى الكتاب رقم 102 للروائى الشاعر نشأت المصرى- ماذا يريد الإنسان من الحياة ؟ فتكون الإجابة موحدة فى جميع الآراء . وهى (السعادة) ولكن تختلف الآراء فى التفاصيل فالبعض يرى السعادة فى جمع المال والبعض يراها فى الحب اوالنجاح فى تحصيل العلم وعمل الأبحا ث والحصول على الدكتوراه أو النجاح السياسى والإجتماعى والبعض سعادته فى أمور بسيطة والبعض يجدها فى أمور معقدة وأحلام مستحيلة
والإجابة تركها المؤلف مفتوحة ليصل القارئ إليها بنفسة .. لكنه أجاب عن سؤال مهم عبر مسار الرواية وهو – متى تقتحم الخيانة الحياه الزوجية ؟ فما بدا من أحداث يؤكد ان افتقاد الحب بين الزوجين يفتح الأبواب على مصراعيها فى انتظار لحظة خيانة قادمة .. وقد تكون الخيانة مادية او معنوية بالجسد او بالعقل والروح ..أما القلب المسكون بالحب لا يمكن للخيانة ان تسكنة ..فنجد سماح التى تفتقد للحب الحقيقى وتعتبر زواجها من خليل هو اختيار الفقر لها وليس اختيارها، فكان الشاب الأسمر الذى أنقذها من الغرق هو أول نوافذ الخيانة وإرهاصاتها حين تحدثت عن طعم (قبلة الحياة) التى عطرت أنفاسها منه كما صرّحت أن لسانها تحرك فى فم الفتى الأسمر للحظة لكنه لم يدرك مغزاها فقد كان مشغولا بمحاولة إفاقتها بعد ان أنقذها من الغرق، أعجبها الشعور بدقات قلبه وملمس جلده الناعم وقد ذهبت بعدها لتبحث عنه فى محاولة إقناع نفسها أنها فقط سوف تشكره على إنقاذها ولكن يفضحها حوارها الذاتى (أنت تبحثين عن ثمرة شابة شهية تسد بها جوعك)فهى اعترفت لنفسها انها اشتهت الفتى المنقذ بالفعل والذى أوقفها أنه لم يصلها أى اشارة منه لتشجعها على الإستمرار.
وبالرغم من أن العلاقة بين خليل وسماح لم تكن جيدة إلا انها كانت محورالتجربة الإنسانية فى الرواية والتى اتجه بها الكاتب فى لعبة تشبه الكوتشينة الى إعادة ترتيب المصائر والمشاعر والعلاقات الإنسانية فى شكل متعاقب ليجد كل شخص نفسه أمام مصير مختلف وشخصية جديدة وحياة اجتماعية وبيئية مختلفة كأنها فرص أخرى للأبطال تعطيها لهم الحياة لعل احدهم يجد سعادتة المنشودة وهى الحلم الذى يسعى إليه جميع أبطال الرواية.
والحقيقة أن عنوان النص مدهش فعلا وشديد الذكاء فهو يتكون من كلمة واحدة تلخص كل أحداث الرواية .ولا أعرف هل كتب المؤلف روايته ثم أوجد لها العنوان أما أن (الكوتشينة) كانت الفكرة الأولية ولحظة الإشتعال الذهنى التى صنعت الرواية من خلال تكرار حركة (التفنيط) وإعادة ترتيب الأماكن والأشخاص لتنبثق علاقات مختلفة وتجارب إنسانية جديدة أغلبها لا ينجح فى الحصول على السعادة المنشودة
وقد طرح الكاتب داخل النص العديد من القضايا الإجتماعية والحياتية
- مثل فكرة الزواج المبكر للفتيات والذى تنقصة خبرة الحياة وحسن الإختيار ويصطدم هؤلاء بنمطية الحياة واعتيادها وعدم فهم قيمة الحب مما يؤدى غالبا الى الفشل وقد تزوجت سماح بعد نجاحها بالثانوية العامة فى 2/2/1982 فعاشت مع خليل فى حالة معاناة وانفصال نفسى
- فكرة التداخل بين المعارف والأقارب والأصدقاء وإلى أى مستوى يجب أن يصل هذا التداخل حتى لا يمثل خطورة على جدار التماسك الأسرى فيعاد ترتيب الأوراق بأقدار جديدة تنتقل بها الشخصيات إلى علاقات جديدة.
- الحسد كطبيعة بشرية وتيمة اجتماعية وحقيقة دينية وواقعية وقد حدث حين احترق أحد المصابيح بصوت مدو فى عيد ميلاد مهند فعلقت ام خليل بصوت خفيض (قل أعوذ برب الفلق) فهى أدركت بوجود عين حاسدة فى المكان بسبب البذخ الواضح فى الحفل ووجود فجوة مجتمعية بين بعض المدعوين واسرة خليل .
