مؤجلةً
الى موسمٍ
جرحته الريح
قديما
نرسمُ أبواباً
لانعبر منها …..
كثيرةٌ هي العتبات
الفارغة….!!!!!
الشاعر إياد حلمي
*****************
هو الحنين و الشوق لبلوغ الأحلام .. هي ليست مؤجلة فقط بل قد تكون مستحيلة ..فهي قائمة فعلا ليس بذهن الشاعر و مخيلته فقط بل هي قائمة في مكان ما ، لا بد أن يتراءى يوماً… وفي ذات زمان لا بد أن يأتي .. و كأننا بالشاعر عليه فقط أن يضغط على زر لتتحقق أحلامه فهي سهلةالبلوغ لكنها بذات الوقت مستحيلة …
هكذا يطلبها الشاعر و يريد تحقيقها بشدة .. و يتكرر عنده الطلب و تكبر الرغبة بنفسه يوما بعد يوم ..
كثيرا ما كان يرسم أبوابا ليعبر من خلالها إلى عالمه الآخر عالم الأحلام ، بفعله هذا هو يعلن أن أحلامه ليست مستحيلة و أنها قابلة التحقيق و يثبت بنفس الوقت سيطرت الأحلام على فكره ، و وجودها في باحة الذات الحالمة الشيء الذي ينتج عنه إثبات الذات في فضاء الوجود فهي ( أي الذات ) إنعكاس الأحلام بمرآة الوجود ، و كأن الشاعر لا يعيش إلا ليحلم و لا يحلم إلا ليعيش ، فهو يعيش جدلية ” الحلم /الواقع ” ففعل الرسم ـ رسم الأبواب ـ ليس سوى إستحضار الأحلام للخلاص من جحيم الواقع فهو إنعثاق روحي للخلاص .
ثم إن لفظة ” الريح ” تلعب دورا مهما للتعبير عن الجرح ـ القديم ـ فهي تقسم الجرح إلى إثنين ، شقاء فكري مقيد ( الفكر يقيده الواقع ) و شقاء روحي مطلق يظهر ويتجلى في التوق للوصول إلى الغاية الكبرى : تحقيق الأحلام المؤجلة …
يقول الشاعر : “قديما .. نرسم أبوابا .. لا نعبر منها ..” فهو يؤكد على أن الأبواب مغلقة ، هي مجرد رسم لا يمكن العبور من خلاله ، و بهذا الرسم للأبواب تتجلى صورة الانغلاق والقيدية التي تمارسها الأبواب على الذات الشاعرة ، فهي تقيد حركة الشاعر و تجبره على الرضوخ للواقع ، فعبثا يحاول تحقيق أحلامه إلا أنها لا تتحقق ” لا نعبر منها ” فالأبواب هنا هي بؤرة الخلاص ، المنفذ و النقطة الوحيدة البيضاء للتفاءل داخل ظلام اليأس .. لكنّها رُسمت ( أي الأبواب ) فقط للتأمل و إمعان النظر فالعبور منها مستحيل و لو بالحلم ، فهو غير متححق حتى بالخيال ..
هكذا يتبلور عالم الانغلاق والقيدية في إطار تصور ثنائية “الأبواب المغلقة / و العتبات الفارغة”، إذ تبرز صورة العتبات فارغة .. مهجورة ، منظرها يوحي بأحاسيس و مشاعر كثيرة ( البؤس ، الشقاء ، الألم .. الحزن ..) و تتعمّق الصورة و تتوحد بينها و بين الشاعر و بينها و بين المتلقي فيصبح الكل يعبر من خلال صورة واحدة ـ فهي رمز الخيبات المتكررة و الأحلام المستحيلة ـ تتكامل و تتفاعل بتفاعل الداخل والخارج والذات والموضوع .
في الواقع أراد الشاعر أن يجد منفذا للخروج من دائرة المستحيل و الأحلام المؤجلة معتقدا أن الأبواب ستُفتح بفعل دورة الزمن ، و كل المستحيلات في قرارة نفسه تنتهي بإنتهاء دورة المتغيرات في عالم الواقع و أن تحقيقها يقتضي السعي و المتابرة .. و يعتبر هذا التفكير من بين الحلول الحاضرة في نفس و ذهن الشاعر فهو يظن أنه بالجهد المستمر تسقط كل المعوقات التي تحول بينه و بين تحقيق أحلامه لكن الزمن يؤكد عكس إعتقاده .. تبقى أحلامه مؤجلة لا يتسع لها العمر ، رغم أن التسليم بعدم حدوثها يشكل نوعا من ” الصدمة ” إلاّ أن مجرد الحلم يعد عنصرا مهماً في إثبات الذات على رقعة الواقع .