تمهيد:
وما الشاعر الحق إلا رسول لنشر نبوءة الحب القدسي وفضح خطايا الظلم والاستبداد؛ في عالم وحشي متورط في الانحلال، لم يعد للفرد فيه
مكان للطمأنينة والأمان، بل صار القلق الوجودي ملاذا وحيدا من إعصار الحروب
والظلم والطغيان…
أبدأ من عتبة النص الأولى :
“صيدنايا….وخيانة الضوء.”
وهذه العتبة هي النافذة التي يطل منها المتلقي على النص، فتتداعى إلى ذهنه”صيدنايا” وسجون صيدنايا، حيث تعرض فيه
السجناء لأقسى أنواع التعذيب؛ بما في ذلك الاعتداءات الجنسية وإيقاع الأذى عبر مواضع جسدية حساسة و تعدى ذلك إلى التعذيب النفسي
وشتى أنواع الإبتزاز…
النص بمعظمه توصيف دلالي إيحائي لصيدنايا:
(غياب فظيع
لصوت الآلهة
لروح الآلهة”
“الأجساد تتناثر…
الجلادون
يتلذذون…)
(ما بين استغاثات المعتقلين في صيدنايا
وتراتيل الراهبات في دير سيدة صيدنايا
ثمة متاهات…)
وتتداعى إلى ذهننا مرة واحدة كل الفظائع التي ارتكبت في حق المعتقلين
وأيضا كل الخطايا التي طالت راهبات دير سيدة صيدنايا، وهو الدير الذي
يعتبر محجة للمسيحيين
بعد القدس، وكان قد اعتقل عدد كبير من الراهبات كرهائن بقصد مفاوضات سياسية وابتزاز بشأن إطلاق سجينات أخر
معتقلات…
نسأل كيف تنتهك حقوق الإنسان وحرية الدين والمعتقد بهذه الفظاعة واللامبالاة!
في بلاد يدعي حكامها أنهم مؤمنون بالحريات ودعاة لتحقيق العدالة
والمساواة لكل المواطنين،
وأنهم يؤمنون بحرية الدين
والمعتقد لكل الناس .
كانت تتوالى
“تراتيل الراهبات” المعتقلات وتنظر إلى
أيقونة السيدة العذراء باكية متضرعة:
“يا أمنا لا تهملينا بشفاعاتك بل واصلي الشفاعة من أجلنا” وقد ذاقت الراهبات الأمرين حتى أفرج عنهن…
أمطرنا الشاعر بسيل من الإيحاءات الدالة التي تركت لدينا العديد والعديد من التداعيات والتساؤلات…
نتساءل عن ماهية وعن ” “مخططات صناع القرار”
وأيضا عن دهاليز تلك”المتاهات”
أليس ما حصل ويحصل “وصمة عار” في جبين البشرية؟؟ حيث تشيأ الإنسان ولم يعد يحسب له أي حساب.. حتى لو كان فيلسوفا أوعبقريا أو كان
“أي إنسان” وهل أصبح العالم يدين بشريعة الغاب؟!
أي جدوى أو قيمة للوجود بعد ما وصل الوضع إلى هذا الدرك من الحقارة
والبشاعة والوحشية؟! على
امتداد “خطوط الطول والعرض”
وأخيرا ينهي شاعرنا قصيدته بالكثير من العبثية :
“وكأن المسافة
خانت الضوء
والصوت…”
بما يوحي كأن كل أوصال الوجود تقطعت؛
أو”أن المسافة خانت الضوء” وراحت بعيدا …
و”الصوت” أصابه خرس،
فلا “حياة لمن تنادي”
ولا من سامع لأية استغاثة
أو طلب للنجاة…
ونحس أننا نعيش فصول مسلسل مسرحية درامية او تراجيديا شكسبيرية،
لم نعرف مثلها عبر كل ما سلف من الأزمان…
…وأستدرك كي لا أنهي قراءتي بما يشبه الواقع المأساوي الحالي، لأعود قليلا إلى ما بدأته في قراءتي: أن رسالة الشاعر
و الأديب والمفكر هي أن
نقذف ضوءا ونحلم قليلا؛
فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل…
وانا على بينة من أن السواد سيتبدد، وأن الفجر آت مهما تأخر …
وتحية تقدير كبيرة للشاعر والناقد المبدع الأستاذ محمد مجيد حسين.