- طرح النص قضية الكيان المثقف سواء رجل او امرأة ومدى معاناة كل منهما فى التوافق مع الحياة والتعايش مع الأشخاص العاديين ومدى حساسيتهم حين يتعاملون مع مجتمع لا يفهمهم وردود أفعالهم غير العادية ومشاعرهم الأكثررقة والأقل قدرة على تحمل الصدمات فهذه الكيانات المثقفة غالبا لا يجدون من يلمس قلوبهم ويخرج من أعماقهم طاقة الحب والبهجة ويحتويهم ولعلها أزمة الكثير من المثقفين.
- الكرونا التى كان لها شديد الأثرفى حياة جميع الأبطال فمنهم من شعر بالخوف وقرر تأجيل أعماله مثل مهند ومنهم من غيرت مسار حياته بالقضاء عليها مثل كارلوس الذى كان قدره الموت وقدرزوجته رولا الحزن ومواجهه شبح الوحدة والألم الذى سبق وجربته مع فارق وجود ابنتها الذى كانت متغيرا إيجابيا يدفعها إلى الإستمرار فى الحياة.
- كما أعطت الكرونا كمتغير اجتماعى للبعض فرصا جديدة فكانت السبب فى شجاعة صفوت الذى طلب الزواج من ناريمان ام ابنته بالروح سحر بعد أن شعر أن حبيبته سماح لن تقبل بزوج مريض لكنها قبلت به كحبيب شاركها مشاعر جميلة وموسيقى حالمة
ومما لا شك فيه ان المال كان عنصرامتحكما كورقة (الولد) فى الكوتشينة والذى يحصد الأوراق الأخرى فنجد خليل تزوج شيماء والتى صرحت أنها (جائعة الى المال ) وأيضا تزوج غادة السكرتيرة التى تعمل لديه ووافقت به لأنه يملك المال وفى نفس السياق نجد صفوت حين تظاهر بتأسيس شركة جديدة فى الحفل الذى أقامة له صديقة لرفع معنوياته بعد محاولته الإنتحار نجد ظهور فاطمة حبه القديم ومعها زوجها ومحاوله كل منهما التقرب له على اعتبار أنه سيصبح رجل أعمال وجاء فى نفس السياق تامر الجميل الذى تمنته سماح فى طفولتها لأنه كان يملك المال ولكن فازت به فى النهاية فوزية المريضة نفسيا لأن أباها من أغنياء البلد رغم كون تامر لم يكن فقيرا وقتها ولكن البحر يحب الزيادة، وكان من أغرب لحظات (التفنيط ) وإعادة ترتيب المصائر أن يطلب تامر الجميل الزواج من سماح بعد مرور السنوات، ولعله لم يعجبه فيها شهادة الدكتوراه الحاصلة عليها أو مركزها الإجتماعى الجديد ولكن لعله اهتم اكثر بأموالها التى دفعت بها إليه ليتاجر فيها ويستثمرها فى تربية المواشى … رغم أنها قبل السفر الى البلد عرجت الى شقة صفوت لتخبره بقرارها ولخطف بعض لحظات السعادة لتعطر أذنيها بكلمات الحب وتغوص بأحلامها فى عينيه الخضراوين ولكنها كانت تعلم ان الحب وحده لا يبنى زواجا ناجحا فهناك حسابات أخرى مثل حالته الصحية المتأخرة، وكذلك حالته الماليه المنعدمة فهى لا ترغب بإضاعة لحظات الحب الجميلة مع احتمالية قيامها بدور الممرضة لحبيب فقير حتى لو كانت تستمتع بعزفه على الكمان.
برع المؤلف فى إظهار أزمة كل بطل على حده وحين يقدم عبر الرواية بعض الفصول بأسماء الأبطال فيقدم فيها ازمة كل بطل من وجه نظره الخاصه ويقدم قراءة لمشاعره ووجدانه وتفاصيل المشاهد التى لم يحكها الطرف الآخر فتجد نفسك تتعاطف معه مثلما تعاطفنا فى بعض الصفحات مع شيماء حين حكت مع بداية حياتها مع صفوت وكيف كان يحافظ على مشاعرها وعن حادث وفاة ابنهما وليد باعتبار صفوت السبب فى موته وعن كونه لا يناديها باسم شوشوالذى تحبه وكذلك تعاطفنا مع خليل الذى بذل المؤلف جهدا فى جعله صاحب الورقة الأربح فى اللعبة وهو المال فبدا كشخص مسيطر مستبد أنانى يشترى كل شئ بأمواله ولكن أنصفه الكاتب فى صفحات أخرى حين كشف لنا تعالى سماح وعدم قبولها بأى محاولة إرضاء منه وامتناعها عنه كزوجة كما تحدث عن كونه لا يجد السعادة فى الحب فالجميع يطمع فى ماله بلا حب حقيقى وكذلك تعاطفنا مع سماح لعدم قدرة خليل على فهمها والإحساس ببعد المسافة بينهما وتعاطفنا مع رولا حين افصحت عن مشاعر الغيرة والوحدة بعد زواج أختها من مهند وعن مشاعرها المتعارضة حين وجدت كارلوس فكانت تتمنى ان يعارض الأب والأم هذا الزواج التى تحلم به لتشعر بأهميتها بينهم وكان من علامات مهارة الكاتب أن يجعلك فى لحظات متقاربة تتعاطف مع الشخص وضده لتجد نفسك فى النهاية قد تعاطفت مع الجميع ولا تحمل فى قلبك اى ضغينة تجاه أحد الأبطال وتنتظر فقط فى صمت على مقعد القارئ تتأمل تقلبات الحياة وإعادة ترتيب المصائر وتوزيع الشخوص ولاتتعجل النتائج فمثلا كانت شيماء هى الأعلى صوتا من صفوت وكذلك خليل هو الأعلى صوتا من سماح فكان من المتوقع بعد لقاء اصحاب الأصوات الأعلى ان يلتقى أهل الرقى والحوار الهادئ فى حياة سعيدة وهم صفوت وسماح و لكن الرواية لم تحمل هذة النهاية فقد جاءت نتائج كثيرة خارج التوقعات لذلك كان من الأفضل للقارئ عدم محاولة القفز الى النتائج لان اللعبة الأصلية وهى الكوتشينة لها قوانين متغيرة تضع الأحداث دائما خارج نطاق التوقع.
