لصحيفة آفاق حرة:
هل ( للق ق ج ) نهايـــة ؟
بقلم. د. ميمون مسلك. مراكش. المغرب
لكلّ شيء نهاية في الحياة، إلاّ العمل الفنّي الرّاقي الإبداعي..فدائمًا يبقى لنهايته المُرتقبة المُتوهَمة.. ما بَعدها : من تأمل، و تساؤل، و تأويل. و من ذلك (الق ق ج). إنّ الذين نَظَّروا لهذا الجنس جعلوا لهُ نهاية أو خاتمة ولقبوها بـ (القفلة) اقتباسًا من قفلة الشّعر ، أو الموسيقى..بل القفلة موجودة في الفيلم السينمائي، و في المسرحيات، و السّرديات كالرّواية و القصّة القصيرة الكلاسيكية.
و لكن مع التّطور السّردي، واختلاف و تنوع الأساليب الحديثة، و الجِدَّة في معمارية النّص (Architecture de texte)، و اعتماد العلامات اللّسانية، والمعاني الإيحائية.. أصبح كلّ النّص يَنبني على أساس تعدّد الدَّلالات ، التي ما هي إلا نسق مُكوَّن من عَلامات.
و ما دامت (الق ق ج) و ليدة هذه الحداثة، و الجدَّة ذات السيميوتيقا النّصية. أصبحَ من اللازم إعادة النّظر فيما يُسمّى بـ ( القفلة) ذلك أن (الق ق ج) لا قفلة لها في السّياق. بل أصبحت الجملة الآخيرة مَفتوحة مشرعة على كلّ الاحتمالات و التّأويلات. و كأنّ السّارد فقد سلطته في تقرير مصير الشّخصيات ، أو توجيه الحدث و تحديده فيما يُنهيه.
و لهذا قلنا و منذ عقدين، إنّ أنسب اصطلاح لما يُعرف بـ (القفلة ) في ( الق ق ج) هو مصطلح: (الخرجة) بمعنى خروج ذهنية المتلقي إلى عوالم موازية تتيح التّأمل و التّساؤل على الصّعيد المعرفي ( Plan cognitif) و كأنّ الجملة الأخيرة في النّص بداية نصوص أخرى، تتناسل في مِخيال المُتلقي. و تعلنُ بذلك ألاّ نهاية محدّدة ( للق ق ج) ما دامت حتميتها عليقة بالتّكاثر، و التّبرعم نتيجة ما تفرزُه من تعدّد القِراءات المتجدّدة …
و مادام حديثنا عن (الخرجة) في (الق ق ج) فهي جملة الختم شكلا ، ولكنها مناط الّسرد ، فمنها انطلاق التّأويل ، و إليها يستند الـتّعليل ، و عليها يندرج التّحليل …فهي ذات أهمية قصوى . حتى أنّ البعض لا يرى قصة قصيرة جداً بدون (خرجة). و إن كان لي رأي مخالف. فالخرجة ، على ما هي عليه من أهمية ـ فقد يحدث ألا يأتي بها القاصّ كجملة أو تركيب شريطة أن يكون النص على درجة عالية من التّكثيف، أوالرمز، أو الحذف و الإضمار .. فنسقية النّص و سياقه ( Enonciation) وتصويره البلاغي ….كلّ ذلك يجعل (الخرجة) استثنائية لأنّ ما سبقها من كلام ـ إن وجدت ـ يغطى على إيحائها و تأثيــرها .و من خصائصها الملازمـــة التّالي :
1 ــ (خرجة) مفاجئة . غير متوقعة من قبل المتلقي . و لكن لها صلة بالموضوع .
2 ــ تحدث توثراً و انفعالا ، لنسقها الدّلالي و الّصدامي .
3 ــ تبعث على التّأمل و الحيرة و التّساؤل .
4 ــ تفتح آفاق التّأويل و التّحرّر من تخوم النّص .
5 ــ تأتي عفوية مع سياق الكتابة .
6 ــ لا تُصنّع ،و لا تعدّ ، سواء من قبل أو من بعـد ، ففي ذلك تصنع و تكلّف .
7 ــ تضفي جمالية دلالية على النّص ، لما تكتنزه من معنى سيميائي.
8 ــ تأتي على نسق بلاغي (Forme rhétorique ) يضفي مسحة فنية على النّص
9 ــ تتسم بطابعها الوظيفي (Fonctionnel) .
10 ــ تتسم بالميزة الجوهرانية ( Essencialiste)
و يأبى القاص حسن البقالي من المغرب إلاّ أن يلخص ما قلناه في “خرجة ” قصته : ” ذاكرة القطط ” خرجة غير مألوفة، لأنّه سمح لسارده أن يدعو المتلقي لتصوّر ما سيحدث، كدَعوة للمشاركة في كتابة النص، انطلاقًا من ( الخرجة ) لنتأمّل :
” اكتشفت البارحة أنّ للقطط ذاكرة تاريخية . كنت أتناولُ العشاء ، حين دنا منّي قط أسود، جعل يوجه إلي نظرات بليغة مرفوقة بمواء، لا يخطئ المعنى.
كنتُ جائعًا فتجاهلته، و كان جائعًا فألحّ في الطّلب. صارت النّظرات أقرب إلى التّأديب، و المُواء أشبه بالوَعيد، فلم يكن منّي إلاّ أن بادرته صائحًا : ‘ إدغار ألان بو’
و لكم أنْ تتصوروا ردّة فعله ! ”
و هكذا فالخرجة في (الق ق ج) دعوة للتّصور لا قفلة للحدث، و نهاية للمَسار السّردي.
و مهما تنوّعت، و تشكّلت . لا ينبغي أنْ تكون نهاية، بل بداية جَديدة بالنّسبة للمتلقي..
……