ومرض صفوت كانت أحد المتغيرات المؤثرة على قراراته لذلك صارح نجاة الأستاذة الجامعية التى تصغرة بالسن ويعلم انها متعلقة به نصحها ان تتزوج من زميلها د وفيق حتى لا تكون بجمالها وشبابها ضحية لمرضة فهو يعلم ان بالمنطق والحسابات لا يمكن ان ينجح زواجه من د نجاه كما لن ينجح مع سماح والتى صارحته بعينيها بسؤال لم تجرؤ على النطق به –هل توافق على أن أجدد الحياة بدونك بعد عودتنا من باريس؟ وكانت نواياها قد اتجهت إلى شخص آخر يناسبها حسابيا
والمفاجآت مازالت تتوالى مع تقليب الأوراق وإعادة توزيع الفرص لعل أحدهم يحصل على السعادة الحقيقية وبسبب كرونا و الإجراءات الإحترازية والحظر ظهرت متغيرات جديدة فطلب صفوت الزواج من ناريمان فى مكالمة هاتفية جريئة وهى تشعر بحب تجاهة ليس بالحسابات المادية كالأخرين ولكن بحسابات انسانية فإبنتها تراه ابا روحيا وتعتز بنصائحه وهى تراه فنانا جميلا وانسانا رقيقا اما مرضه فلا تراه كالإخريات حاجزا يمنع الحب فكانت من أجمل الكلمات التى جاءت بالرواية (الحب يؤجل الألم ) وجمع بينهما اسرع زواج كما وصفته البطلة والحق ان زواجهما اسعد القارئ , فهى الشخصية الأكثر نضجا فى الرواية و صاحبة الروح النقية وهو الإنسان المثقف صاحب القيم الذى اذلته الحياة فاستطاعت بقلبها احتواءه وتطيب جروحه كما قدم الكاتب وجهه نظر محترمة انه رغم كون ناريمان إنسانه عادية وليست مثقفة فى مستوى سماح إلا انها استوعبت صفوت وقبلت به زوجا بعد ان كشفت المواقف ان سماح ارادت الحب فقط من صفوت وليس الزواج فكانت تخشى من ازمة صفوت المالية ومرضه المزمن ليقول الكاتب فى النهاية انه ممكن لامرأة عادية ان تستوعب فنانا مثقفا اذا آمنت بقيمته وأحبته وكانت هى الأكثر تدين من سماح والأكثر احتراما لقيم الرجولة وحق الأنسان المريض فى الحياة وكان رد فعل سماح يحمل شيئا من الغرابة فقد تساءلت لماذا لم يقدم على طلب الزواج منها وهى تعلم انها ماكانت سوف تقبله فهو مجرد محطة استراحت فيها قبل ان تغيب فى الزحام ونهاية الرواية كشفت عن أنانية سماح وحبها لذاتها فهى تكره الكذب ولكنها كما وصفها المؤلف تدمن الكذب مع نفسها
ومن الأمور الجميلة فى النص خروج الكاتب عن واقعية السرد الى ميتافيزيقا الخيال فقام بأنسنة الكرونا وجعلها كأنها جيش له قيادة وقرارات ويقوم بحروبه على البشر بكامل ارادته مع تلميح ان منشأ المرض من الصين رغم اعتراف عناصر الكرونا انهم لا يعلمون الصانع لكنهم اصحاب قرارات ولهم حرية اختيار الضحايا ومن ضمنهم كارلوس الذى اصيب ومات بالكرونا وكانت نيتهم قد اتجهت بعدها للقضاء على ابنته ثم حدث تراجع لأسباب انسانية فجاء سريعا قرار القيادة بعدم الهجوم على الإبنة الصغيرة رأفة بالأم رولا
- ومن اروع المشاهد بالرواية والتصوير بالكلمات محاولة صفوت الأنتحار فبعد اتجاه نيته للموت زاحمت افكارة اعمق ذكريات الحزن فى حياته لحظة ان دهس بالخطأ ابنه وليد(ارتعشت والعجلة ارتعشت .سمعت أنينا مكتوما عمره نحو عشرين عاما لم تمحه أكذوبة النسيان .كيف لم ينطق ,كيف لم تصرخ العجلة بى قبل ان تسرق عمره ) ليبدأ الكاتب فى وصف لحظة الخروج النفسى من الحياة استعدادا للموت فى وصف موجع ومؤثر (انطلقت العربة بلا وعى ,لا يعدل مسارتها المختلة صراخ السيارات ووعيد الأشارات الحمراء ,للمرة الأولى أقود عربتى على هواها ,أنثر قلقى على الأسفلت ويختلط رحيق نفسى بعادم السيارات) ثم تأتى لحظة الإنتحار بالإنحراف العمدى للسيارة تجاه النهر فيقول الكاتب (قفزت العربة الى النهر, الماء حياة حين تنزع الحياة, لا أعتذر لأحد, وإنما الحياة عليها ان تعتذر لى , العربة ترتطم بالماء كقنبلة , أين تذهب روحى الآن, تلهفت على معانقة عالمى الجديد , رأيت خيالات تحددت شيئا فشيئا هذا رأسى وهذه قدمى تتألم , الجنة لا تعرف الألم , ليست الجنة ما أرى ولا لهيب النار,قال أحدهم – أنت رجل طيب , قليل ما ينجو مثلك) وهكذا تنتهى محاولة الإنتحار بعكس ما توقع القارئ بالفشل ليجد البطل نفسه مرة أخرى فى مواجه أوجاع الحياة
- والحقيقة أن مساحة الفلاش باك اضافت إجابات كثيرة لأحداث الرواية فتفاصيل موت الإبن وليد جاء من منطقة ذكريات من الأم شيماء ومن الأب صفوت بدأت حين التقت أسرة خليل بأسرة صفوت فى النادى، فشعر صفوت أن مهند يشبه ابنه الراحل وليد ثم بدأت تفاصيل هذا الحادث تتوالى على مراحل لندرك أن الطفل مات مدهوسا تحت عجلات سيارتهم الجديدة فى خطأ مشترك بين الأب والأم، رغم ان كلا منهما لا يرى سوى خطأ الآخر وكذلك الحديث عن زواج أبو صفوت والذى لم يفهم مغزاه بالرغم من مرور السنوات فقد تزوج الأب من امرأة لم تكن تناسبه وطلقها بعد ثلاثة أشهرفقط أشار أنه ورث سوء الاختيار عن أبيه وكذلك ضعف النظر لذلك يرتدى تلك النظارة، وأيضا حكاية المقدم رزق جارهم المضطرب نفسيا والذى أطلق النار تجاه زوجته ثم اختفى ليقابله خليل بعد سنوات فى الشارع كأحد المجذوبين بينما زوجته تدّعى انه بخيروخلافات هذه الأسره كانت غريبه , فهم أثرياء ليس لديهم أزمات ماليه ولكن لم يطرح المؤلف إجابة شافية لسبب خلافهم لعله تركها ليتصور خيالك بوجود خيانة أو خلافات تنصهر فى المحور الرئيسى لمسار الرواية حيث أن رزق بلا شك ضل الطريق إلى السعادة التى يبحث عنها الجميع، أما زوجته لعلها وجدت ولو جزءا من سعادتها فى غيابه و أمر آخر مهم هو شخصية عزت الرجل الذى صاحبه فى البداية دون ان يعرف اسمه أو عمله فى محاولة لصناعة حالة صداقة بلا مصالح وهى تجربة إنسانية جديدة فكرتها شديدة الغرابة ومبدعة، فحين تتحدث مع شخص لا يعرف عنك أى معلومات , تفضفض معه بلا حرج فتشعر براحة من نقل أوجاعك وحكاياتك إلى طرف لا يعرف شخصيتك ولن يوجه لك عتابا أو لوما ولكن كانت القيمة الأعلى لهذة الصداقة حين ساند عزت صفوت فى محنته وأقام له حفلا لإخراجة من حالته النفسية السيئة بعد محاولة الانتحار وكل هذة الأمور تدل على حرفية الكاتب فى توليد الحكايات وصناعة الأحداث التى ترفع مستوى التشويق بالرواية بل ويصر المؤلف على إدهاش القارئ بمفاجآت مستمرة قد لا يضع لها أحيانا تفسيرا مثل القبض على الباشا صديق عزت وهو رجل أعمال معروف بعد انتهاء الحفل واستسلام الرجل لهذا الإجراء كأنه معتاد على ذلك
- وتأتى ظاهرة فنية أخرى وهو اهتمام الكاتب بالتواريخ مثل تاريخ زواج خليل من سماح بعد تخرجها 2/2/1982 وكذلك عام 2008 حين ذهبت عائلة خليل إلى حضور أوبرا عايدة فى 20/10 /2010 زواج مهند من فريدة.وتاريخ 2016 تصريح كارلوس لولا أنه فى فرنسا يشعر بالوحدة ويحتاج اليها وفى 13 أكتوبر 2018 قرار سماح للسفر الى امها بعد ان طلبت الطلاق لتتحرر من غزو خليل لحياتها. وغيرذلك من التواريخ المختلفة التى اهتم بذكرها المؤلف لدرجة أنه ان أحد الفصول وهو العاشر جاء مصحوبا بالتاريخ (ولكنه عام 2010) وكأن الكاتب كان حريصا على توثيق المشاهد والأحداث وترتيبها فيلتفت القارئ للتسلسل الزمنى لينسجم أكثر مع الأحداث .
- ومن الظواهر اللافته أيضا بهذا العمل هو العناوين الفرعية للرواية والتى جاءت كلها مقرونة بكلمة لكن أو لكنها او لكنهم (لكنها ضربة معلم )(لكن سماح كالبحر ) (لكن للأمس سطوة ) وباقى العناوين الفرعية جاءت بنفس الكلمة الإستدراكية وهى حرف عطف واستدراك يثبت لما بعده حكما مخالفا لحكم ما قبله ، وأصله لاكن ، حذفت ألفه خطا لا نطقا فتساءلت عن سبب هذا الأسلوب الذى تعمده الكاتب فى العناوين الفرعية فهى أيضا تفيد التوكيد وكأن الكاتب يؤكد على حقائق يراها فى كل فصل فحرص على أن يستدرك المتلقى حتى لا يضل طريقة فى فهم هذا المحتوى المتداخل ، فكل ما جاء بالرواية هو بنات أفكار الكاتب وهو الأكثر علما بكل تفاصيل الأحداث ومجملاتها فأراد الكاتب إعطاء إشارات صريحة يلتفت لها القارئ تساعدة على فهم كل فصل على حده كمصابيح إضاءة تنير الطريق وبلا شك حوت هذه العناوين لمسة الكاتب الفنية الجميلة فبدت بتشكيلات فنية مميزة وتعبيرات هى فى ذاتها باقات من الدهشة والجمال.
وحين نتحدث عن اللغة فلا نبالغ بوصفها البطل الرئيسى فى هذه الرواية فغالبا ما تحمل الروايات جماليات لغة السرد ورقى الحوار وقد يفسد الملل والترهل العمل الفنى فتكون اللغة هى المسئول الأول عن وصول هذا الشعور للقارئ والروائى العادى يجب أن يملك الجاذبية والسحرفى بنائة اللغوى وليس فقط المهارة فى استحضار الشخوص ونسج الأحداث وحين يكون الروائى شاعرا ,فهو يمتلك أدوات الشعر مضافا اليها أدوات الرواية فيرتفع مستوى اللغة الى درجة قد تحمل نوعا من الخطورة أحيانا فتصبح اللغة نخبوية تخاطب الصفوة المثقفة ولكن تأتى لغة الأستاذ نشأت المصرى وهو الشاعر الروائى بلا تقعير او تعقيد وبلا صور ذهنية سريالية تخطف معانى الكلمات من النص و ممكن القول أن لغة الكاتب سردية تحمل جاذبية السرد مدمج فيها عبق الشعر الفواح وليس لغة الشعر برمزيتها الصارخة وتراكيبها الذهنية الصارخة والمؤلف له أيضا كتابات عديدة للطفل فهو يملك القدرة على تبسيط المعلومة وتبسيط معنى الكلمات فاستطاع استغلال مواهبة المتعددة فى بناء لغة خاصة به ليست بسيطة ولا معقدة ولكن بين بين واستغل موهبته الشعرية فى صناعة جمل وكلمات وصورمدهشة بمنطق السهل الممتنع امتدت عبر صفحات الرواية لتجعل القارئ ينجذب إلى العمل لينهل من شاعرية السرد والحواربكل سلاسة يتذوقها بعطرها الفنى الجميل، فتصنع فى قلبه حالة من البهجة والسعادة والشعور برُقى المعانى فيستمر فى القراءة إلى النهاية بلا توقف او ملل والكاتب أجاد تطويع مستوى لغة الحوار مع الأشخاص فترتفع برومانسة مُحلقة حين تكون بين صفوت المثقف والفنان وبين سماح المثقفة المحبة للفن بينما تنخفض حين يكون الحوار بين شيماء وخليل او شيماء وصفوت وهى إحدى علامات المهارة أن يتوافق مستوى اللغة مع ثقافة الشخصيات المختلفة بالرواية وهى نقطة بلا شك تحسب للمؤلف، فكل الرواية تنساب فى أريحية بين يد المتلقى بما فيها من جمال ورقى ووضوح بصحبة عطور الشعر الخلابة ولمسات الروائى الفنان المتعدد الموهبة.
وكان للشعور بالغيرة وجود جليى فى العلاقات داخل النص فجاءت غيرة رولا من شقيقتها فريدة بعد ان اختارها مهند كزوجة له ,فهو كان صديقا مشتركا لهما منذ الطفولة , وكذلك جاءت غيرة صفوت من خليل لوجود سماح معه وكانت هذه نوع غريب من الغيرة فالحبيب يغار من زوج الحبيبة وكما يقال ان أتعس أمرأة فى الحياة هى التى تعيش منقسمة بين رجلين أحداهما يملك قلبها والآخر يملك جسدها , ثم تأتى غيرة شيماء على صفوت من بعض صديقاته كالدكتورة نجاة وغيرها وتصفهن بأنهن غير محترمات لأنهن يتحدثن إلى رجل متزوج فمرت الأيام وهى تحدثت مع خليل كأنه تذكير من القدر ألا تسئ الى أحد فقد تكون مثله يوما , كما كان لغيرة سماح من عشيقات زوجها التى تعلم انهم يلاحقونه فقط طمعا فى أمواله وغيرتها عليه لم تكن كغيرة امرأة تخاف أن يضيع منها رجل بل غيرة امرأة تبحث عن أخطاء رجل لا تحبه وترغب فى إيجاد أسباب للبعد عنه.
وكان للتكنولوجيا الحديثة والميديا والتواصل عبر النت مساحة كبيرة فى التواصل وتقريب المساحات وصناعة خصوصية لحياة كل فرد وكم كانت سببا لحدوث كوارث وأزمات عائلية مثلا تواصلت شيماء مع صفوت أثناء سفرة إلى الصين عبر الماسنجر والذى فتح مساحة للتواصل والفضفضة بينهم وكذلك تواصل رولا عبر الفيس مع بعض الشباب وأخرهم كارولس الذى أحبته وتزوجته بعد أن أشهر اسلامه فى الأزهر ليتزوجها وسافرت معه إلى فرنسا وكذلك تواصل سماح وصفوت عبر الهاتف المحمول والماسنجر وأخيرا زواج ناريمان وصفوت عبر النت وترديد كلمات الزواج خلف المأذون أمام الشاشة وطباعة الأوراق الخاصة بتوثيق الزواج والتوقيع عليها وتبقى فقط ان يقوم المأذون بتوثيقها بالمحكمة الشرعية بعد أن تهدأ حالة الكرونا كل هذ يكشف عن تأثير التكنولوجيا والميديا والمستحدثات على سلوكيات المجتمع وتصرفاته وهو أمر لا مناص منه.
ومن الظواهر الفنية اللافتة فى هذة الرواية هو وجود شخصيات ثانوية ظهرت فى أسطر قليلة ولكن كان لها عظيم الأثر فى حياة الشخصيات الأساسية ,فقد تركت داخلهم علامات وعاهات نفسية تسببت فى تغير مسارات حياتهم فى المستقبل البعيد عبر سنوات عديدة وأول هذه الشخصيات هو العمدة الذى حاول إجبار والد سماح على قول شهادة زورضد شخص برئ فرفض فنَهره وهدده مما تسبب فى وفاته مقهورا حزنا وكمدا من إهانة العمده له مما ترك داخل سماح شعورا دائما ببغض أصحاب النفوذ والمال الذين يتحكمون فى مصائر الناس حتى أنها رأت خليل زوجها ضمن هؤلاء بعد أن علا شأنه وزادت هوه المسافة النفسية والجسدية بينهما،
والشخصية الثانية التى لم تظهر سوى فى صفحة واحدة فى إشارة صغيرة هى زوجة والد صفوت الذى رأى أن زواجة منها هى هزيمة أمام امرأة تفوزبلقب الزوجة الثانية وقد طلقها بعد عدة أشهر دلالة سوء الإختيار الذى يرى أنه ورثه عن والده فأوصله للزواج من شيماء غير المناسبه له وهكذا يرى البطل أن زوجة أبيه أساءت إلى والده أولا ثم أساءت إليه حين أعطته سببا وجيها للإختيار الإنسانى السئ فكان فى حياته ماكان.
ونتذكر أيضا شخصية وليد الأبن الذى تذكره صفوت للمرة الأولى حين رأى مهند وظهرت سيرته وقت مشاجراته مع شيماء والذى حام بذاكرته لحظة الإنتحار وكيف كان موته شرخا بين صفوت وشيماء وجرحا لم يندمل عبر السنوات رغم وجود التوأم رولا وفريدة فكان سببا رئيسيا فى وصول العلاقة بين البطلين إلى طريق مسدود رغم وجود أسباب خلاف أخرى كاختلاف الطباع وعدم وجود الحب والشغف فى حياتهمان فكان لكل منهما طريق نفسى مختلف لا يتلاقى مع طريق الآخر.
زوجة رزق التى بدت ضعيفة خائفة فزعة من زوجها الذى يحمل السلاح لنكتشف عبر الأحداث أن الرجل فقد عقله وهام مجذوبا فى الشوارع بهيئة المجذوبين البشعة ، لندرك فى النهاية أنها هى الطرف الأقوى فى المعركة ليتحول بسببها الرجل إلى هذا الكيان الإنسانى الضائع فى طرقات المدينة ولعل ما جرى بسبب الغيرة أو الخيانة ولكن ليس المال فقد كانوا أثرياء واستطاعت أن تكمل حياتها سعيدة بدونة لتنتهى حكايته بهذا الشكل المأسوى
وفى خضم الخلافات الإنسانية والمعارك النفسية والإحباطات كان عنصر الزمن هو معيارشحن المشاعر السلبية داخل النفوس التى حين امتلأت فاضت بقرارات الرغبة فى التغييروتبديل المسارات الحياتية فقررت شيماء الانفصال عن صفوت لتذهب بكل اقتناع إلى اختيارها الجديد خليل الذى لم ير غضاضة فى كونها سمينة فهو يحب البدينات ورغم ان حياتها مع خليل لم تكن مثالية وشابها صدامات عديدة إلا انها كان ترضخ له فى النهاية، عكس ما كان يجرى مع صفوت زوجها السابق وكذلك قرر صفوت الانفصال عن عمله وتقديم استقالته بعد أن شعر أنه استنزف حياته في عمل لا يحبه وقرار الإنتحار الذى فشل فيه كشف أمامه حقائق جديدة مثل قدرة صديقه عزت على العطاء وحبه له وكشف له ان المال قادر على استدعاء الحب القديم وكان صفوت واقعيا وحريصا فى اختيار طريقة الجديد لأنه يعلم جيدا بظروف مرضة وقلة حيلته المالية فابتعد عن نجاه وسماح واختار المرأة التى شعر معها بالراحة والأمان والاحتواء، أما سماح فقررت بعد فقدت الأمل فى استمرار حياتها مع خليل خاصة بعد علمها بزواجه من شيماء قررت العودة إلى قريتها منية النصر لتعيش مع والدتها وتبدأ حياه جديدة فى محاولة يائسة لاستدراك الباقى من حياتها ولملمة أحلامها المبعثرة بعد ان ضاعت حياتها ودهستها عجلات الزمن، لتتركها امرأة خمسينية مشتتة تبحث عن حقها فى السعادة والحرية وكان قدرها لقاء تامر الجميل الذى كانت تحلم بالارتباط به وهى فتاه صغيرة فى المرحلة الثانوية فيتقرب إليها سريعا ويطلب منها الارتباط فتوافق بحذربعد ان تأكدت من حسن تعامله مع زوجته فوزية المريضة نفسيا وتتحرك حكايتهم فى اتجاة الزواج ولكن بلا بهجة او سعادة .
وعنصر الزمن لم يظهر فقط على الشخوص الذين اختلفت ملامحهم ومشاعرهم وطموحاتهم ولكن ظهرت علامات مرور الزمن أيضا على قرية منية النصر مسقط رأس خليل وسماح فحين عادت القرية تنفست بعمق هواء الحكايات القديمة بعد أن رأت أمها و أنيسة رفيقتها وقد طعنا فى السن ولكن مازات أنيسة نشيطة كانت تتأمل القرية التى تغيرت ملامحها، فالجاموسة المربوطة فى بيت الجار اختفت والمصطبة الطويلة التى كانت تجمع أهل الحارة أزيلت .. البيوت غير البيوت والدكاكين تبدلت أو اختفت والشباب والشابات الصغار ينظرون إلى سماح كسائحة لا تنتمى للمكان والسرجة القديمة توارت تحت أقدام عمارة من ثلاثة أدوار رغم ان الشجرة الضخمة مازالت فى مكانها القديم وقد ظهرت لافتة لسوبر ماركت يملكها أحد العائدين من الخليج ومثل هذه المتاجر لم تكن موجودة من قبل وقد زارت سماح جارتها التى كانت تناديها (أمى الثانية ) وقد تقدم بها العمر وأصبحت بسبب أمراض الشيخوخة نزيلة المستشفى المركزى بالقرية ورغم ان التغيير طال كل ملامح القرية إلا أن شعورا داخل نفس سماح جعلها تشعر بالراحة لوجودها فى هذا لعل إحساسها بوجود حبها القديم أضفى على الحياة بعض الونس والصحبة .
والحقيقة أن نهاية النص كانت تحمل مفاجاءة غير متوقعة , فمن الطبيعى أن يكتب المؤلف الرواية ويصنع الأبطال وينسج الأحداث، ولكن من غير الطبيعى دخول المؤلف شخصيا فى السطور الأخيرة للنص قائلا (إلا ان رولا لم تخف كراهيتها لى , أنا الراوى الذى صحبكم أثناء الرواية , تتهمنى أننى اخترت مقتل كارلوس دون غيره, وقد أقسمت لها أننى مجرد مصور , يحمل كاميرا الكلمات ,فأسجل ما يجرى دون تدخل منى , لكنها لم تصدقنى ) ودخول الراوى لوصف لحظة معينة هو فن يسمى (كتابة الكتابة) ويبدو ان الكاتب رغب فى كسر حالة التوتر والأنفعال الناجم عن تلاحق الأحداث فى نهاية النص فجعل النهاية فى صورة دعابة لطيفة ونقلة فنية غير متوقعة تخرج بالقارئ من زحام انفعالات النهاية ببسمة خفيفة تعطر روحه كما أنه طرح بذكاء فكرة ان العمل هو الذى يكتب المؤلف وليس العكس، فالأفكار تسترسل وتتوالد من دفع بعضها البعض وهو كمؤلف مجرد مَرصد يستشرف هذه العوالم المتشابكة من منطقة الوحى والإبداع و ينقل هذة المشاعر والأحاسيس عبر الورق
وجاء الفصل الأخير يفضح أكذوبة تغيير البشرية إلى الأفضل الأمثل والى تهذيب النفوس ورقى الأخلاق بعد الصعوبات والمخاطر التى صنعتها أزمة الكرونا فبعد انتهاء الأزمة عادت الحياه الى مسارها الطبيعى بكل مرارتها وخداعها وعادت الأكاذيب والصراعات العالمية والمحلية وكأن شيئا لم يحدث ولكن أثبت الكاتب أن الشعور باقتراب الموت يجعلك تتخذ قراراتك وتغير اتجاهاتك فى مسارات غير متوقعه.
ويبقى سؤال أخير لم تكتمل إجابته إلا بعد قراءة كامل الرواية وسبق ان ذكرت فى بداية هذا التحليل انه يوجد سؤال ترك المؤلف إجابته للقارئ هو: هل حقق الجميع حلم السعادة وهل وجدوا ضالتهم المنشودة فى الحياة ولمسوا أحلامهم الضائعة وما يتضح من مسار الأحداث بكل التقلبات فى الأحداث والمتواليات البشرية التى تتابعت , بحثا عن فرص جديدة يجدون معها السعادة ؟ يكتشف القارئ أن تجربة الحب الوحيدة التى نجحت بين هذا الزحام هى تجربة ناريمان وصفوت فقد كان أصدق علاقة إنسانية فناريمان أمراءة ناضجة تسكنها مشاعر المُحبة الخجولة وهى لم تبحث عن رجل كامل بلا عيوب ولم تر مرضه حاجزا يحول دون تواصل الحب بينهما بل رأت ان مرضة دافع لوجودها جواره ، فهى أيضا جربت مرارة المرض حين تكون وحيدة ، وهى استطاعت رؤية نقائة واحترامه لنفسه وقدرته على الحب والعطاء وابنتها سحر تثق فى رأيه واتخذته أبا روحيا لها كما ان صفوت وجد فيها امرأة جميلة من الداخل نقية لا تحلم بالمال او المنصب … وتحبه حبا حقيقيا بلا أطماع وتحترم ثقافته وفنه وتحب سماع عزفه على الكمان وشاركته فلسفة ان الحب (يؤجل الألم ويتغلب عليه) فوضع لهما المؤلف أجمل فكرة رومانسية لأسرع زواج فى التاريخ حيث كان وقت الحذر والكورونا بكل ما يحمل هذا الوقت من تراجع فى الحياه وفزع من الموت ,لكنها لحظة الحب الصادقة التى تكسر القواعد وتصنع المستحيل , فطلب يدها عبر الهاتف فردت بالموافقة التى جعلته يحزم حقائبة ويذهب اليها فورا لإتمام الزواج فى مشهد عجيب يجمع بين مرارة الحذر ومميزات التكنولوجيا الحديثة فلم يكن هناك حفل مبهج أو زينات ومدعويين ولكن كان هناك صدق المشاعروحب رفيع المستوى يسمو بهما فوق منطق الحياة فعقد زواجهما المأذون عبرشاشة النت وتم الزواج بكل البساطة التى لم يكن ليتوقعها القارئ او الأبطال بالرواية، بل أجزم أن المؤلف نفسه لم يكن ليتوقع أن يدفعه مسار الأحداث إلى مثل هذا المشهد الإنسانى الجميل الذى فاز فيه رجل وامرأة بالسعادة الحقيقة المفقودة بين جنبات هذا العالم.
فكل التهنئة لكل من أدرك اسباب سعادته وسعى فى تحقيقها وكل التحية للمؤلف المبدع الذى أخذ أرواحنا فى جوله جميلة داخل عالمه الخاص واستطاع بمواهبة المتعددة وخبراته الكبيرة فى الحياة أن يصقل تجارب الأبطال ويكشف من خلال الرواية أبعادا عميقة للحياة حين تكون جدباء متشققة ومتعطشة للحب ، وكيف أن الإنسان يحتاج للحب فى كل مراحل عمره وكيف تنبت المشكلات الأسرية ثم تنمو لتنفجر فى وجه الجميع بعد مرور السنوات , فقد يرى بعض من لا يملكون الخبرة أن هؤلاء المتزوجين قد استقرت حياتهم بعد عمر معين ولكن فى الواقع تكون الأزمات كبركان خامد تنتظر لحظة انفجار …الحقيقة ان ما قدمه الروائي الكبير نشأت المصرى هو إبداع راق رفيع المستوى يحمل خليطا من الخبرة الحياتية، والمهارة الفنية و يستحق كل التحية و التقدير .
* ياسر عبد الرحمن*